-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آثِرِ الله في كلّ موقف

سلطان بركاني
  • 891
  • 0
آثِرِ الله في كلّ موقف

ذُكر في السير أنّ عمر بن هبيرة والي العراق على زمن يزيد بن معاوية، استدعى الإمامين الحسن البصري وعامر بن شراحبيل الشعبي، ليسألهما عما يبعثه إليه يزيد بن معاوية من أوامر تتضمّن ظلما وحيدة عن الحقّ، هل ينفذها أم يتجاهلها؟ بدأ بسؤال الشعبي في هذا الموقف أولا، فقال كلاما يرضي الوالي والخليفة، والحسن البصري ساكت، فلما انتهى الشعبي من كلامه التفت عمر بن هبيرة إلى الحسن وقال: وما تقول أنت يا أبا سعيد، فوعظه الحسن البصري موعظة قوية أمره فيها بالمعروف ونهاه فيها عن المنكر، ولم يداهن أو يواري.

كان ممّا قاله الحسن البصري لابن هبيرة: “يا ابن هبيرة، خَفْ الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أنّ الله -عز وجل- يمنعك من يزيد وأنّ يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة، إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك، يا ابن هبيرة إنك إن تك مع الله –تعالى- وفي طاعته يكفك بائقة يزيد في الدنيا والآخرة، وإن تك مع يزيد في معصيته، فإن الله يكلك إلى يزيد، واعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوق كائنا من كان في معصية الخالق -عز وجل-“، فبكى عمر بن هبيرة حتى بلت دموعه لحيته، وأكرم الحسن البصري إكراما شديدا، ولم يلتفت إلى الشعبي، فلما خرج الحسن والشعبي وذهبا إلى المسجد، واجتمع الناس ليعرفوا خبرهما، التفت الشعبي إلى الناس بعد أن تعلم درسا مزلزلا وقال: “يا أيها الناس، من استطاع منكم أن يؤثر الله -عز وجل- على خلقه في كل مقام فليفعل، فوالذي نفسي بيده ما قال الحسن لابن هبيرة قولاً  أجهله، ولكن أردت فيما قلت وجه ابن هبيرة، وأراد الحسن فيما قال وجه الله”.

إنّه درس ينبغي أن يُكتب بماء الذّهب، وبخاصّة في زماننا هذا الذي غدا فيه إرضاء المخلوقين هدفا ليس لعامّة النّاس فحسب، وإنّما هدفا للخاصّة من بعض العلماء والدّعاة، درس ينطق بأنّ من طلب رضا الله بسخط الناس، رضـي الله عنه وأرضى عنه النّاس، ومن طلب رضا النّاس بسخط الله، سخط عليه الله وأسخط عليه النّاس، وقلوب العباد بَرّهم وفاجرهم بيد الله، يقلّبها كيف يشاء.

لأجل هذا ينبغي أن يكون همّ العبد هما واحدا، همّ رضا الله جلّ وعلا، وواللهِ لن ينفع العبدَ لو سخط عليه الله أن يرضى عنه من في الأرض جميعا، ولو رضـي الله عنه فلا يضره أن يسخط عليه من في الأرض جميعا.

مهما حاول العبد المؤمن أن يرضي الناس على حساب الحق أو الواجب، فلن يصل إلى مبتغاه، لأنّ النّاس في الغالب لا يرضون إلا بما يوافق أهواءهم ويخدم مصالحهم، ومصالحهم وأهواؤهم تختلف وتتعدّد وتتبدّل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!