-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تفتح ملف الطلبة الدوليين وتستطلع آراء الفاعلين في القطاع:

“أدرس في الجزائر”.. نحو تفعيل الدبلوماسية العلمية

إلهام بوثلجي
  • 2790
  • 0
“أدرس في الجزائر”.. نحو تفعيل الدبلوماسية العلمية

في إطار إستراتيجيتها الرامية إلى عصرنة الجامعة الجزائرية والزيادة من مرئيتها عالميا، استحدثت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وسم “أدرس بالجزائر Study in Algeria” لتشجيع الجامعات على استقطاب الطلبة الدوليين، ما يعكس توجه القطاع لتفعيل الدبلوماسية العلمية التي من شأنها تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع العديد من الدول.
وتولي الوزارة عناية كبيرة لملف مرئية الجامعات الجزائرية وإعادة تصنيفها من خلال التركيز على عدة معايير للوصول إلى الهدف المنشود، لاسيما وأن الجامعة الجزائرية خلال العشرية الأخيرة شهدت أسوأ فترة في تاريخها جعلتها تتذيل الترتيب العالمي أحيانا وخارج التصنيف أحيانا أخرى وأضحت بحوثها حبيسة جدران المكتبات.
وللخروج من هذه الدائرة الضيقة، قدمت الوزارة خطة عمل شاملة بداية بتعزيز اللغة الإنجليزية في الجامعات كلغة تدريس ونشر بالنسبة للباحثين، ثم تشكيل لجنة لتحقيق مرئية الجامعة الجزائرية وإعادة تصنيفها، وصولا إلى استحداث وسم “أدرس بالجزائر”.. هذا الأخير الذي يهدف إلى تعزيز جاذبية المؤسسات الجامعية والرفع من مستوى مرئيتها وتشجيع التدريس باللغات الأجنبية، إذ يرتكز على جملة من المعايير والمؤشرات والتي تخص تقييم الطلبة الأجانب لمستوى مرافقتهم من قبل المؤسسات الجامعية، وظروف استقبالهم، والتقيُّد بمضمون دليل مرجعي يصاغ بالتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، فحصول مؤسسات التعليم العالي على وسم “أدرس في الجزائر” سيجعلها مرئية على المستوى الدولي، كما أن مواقعها الإلكترونية ستكون متاحة عبر جميع التمثيليات القنصلية في الخارج، وتكون لها أفضلية في ترتيب الجامعات الجزائرية.
وتسعى الوزارة من خلال هذه الإستراتيجية إلى استقطاب طلبة دوليين من عدة جنسيات، إذ سبق للجزائر أن استقبلت نحو 63 ألف طالب أجنبي يمثلون 62 جنسية منذ سنة 1962 إلى يومنا هذا، فيما تحصي الجامعات الجزائرية خلال الموسم الجامعي 2022-2023 نحو 8500 طالب دولي من عدة دول أغلبها إفريقية وعربية.
وفي السياق، حاولت “الشروق اليومي” تسليط الضوء على مبادرة وسم “أدرس بالجزائر” وهذا من خلال وجهة نظر مختلف الفاعلين في القطاع من معنيين بالملف وأساتذة خبراء.

صحراوي: “أدرس في الجزائر.. من مؤشرات جودة التعليم”
إلى ذلك، أوضح مدير التعاون والتبادل الجامعي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي صحراوي الطاهر في تصريح لـ”الشروق” بأن وسم “أدرس بالجزائر” هو مجموعة من المعايير والمؤشرات التي وُضعت من أجل تحسين استقبال الطلبة الدوليين بالجزائر من الجانب الخدماتي والمعيشي والبيداغوجي والترفيهي، وأضاف “قد يتساءل البعض عن سبب تسليط الضوء على الطلبة الدوليين؟ ببساطة نقول إنهم يمثلون استثمارا استراتيجيا لكل الدول في العالم”، وتابع “الطالب الأجنبي يُستقطب بشتى الوسائل.. مثلا أوروبا تستقطب الطلبة الجزائريين سنويا من خلال المنح، فهم يمثلون اليد العاملة والاستثمار المباشر الهام الذي يصبّ في تنمية الاقتصاد وتطويره”.
وتساءل صحراوي “هل يعقل أن تكون الجزائر بوابة إفريقيا في حين تستقطب الدول الأوروبية الطلبة الأفارقة ولا تستقطبهم الجزائر؟”، ومن أجل ذلك –يقول- وضعت الجزائر من خلال وزارة التعليم العالي ومديرية التعاون إستراتيجية جديدة تمثلت في وسم “أدرس بالجزائر” والذي يرسم الخارطة والتدابير والإستراتيجية التي يجب اتخاذها لاستقطاب الطلبة الدوليين في الجزائر.
وشرح المسؤول نفسُه بأن أهمية هذه الإستراتجية تنبع من الميزة التي يتمتع بها الطلبة الدوليون كسفراء لبلدانهم في الجزائر، ليصبحوا بعد تكوينهم سفراء للجزائر في بلدانهم، وهذا من خلال اتخاذ القرارات وخلق لوبي جزائري في هذه البلدان مثل ما تعمل عديد الدول الأوروبية والأمريكية وغيرها، فضلا عن مساهمتهم -يقول صحراوي- في تحسين التبادلات الاقتصادية والتعاملات السياسية بين الجزائر وهذه البلدان، لأن منهم من سيتولى مناصب مسؤولية في بلدانهم وبإمكانهم اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية.

