أخرجوا “البيان” من المتحف

أعاد سعيد سعدي أخيرا إلى الواجهة قضية محل جبهة التحرير الوطني من الإعراب.. هل نتعامل معها كإرث تاريخي يجب أن يحنط ليتبرك به كل الجزائريين؟
-
أم نرفع عنها قداسة الماضي حتى يصير من حق بعض الجزائريين الاستعانة بها كقبعة سياسية وكغطاء إيديولوجي؟
-
من الوهلة الأولى يبدو هذا الموضوع عقيما ولا طائل منه، لأن النقاش الحقيقي اليوم يجب أن يتجاوز إدخال جبهة التحرير الوطني للمتحف إلى ضرورة إخراج بيان أول نوفمبر من المتحف.
-
كلما حلت ذكرى اندلاع ثورة التحرير المباركة، أطنبنا في الحديث عن أمجاد الكفاح، وذبنا في تفاصيل المعجزة التي أخرج الجزائريون بفضلها أعتى قوة استعمارية في تاريخ البشرية الحديث..الغرق في التفاصيل هو أخطر ما يمكن أن يصيب شعبا من الشعوب، فهو يلهي عن الخطوط العريضة، وعن العناوين الأساسية.
-
من منا مثلا استوقف نفسه لحظة ليعيد قراءة بيان أول نوفمبر قراءة هادئة تتجاوز قدسية الرمز إلى واقعية المحتوى، لو فعلنا لاكتشفنا كثيرا من المعاني الكبيرة الضائعة بين التفاصيل الصغيرة.
-
تحيين قراءة بيان أول نوفمبر سيمكننا حتما من وضع خطوة أولى على طريق اكتشاف بعض أصول النفاق السياسي في بلادنا، فالوثيقة التاريخية تحولت بقدرة قادر إلى المرجعية الأولى لكل التيارات الأيديلوجية الجزائرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. فهي مرجعية حاملي شعار “الديمقراطية كفر” بالرغم من أنها دعت إلى “إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية…”، وهي أيضا مرجعية الحالمين بجزائر علمانية رغم أنها جاءت لتؤسس دولة جزائرية “…ضمن المبادئ الإسلامية”.
-
القراءة الهادئة لبيان أول نوفمبر ستمكننا أيضا من اكتشاف بأن حجم ما حققناه منه كمشروع للمجتمع لا يتجاوز الربع في انتظار معجزة جديدة لتحقيق ما تيسر من الأرباع الثلاثة الأخرى.. فأين نحن من “الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة..” وآلاف الجزائريين يحملون قوارب الموت ليركبوا البحر هربا من جحيم معلوم باتجاه جحيم مجهول. وأين نحن من “احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني” والحريات النقابية والسياسية ما زالت مكبوتة. وأخيرا أين نحن من “تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي الإسلامي” ومشروع الاتحاد المغاربي يراوح مكانه في نقطة الصفر الأبدية.
-
ثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة ليست فقط قصصا مثيرة نرويها، ولكنها أيضا علل الحاضر يجب أن نعاينها لنداويها.