أدب الطفل ليس ترفا.. بل مسؤولية ومساحة للتغيير

في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتشابك فيه الأسئلة في ذهن الطفل، تبرز أصوات أدبية تسعى لصناعة محتوى يحترم عقله ويغذي روحه، من بين هذه الأصوات، تلمع الكاتبة والمسرحية الجزائرية التي خاضت مغامرة الكتابة للطفل من منطلق تربوي وفني، مزجت فيه بين الخيال والمعرفة، وبين الرمز والواقع.
في هذا الحوار، الذي يسلط الضوء على عوالم الطفولة، بين الخيال والأسئلة الكبرى، تكشف لنا الكاتبة حنان مهدي عن تجربتها مع المسرح الموجّه للطفل، وأسباب نجاح مسرحيتها “ثلجون.. رجل الثلج الأحمر” التي حازت على جوائز عربية مرموقة، كما تتحدث عن أدب الطفل الذي تعتبره مسؤولية ومساحة للتغيير اكثر منه ترفا وعن تحديات الكتابة للأطفال، وواقع أدب الطفل في الجزائر، والمواضيع التي تستهوي الجيل الجديد من الصغار.
حدثينا عن تجربتك مع الكتابة المسرحية للأطفال؟
تجربتي مع الكتابة المسرحية للأطفال انطلقت من إيماني العميق بأن المسرح وسيلة تربوية وفنية فعّالة لبناء شخصية الطفل وتحفيز خياله.. بدأت في هذا المجال بدافع البحث عن خطاب يليق بالطفل، يجمع بين المتعة والمعرفة، ويحفّزه على التفكير ومن بين أعمالي، مسرحية ثلجون.. رجل الثلج الأحمر الحائزة على جائزة الهيئة العربية للتأليف المسرحي الموجه للطفل بالشارقة وقد كانت تجربة مميزة، لأنها جمعت بين عناصر الخيال والرمزية، وطرحت أسئلة عميقة في قالب بسيط يناسب عقلية الطفل.. العمل لم يكن ترفيهيا فقط، بل كان مساحة للتعبير عن مفاهيم مثل الاختلاف، القيم، البحث عن الذات وتقبل الآخر ونبذ العنصرية ومعالجة ظاهرة التنمر.
ما هي الجوانب التي تأخذينها بعين الاعتبار عند الكتابة للطفل؟
الكتابة للطفل تتطلب عناية خاصة.. وتركيزي الأكبر هو على قصص الأطفال، ففي مسيرتي نشرت حوالي 400 قصة بين كتب ومجلات عربية مختلفة، وفي الكتابة أراعي المستوى العمري واللغوي، فالكلمات يجب أن تكون بسيطة، لكنها غنية بالمعنى، كما أحرص على احترام ذكاء الطفل، فأنا لا أقدم له “دروسا مباشرة”، بل أفتح له نافذة على التساؤل والاستكشاف. كذلك أضع في الحسبان الجانب الجمالي والخيالي، فالطفل يتفاعل كثيرا مع الصور الرمزية.. كما أحرص على أن تكون النهاية مفتوحة أو تزرع فيه بذرة للتفكير بدل تقديم حلول جاهزة مثل قصة الحلزون يريد النوم التي صنفت ضمن أهم مائة قصة في العالم العربي بباريس.
هل أخذ أدب الطفل حقه في الساحة الأدبية الجزائرية؟
للأسف، لا يزال أدب الطفل في الجزائر يعاني من التهميش، رغم وجود طاقات مبدعة وتجارب رائدة.. نحن نحتاج إلى رؤية استراتيجية، وإلى اعتبار الطفل قارئا ومتلقيا جدّيا له الحق في محتوى أدبي راق ومتنوع.
ما هي المواضيع التي تستهوي الجيل الجديد من الأطفال بالمقارنة مع الأجيال الماضية؟
الجيل الجديد منفتح أكثر على التكنولوجيا والخيال العلمي والبيئة وقضايا الهُوية وعوالم الفنتازيا والخيال.. لم يعد الطفل يكتفي بحكايات الحيوانات الناطقة أو القصص التقليدية.. هو يريد أن يفهم العالم، أن يطرح أسئلة حول هويته وذاته والتكنولوجيا الحديثة كالروبوتات، والعلوم كالسفر عبر الزمن، وحتى مفاهيم العدالة والاختلاف. لهذا حاولت في ثلجون.. رجل الثلج الأحمر أن أدمج عناصر من الخيال المعاصر مع قضايا تمس وجدان الطفل اليوم، كالشعور بالوحدة أو الغربة أو الخوف من الآخر المختلف.
إلى أي مدى يستجيب أدب الطفل لمواضيع الساعة؟
الاستجابة موجودة ولكنها بطيئة ومحدودة، هناك محاولات فردية لطرح مواضيع الساعة مثل البيئة، الهوية، التكنولوجيا، أو حتى الصحة النفسية للطفل، لكنها لا تزال غير كافية.. نحن بحاجة إلى حركة نشر شجاعة ترافق المتغيرات السريعة التي يعيشها الطفل، وتوفر له أدوات لفهم العالم المعقّد من حوله بطريقة مبسطة وملهمة.
إلى أي مدى يمكن للمسرح أن يسهم في توجيه الطفل نحو القراءة؟
المسرح يمكن أن يكون بوابة رائعة نحو القراءة، عندما يشاهد الطفل مسرحية مشوقة، ويرتبط بالشخصيات والأحداث، يرغب غالبا في العودة إليها عبر الكتاب.. كما أن المسرح يحفّز الحواس والخيال، ما يجعل الطفل أكثر قابلية لاكتشاف القصص والكتب، وفي عروض ثلجون.. رجل الثلج الأحمر، لاحظتُ تفاعل الأطفال ليس فقط مع العرض، بل مع مضمون الحكاية، وكان بعضهم يسأل إن كانت هناك قصة مطبوعة يمكنهم قراءتها.. هذه اللحظة تحديدا تؤكد لي أن المسرح يستطيع أن يزرع بذور حبّ القراءة بفعالية خصوصا وأن المسرحية تميزت بابتكار شخصيات قصصية جديدة تصلح لتكون سلاسل قصصية ناجحة وحتى في شكل رسوم متحركة وألعاب.