العشرية السوداء جعلت الجامعات الجزائرية منغلقة على نفسها
وأشار صحراوي إلى أن الهدف الرئيس من استقطاب الطلبة الدوليين هو كونه من المؤشرات العالمية التي تدخل في تصنيف الجامعات ومرئيتها، إذ تأخذ التصنيفات بعين الاعتبار عدد الطلبة الدوليين والجنسيات كمعيار من معايير المرئية والتصنيف وجودة التعليم والبحث العالي في أي جامعة وبلد ما، وأضاف: “الآن وأكثر من أي وقت مضى أصبح من الضروري الأخذ بعين الاعتبار هذا المؤشر العالمي”، وشدّد على أهمية هذا المسعى من أجل التنوع في الجامعات والانفتاح على العالم الخارجي لاسيما أن العشرية السوداء أثرت كثيرا على سمعة الجزائر وصورتها ومنها مؤسسات التعليم العالي وجعلتنا لفترة من الزمن منغلقين على أنفسنا، وهي الفرصة –يضيف- التي استغلتها دول الجوار لممارسة “الدبلوماسية العلمية” في إفريقيا.
وأفاد مدير التعاون والتبادل الخارجي بأن هذا الوسم سيمكّن من اختيار الجامعة التي تتواجد بها الظروف والمناخ الملائم لاستقطاب هؤلاء الطلبة الدوليين، على غرار الجانب البيداغوجي، إذ يجب أن تتوفر في الجامعة لغاتٌ متعددة كالإنجليزية وحتى العربية والفرنسية ولغات أخرى إن اقتضى الأمر من أجل منح الطلبة الأجانب فرصة للتعلّم بلغاتهم أو للتعلم باللغة العربية، وهذا ما يستوجب وجود مراكز للتعلم المكثف للّغات لتعليم اللغة العربية.
وقال صحراوي إن وسم “أدرس بالجزائر” الذي أعلن عنه وزير القطاع البروفيسور بداري شهر ديسمبر 2022 مقسَّم إلى ثلاثة محاور، الأول يخص الجانب البيداغوجي والذي يرتكز على تنوع اللغات والمقاييس والشُّعب ونوعية الشهادات التي يمكن منحها، أما الثاني فيتعلق بالحوكمة وما تتطلبه من رقمنة وتخصيص مصلحة مختصة لاستقبال الطلبة الدوليين وتوجيههم وتسهيل الإجراءات للتسجيل في المنحة والإقامة، في حين يتمثل الجانب الثالث في الحياة الطلابية للطالب الدولي في الحي الجامعي الجزائري، وهذا ما سيخلق –حسبه- تنافسية بين الأحياء الجامعية لتقديم بيئة أفضل لاستقطاب هؤلاء الطلبة وسيعود أيضا بالفائدة على الطلبة الجزائريين.
وبخصوص المِنح التي تقدمها الجزائر للطلبة الأجانب، أوضح صحراوي أنها مقسَّمة إلى قسمين، الأولى تدخل في إطار اتفاقيات التبادل بين البلدان في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، إذ تقدَّم لطلبة من الدول العربية كالأردن والسودان وموريتانيا وتونس.. أما الثانية فهي منحٌ تضامنية مع بلدان إفريقية، إذ تمنح في شكل حصة و”كوطة” موجهة حسب كل بلد وتخصِّصها وزارة الخارجية بإشراك وزارة التعليم العالي، مثلا عدد منح لطلبة كينيا هي حصة تدرسها وزارة الخارجية ونحن ننفذ ونستقبل العدد الذي تخصصه الجزائر.

