-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أستاذٌ وكورونا!

أستاذٌ وكورونا!
ح.م

تصرّ بعض النقابات التربوية على تجميد الدراسة التي هي في الواقع لم تنطلق بعد بشكل جدّي، بحجة وقاية التلميذ والأستاذ والطواقم الإدارية من فيروس كورونا، وتذهب أخرى إلى اعتبار عمال التربية الذين يقارب تعدادهم المئة ألف، كجنود الصف الأول في مواجهة الوباء القاتل، الذين يجب أن يستفيدوا من ذات المنح والتبجيل الذي يحظى به الأطباء وشبهُ الطبيين، وتجد هذه النقابات الدعم الكامل من أساتذة كل الأطوار، الذين دخلوا منذ شهر مارس الماضي في عطلة طويلة الأمد ومدفوعة الأجر، حتى نسي مئاتُ الآلاف من التلاميذ أبجديات التعليم، وصاروا يكنّون للعلم مشاعر نفور قد تقضي على ما تبقى من تربية وتعليم.

عندما نرى إصرار التجار على العمل حتى ولو بلغت أرقام الإصابة بكورونا عشرات الآلاف، ونرى في المقابل إصرار الأساتذة على التوقف عن العمل حتى ولو بلغت أرقام الإصابة بكورونا العشرات فقط، ندرك بأن الفارق بين المهنتين قد نُسف نهائيا، فهذا يريد الكسب المالي المعجون بالأنانية، وذاك يريده من دون عمل، ولا ندري إلى حد الآن لماذا تطالب النقابات بتوقيف الدراسة النظامية التي تحرسها القوانين والبروتوكولات، ولم تطلب أي منها توقيف عبث الدروس الخصوصية التي انطلقت منذ الصائفة من دون قوانين ولا بروتوكولات، وهي تعلم بأنها منظومة موازية تمارَس جهارا، وعددُ أساتذتها بالآلاف وطلبتها بمئات الآلاف؟!

لم نقرأ إلى حد الآن خبرا عن مطالبة أساتذة تونس والمغرب ومصر وليبيا وحتى النيجر وبوركينا فاسو… بالتوقف عن التدريس، وقرأنا في المقابل عن دور فعال لأساتذة الكثير من البلدان في خدمة المنظومة الصحية لأجل مواجهة فيروس كورونا، بين تطوُّع وتضحية وتوعية للمواطنين، لأن الأستاذ هو المعلم الأول في المجتمع، الذي يمكنه أن يقدِّم النصيحة وقد يُقنع بطريقته البيداغوجية أكثر من الطبيب نفسه، وهو الأجدر بأن يحمي التلاميذ من الوباء بتقديمه العلم والتربية الممزوجين بالنصيحة والتوعية، وليس بالمطالبة بتوقيف الدراسة ورمي التلاميذ بين مستودعات الدروس الخصوصية والشارع، حيث الوباء والبلاء والجريمة بكل أنواعها.

الذين يقارنون بين المنظومة التعليمية في الجزائر وغيرها من البلاد الأوروبية ويقدِّمون جدولا طويلا من الامتيازات التي يحصل عليها الأستاذ هناك وما يعانيه هنا، عليهم أن يقارنوا أيضا بالمراكز المتأخرة التي تحتلها المدرسة وحتى الجامعة الجزائرية في العالم، ويقارنوا بما يتمتع به الأستاذ هنا مقارنة بنظرائه في إفريقيا وفي وسط آسيا وأمريكا الوسطى.

هناك تحدياتٌ عملاقة لأجل إنجاح مشروع الجزائر الجديدة، ولا يمكن لهذا المشروع أن يتقدّم خطوة واحدة من دون أهل المهن الشريفة ومنها التعليم، فقد عاشت الجزائر في تاريخها الكثير من المحن ووجدت أهلَ العلم هم المنقذ الأول وأحيانا الوحيد، فلم يكن عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي والطيب العقبي ومالك بن نبي إلا أساتذة واصلوا تعليمهم بين النار والحديد، ولم يطالبوا أبدا بتوقيف أو تجميد العلم لأجل مواجهة أيِّ ظرفٍ كان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • صحراوي

    مجرد تساؤل.
    هل هو الخوف على صحة التلاميذ!!!؟؟؟
    شكرا أستاذ، مقال في الصميم، وضع النقاط على الحروف وفضح معلمين أخر الزمان.
    أود أن أضيف فقط ما قد يكون سقط سهوا من الأستاذ، أن المدرسة توفر الحماية من الوباء للتلآميذ والمعلمين والإداريين أكثر من الشارع والسوق وحتى البيت، ولا سيما محاشر الدروس الخصوصية.
    شخصيا لا أخشى على التلميذ من كورونا، بل أخشى عليه من هذه النوعية من المعلمين والنقابيين.
    يريدونها راڨدة وتنمنجي. أخس.