-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أضغاث أحلام

عمار يزلي
  • 682
  • 0
أضغاث أحلام

مازالت تفاعلات وردود الأفعال حول “مقترح” الرئيس الأمريكي، تتوالى بعد ما بدت المسألة جدية وليست مزحة، أو “أضغات أحلام”، مع ذلك، لم نسمع ضجيجا قويّا إلى حد الآن، كما كان مفترَضا، لاسيما على المستوى الدولي، على اعتبار أن مجرد التفوُّه بهذا الاقتراح أو التعبير عنه علنا، يعدّ تهديدا للأمن والنظام العالمي والقوانين الدولية وكل الأعراف الأخلاقية والحقوقية والديبلوماسية التي اضطلع بها العالم ومؤسساته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: موقف شجب واحد، جاء من رئيس وزراء ألمانيا، الذي اعتبر ذلك “فضيحة”، أو من الرئيس التركي.
الموقف الموحَّد العربي، كان حازما من بعض دول الطوق المحوري، باعتبارها دولا محورية بشأن القضية الفلسطينية ومعنية بملف التهجير المقترح و”صفعة القرن” الجديدة التي بدا للإدارة الأمريكية القديمة الجديدة أنها نسخة معدَّلة ومطوَّرة لمعضلة الشرق الأوسط المزمنة، وحل لها على حساب صاحب الأرض، الذي يراد له أن يهجَّر ليحل محله الكيان الأجنبي المغتصب القادم من كل أصقاع العالم ليستوطن أرضا بعد طرد شعبها: هذه المعضلة الأخلاقية حتى قبل أن تكون قانونية، لم تكن مقبولة حتى زمن الحروب الصليبية، تبدو اليوم ممكنة، لبعضهم في الكيان، من وسوسوا للرئيس ترامب بفكرة التهجير القديمة، والتي لم تجد من يطبِّقها ومن يضغط على دور الجوار لغزة والضفة، بما فيه الكفاية ليصبح الحلم اليمين في الكيان “أضغاث أحلام” قابلة للتنفيذ.
فكرة سوف تتلاشى وتضمحل كما اضمحلت فكرة “صفقة القرن”، وسوف نرى مستقبلا المواقف، بعد أقلِّ من أربع سنوات وحتى قبل ذلك بكثير، تتبدَّل والتصريحات تتراجع وتتغيّر إزاء موقف عربي وقمة مقبلة تكون أكثر حزما وعزما، رفقة البلدان الإسلامية والصديقة في العالم الحر، سينكمش هذا الجموح المجنون، عندما يتضح أن الكيان ورط الولايات المتحدة في “صفقة تخسر فيها ليربح فيها الكيان”، وتلك هي طريقة الكيان في الابتزاز والتوريط واستعمال الآخر في خدمته:
المملكة العربية السعودية، ليست هي نفسها قبل عشر سنوات، بعد ما ربطت علاقات استراتيجية مع الشرق، وربطت أمنها القومي عبر تفاهمات مع الصين وإيران وروسيا وتكتل بريكس، وتتجه لإنتاج نحو 20 مليون برميل نفط يوميًّا لصالح الاقتصاديات المتنامية في الصين، وهي الآن في حدود إمكانية إنتاج 14 مليونا، بما يعني أنها لن ترضخ لابتزازات كما لم ترضخ في عهد بايدين، إذ أن العكس هو ما حصل. المملكة لن تقبل بالضغوط ولا التطبيع من دون مقابل، ولا خفض سعر النفط، مما يعني أن الولايات المتحدة ستدخل في أزمة تضخُّم عالمية بسبب مواقفها وضغوطها على كل العالم وليس فقط الخصوم، بل حتى على الحلفاء: المكسيك، كندا، بنما، أوروبا بأكملها، الصين، وكل من لايستثمر في الولايات المتحدة. هذه النزعة، ستصطدم بعوائق قد تكون كارثية على أمريكا إن لم تصحح الإدارة الأمريكية الرمي قبل فوات الأوان: هم هكذا، في تل أبيب وفي واشنطن يفضلون “العلاج بالصدمة والكي”، لكن هذا النوع من “العلاج”، غير مضمون العواقب، خاصة إذا كانت الحسابات غير معقولة وغير متّزنة ولا مدروسة، ولا يتصوّرها إلا منفصل عن الواقع، حالم، بعيد عن الواقعية.
الكيان الذي يسارع لاقتناص فرصة هذا العرض خلال السنوات الأربع المقبلة، سيفعل المستحيل من أجل اغتنام فرصة التيه والجموح، وسنرى مزيدا من التأزُّم والضغوط وتعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وقد نصل إلى حالة العودة إلى الإبادة، كشكل من الضغط الأقسى لنسيان غزة والضفة والأقصى، وهذا يتطلب منا موقفا أكثر توحُّدا وصلابة اليوم وغدا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!