مختاري: نحو تحسين صورة الجزائر في المواقع الأجنبية
في السياق، قال مدير جامعة الجزائر 1 البروفيسور مختاري فارس إن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أطلقت وسم “أدرس بالجزائر” بتاريخ 23 ديسمبر 2022 من أجل خلق جو تنافسي بين الجامعات الجزائرية للحصول على الوسم، من خلال تحسين برامجها وخدماتها لاستقطاب الطلبة الدوليين من كل نواحي العالم.
ويرى البروفيسور مختاري بأن اهتمام وزارة التعليم العالي بالطلبة الدوليين يدخل في إطار تمتين العلاقات الجزائرية الدولية من جهة وتحسين صورة الجزائر في المواقع العلمية من جهة ثانية، بالإضافة إلى مدِّ الجسور الاقتصادية بين الجزائر ومختلف الدول التي ترسل طلبتها للدراسة في مؤسسات التعليم العالي الجزائرية، وهو ما من شأنه –يقول- المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني، كما لفت إلى أن أهم خطوة للرفع من مرئية الجامعات الجزائرية وترتيبها تمكن في مؤشر استقطاب الجامعات للطلبة الأجانب.
وأشار المسؤول ذاته إلى أن اعتماد التدريس باللغة الانجليزية من أهم المعايير التي تجذب الطلبة الأجانب، وهو ما جعل الوزارة تولي اهتماما خاصا بملف تعزيز الانجليزية في الجامعا، وأضاف: “الطلبة الدوليون هم بمثابة سفراء للجزائر بعد تخرُّجهم من الجامعات الجزائرية والتحاقهم بدولهم، وهذا من الناحية العلمية والاقتصادية والسياسية”، مذكرا في السياق باليوم المفتوح الذي تم تنظيمه ولأول مرة هذه السنة يوم 14 نوفمبر 2022 للترحيب بالطلبة الأجانب في احتفاليات احتضنتها مؤسساتُ التعليم العالي عبر الوطن، وهذا تنفيذا للإستراتيجية التي تبنتها الوصاية لمباشرة الإصلاحات.

اتفاقيات توأمة وأيام مفتوحة.. مساع لاستقطاب الطلبة الدوليين
وفي إطار هذا المسعى، ذكر مدير جامعة الجزائر 1 بأن الوزارة أطلقت خلال شهر جانفي أبوابا مفتوحة على الجامعات الجزائرية لاستقبال الطلبة الأفارقة الجدد والذين التحقوا بها خلال سنة 2022، وقال: “كل هذه الإجراءات التي بادرت بها الوزارة في الفترة الوجيزة السابقة تحت إشراف البروفيسور كمال بداري تأتي من أجل تحسين مرئية الجامعة وصورة الجزائر ومؤسساتها التعليمية بالنسبة إلى الطلبة الدوليين”، وفي سياق ذي صلة، أشار المتحدث إلى أن الوصاية أبرمت اتفاقيات توأمة مع العديد من الدول لتسهيل تبادل الخبرات سواء بين الطلبة الجزائريين ونظرائهم الدوليين، وحتى الأساتذة والباحثين، وكلها إجراءات تصبّ في إطار جذب العديد من الدول لإرسال طلبتها للدراسة في الجزائر.
وأضاف بأنه كلما كان العدد كبيرا والظروف بالجامعة الجزائرية جيدة سيكون للجزائر نصيبٌ من المرئية وتتغير النظرة السلبية لمؤسسات التعليم العالي، كما أن الطلبة الدوليين سينقلون كل ما هو حسن عن الجزائر إلى دولهم، خاصة أنَّ منهم من سيشغل مناصب مسؤولية، ما يجعلهم سفراء للجزائر، ويدعم بطريقة غير مباشرة نموَّ الاقتصاد الوطني من خلال استثمار هذه الدول في الجزائر، وتبادل الخبرات مع الجزائريين على كل الجوانب العلمية والثقافية والسياسية.

