… أبابا والـ4 حراميين

مرة أخرى، وهذه المرة بشكل عال ومدو، لا يوازي حجم الدوي الذي صنعته غطرسة حكومة الإجرام الصهيوني في الكيان الغاصب والإجرامي، ولكنه يقابله في القوة والموقف الصلب، مرة أخرى، تنتفض القارة السمراء في وجه الاستعمار بكل أشكاله وألوانه، لاسيما الاحتلال الصهيوني المغتصِب للأرض، المجرم في حقّ الإنسان والإنسانية، المرتكِب للإبادة في حق شعب أعزل، باعتراف المؤسسات الحقوقية العالمية، المتهم رئيس وزرائه وقيادة جيشه من طرف المحكمة الجنائية الدولية.
تنتفض إفريقيا في أديس أبابا، ليس من أجل أن تقول “لا” فحسب، بل لتجرّم علنا، وبصوت مسموع، هذا الكيان الذي كان إلى فترة وجيزة، يصول ويجول في غياب الجزائر عن المشهد الإفريقي: سنوات الفساد السياسي المنهجي على جميع الأصعدة، من تواطؤ الأوليغارشية المالية الجديدة مع المحتلّ السابق، اقتصاديا وسياسيا، إلى تخريب العلاقات الجزائرية الخارجية وإبعادها عن صنع القرار وتغييبها عن التأثير في صنع المشهد السياسي العالمي والإفريقي بشكل أخصّ، وترك المجال مشرَّعا لجيران السوء، يتعاطون مع إفريقيا من بوابة الكيان الصهيوني، الراغب في التغلغل إلى قلب القارة بدعم فرنسي مغربي.
الكل يتذكر عودة الجزائر القوية إلى الاتحاد الإفريقي، الجزائر التي غُيِّبت بسبب رئيس غائب ومغيَّب، كان يحتكر لعدة عشريات ملف الخارجية بمفرده، فغابت الخارجية بغيابه وهو الحاضر الغائب، مستفيدة من الوضع حفنة من الأوليغارشية المالية الفاسدة والأفراد، ممن سمّوا “القوى غير الدستورية”. كان هذا يحدث، وللمفارقة، عندما كان المغرب، الذي ظل بعيدا لعقدين من الزمن عن إفريقيا و”منظمة الوحدة الإفريقية”، منذ أن قرَّر الراحل الملك الحسن الثاني الخروج من هذه المنظمة وقتها، واصفا إياها بمنظمة “الفلكلور”: صار العائد الدخيل، هو من يرسم السياسات ويحيك المناورات والدسائس ويحرِّك خيوط اللعبة عبر الرشاوى والدعم الفرنسي والصهيوني، وينخرط في إستراتيجية خبيثة من أجل تلغيم الاتحاد الإفريقي عبر إدخال المحتلّ الغاصب المجرم إلى أروقة هذا الاتحاد، الذي بُني كله أساسا على الكفاح ضد الاستعمار كيفما وأينما كان، وعلى رأس ذلك الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية واحتلال المغرب للصحراء الغربية.
كانت عودة الجزائر إلى دورها الطبيعي والمؤسس في الاتحاد الإفريقي، قوية وصادمة ومدوِّية، بدأت بنسف مخططات المغرب في استبعاد جبهة البوليساريو من الاتحاد، ثم بنسف مخطط “تهويد” الاتحاد وصهينته، والكل يتذكر موقف الجزائر وما قامت به من أجل “تجميد”، حتى لا يقال “إلغاء”، ترشيح الكيان لعضوية الاتحاد الإفريقي كـمراقب، فكان الصراع في الكواليس وفي العلن مع رئيس المفوضية “بشير فقي”، الذي كان بوابة لمحاولة “البواب المغربي” فتح الباب أمام الكيان الصهيوني لمساعدته على احتواء الاتحاد وإفريقيا برمَّتها تمهيدا للتغلغل ثم الهيمنة، تمهيدا لعودة الاستعمار القديم الجديد على أوسع مدى.
أفشلت إفريقيا المخطط بفضل الدعم القوي للجزائر، ومواقفها الصلبة في هذا الصدد، وهو الموقف ذاته الذي تبنّته في أروقة الأمم المتحدة ودافعت عنه، لاسيما في مجلس الأمن قبل تولي الجزائر رئاسته وأثناءه وبعده.
اليوم، وبحضور شخصي مميز لرئيس الجمهورية في أديس أبابا، تفوز الجزائر على المخطط، وتقلّم أظافر المغرب ومخالب الصهيونية والاستعمار البائد، وتفوز المرشحة الجزائرية على حساب المرشحة المغربية بفارق كبير في الأصوات، ويخرج بيان الاتحاد قويا مدوّيا يفضح جرائم الآلة الصهيونية وداعميها، ويتبنَّى الموقف التاريخي لإفريقيا في كفاحها الدائم ضد الميز العنصري والاستعمار بكل أشكاله وأنواعه، وتكون بذلك إفريقيا، ومعها الجزائر القوية، قد استعادت إفريقيا من الأيادي العابثة ومحاولة الاختطاف والسرقة من طرف الأربعة حراميين.