بوحنية: الدبلوماسية العلمية تقتضي استراتيجية لاستقطاب الأجانب
بدوره، أكد البروفيسور بوحنية قوي، عميدٌ سابق لكلية الحقوق بجامعة ورقلة، على أن الديمقراطيات ذات الأنظمة التعليمية المتطورة تلجأ دوما إلى وضع إستراتيجية لاستقطاب الطلبة الدوليين وهذا ضمن ما يسمى بـ”الدبلوماسية العلمية”، وأضاف “أعتقد أن للجزائر تأثيرا ووهجا دبلوماسيا على إفريقيا وتجمعها معها نقاط جامعة سواء الاتحاد الإفريقي حاليا وقبلها المنظمات الإفريقية وتاريخ النضال المشترك”، وتابع “هذا ما يجعل الجزائر مطالبة بأن تشتغل على محور الطلبة الدوليين الأفارقة نظرا للقواسم المشتركة التي تجمع بين دول القارة الإفريقية بشعوبها وعاداتها وتقاليدها”.
وشدد البروفيسور بوحنية على أهمية المدخل التعليمي كمنظور استراتيجي مؤثر وقوي لبناء العلاقات الدبلوماسية بين الدول، مشيرا إلى أنه ينبغي -وفقا لذلك- أن تخصص الجامعات الجزائرية نسبة معينة للطلبة الدوليين لمد الجسور بين الجزائر وهذه الدول بشكل ناعم ومرن واستراتيجي، ولفت المتحدث إلى أن الطلبة الدوليين سيتحولون مع مرور الوقت إلى سفراء لقطاع التعليم العالي الجزائري في بلدانهم، ومن ثم تتخرج نخبة من المدرسة الجزائرية التعليمية لتصنع بدورها جسرا للتواصل بين بيئتها والجزائر، وهو ما يعدُّ مؤشرا تراهن عليه الأنظمة ذات التنافسية العالية.

بوثلجة: دراسة الطلبة الأجانب في الجزائر وسيلة من وسائل النفوذ
من جهته، نوّه الأستاذ بوثلجة عبد الرحمان المهتم بقطاع التعليم العالي بأهمية وسم “أدرس بالجزائر” الذي أطلقته الوزارة هذه السنة لتحفيز الجامعات الجزائرية على استقطاب الطلبة الدوليين، مشيرا إلى أن دراسة الطلبة الأجانب في الجزائر تكتسي أهمية كبرى سواء من ناحية توطيد العلاقات البينية في مختلف القطاعات بما في ذلك التعليم العالي، أو تلك التي تقتضيها العلاقات مع المجموعات الإقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي، والتي تسمح بحركيةٍ كبيرة في جامعات الدول التي تنتمي إليها طبقا للاتفاقيات ساريةِ المفعول.
ويرى الأستاذ بوثلجة بأن قدوم طلبة دول العالم إلى الجزائر للدراسة فيها قد يكون وسيلة من وسائل كسب النفوذ وإيصال صوت الجزائر إلى مختلف دول العالم، أو ما يندرج في إطار “الدبلوماسية الناعمة”، ولتحقيق هذا المسعى يتطلب توفير عدة شرط –يقول المتحدث- وأهمها وضع إستراتيجية تتضمن الدول المرغوبة والتخصصات الملائمة لنجاح ذلك، كما يتطلب الأمر رفع المستوى وتحسين جودة التكوين والبحث حتى تصبح الجامعات الجزائرية من الجامعات العالمية التي تجذب الطلبة للدراسة فيها، وهو ما تفعله الدول المتقدمة، إذ أنها دائما ما تعرض منحا للطلبة الأجانب ومن دول معينة وفي تخصصات بذاتها وبشروط محددة مثل إتقان لغة تلك الدولة أو إتقان اللغة الإنجليزية.
وأضاف “رغم وجود طلبة من جنسيات مختلفة يدرسون في بلادنا، خاصة من الدول العربية والإفريقية، لكن يجب أن نطمح لأكثر من ذلك”، وأردف “يجب أن نصل إلى اليوم الذي تجد فيه طلبة من أوروبا وأمريكا وآسيا يدرسون في بلادنا”، مستدلا بأهمية تعميم اللغة الإنجليزية ونقل بعض التخصصات إلى العالمية، عوض بقاء تأثيرها محليا فقط من ناحية نوعية التكوين والبحث، حتى يمكن على المدى المتوسط والبعيد الوصول إلى جامعات جزائرية ذات سمعة عالمية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!