-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أضواء التجربة التركية

التهامي مجوري
  • 1476
  • 6
أضواء التجربة التركية

عندما كان المهتمون يتابعون الانتخابات التركية ونتائجها التفصيلية.. كان الفضول يستدرجني إلى متابعة مواقف الخصوم الطبيعيين لهذه وزعيمها رجب طيب أردوغانن: مثل مصر السيسي وإمارات بن زايد، وموالي إيران مشرقا ومغربا وبعض القومجيين…، ولم يكن يخطر ببالي أن يبلغ ببعضهم الحد الذي رأيت من السذاجة والدناءة والحسد والغيرة..، فقد جاء في إحدى وسائل الإعلام العربية أن “أحد زعماء المافيا في تركيا أصدر بيانا من سجنه، دعا فيه الأتراك إلى دعم حزب الحركة القومية وحليفه حزب العدالة والتنمية في انتخابات 24 يونيو”، ونشرت أخرى قراءة لاستطلاع، قالت فيها “إن حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان سيحصل على 34.8 ٪ في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى يوم 24 يونيو”، كما “أعلنت أربعة أحزاب تركية، رسمياً تشكيل تحالف انتخابي للوقوف في وجه حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي ستجري في 24 يونيو المقبل، ويقال أن هذا التحالف كان بدعم من إحدى الدول المعادية لأردوغان، والعجيب أن هذا التوجه استمر إلى ما بعد الإعلان عن النتائج الانتخابية التي أفرزت الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان بنسبة 53 بالمائة، وبنسبة 54 بالمائة في البرلمان بالتحالف الذي قاده حزب العدالة والتنمية، حيث قرر المناوئون من بعض العرب التحريض على أردوغان والتشكيك في النتائج الانتخابية، بل بلغ ببعضهم أن يزعم بأن السيد محرم إنجه المنافس لأردوغان هو الفائز الحقيقي، في الوقت كان الرجل يهنئ منافسه بالفوز؛ لأن الانتصار الحقيقي في مثل هذه المناسبات هو للشعب التركي وليس لغيره.. بينما “لقطاء السياسة” لا يزالون يشعرون بأنهم هم صناع الانتصارات، بئس الشعور شعورهم.
إن حقيقة هذا الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية وقائده رجب طيب أردوغان، لا يقف عند النسبة التي فاز بها؛ لأنها نسبة لا تمثل خارقة في العرف السياسي؛ لأن الحزب الذي لم يتجاوز الـ50 بالمائة إلا بفارق ضئيل جدا، لم يأت بخارقة لأن مناوئيه كثر أيضا قد قاربوا نصف الأتراك، ولكن جوهر الفوز الحقيقي هو جملة من القضايا، تحققت خلال فترة تقارب العقدين من الزمان.
أولا: أن هذا التوجه الناشئ الجديد حكم البلاد منذ 2001، وهو في صعود إلى أن أحاط بجميع مفاصل الدولة ومؤسساتها، وهذا لا يتسنى إلا لصاحب مشروع ورؤية واضحة واستراتيجية مبصرة.
ثانيا: أن هذه الانتخابات جرت بعد عام من محاولة انقلابية فاشلة، كانت ستدخل تركيا في حمام من الدم، لولا لطف الله ثم احتضان الشعب لقيادته المنتخبة.
ثالثا: كانت نتائج انتخابات نوفمبر 2015، مفاجئة للجميع، لأن الرهان عليها كان معقودا على سقوط العدالة والتنمية، الذي تراجعت مكانته في التشريعيات الساقبة، ومع ذلك حصل الحزب على 49.5 بالمائة من مجموع الأصوات المشاركة، وهي انتخابات كانت مسبوقة بانتخابات أجريت في 7 يونيو 2015، كان قد دخلها حزب العدالة والتنمية بمشروع الحصول على الأغلبية الساحقة التي تمكنه من تعديل الدستور ولكنه فشل، وقد عدل الدستور بعد ذلك. وتعتبر الرئاسة الجديدة التي أفرزتها هذه الانتخابات –يونيو 2018-، أول رئاسة في ظل الدستور الجديد بحكم رئاسي.
رابعا: فشل الحزب في أكثر من مناسبة ولم يحقق ما يريد، وأشدها في سنة 2015 حيث وقعت تركيا في مأزق حقيقي وأزمة خانقة، ترتب عنها انخفاض الليرة التركية أمام الدولار واليورو، وتراجع الاستثمار، وضعف الحزب عن تجاوز المحنة؛ بل وفشلت الحياة السياسية في مجرد الوصول إلى توافق عملي ينقذ الواقع، بحيث أوقعت المؤسسات في ورطة، لم تستطع تجاوزها بسبب تعنت المعارضة، وتشبث القيادة السياسية باستعمال صلاحياتها، فقررت إجراء انتخابات مسبقة، فكانت الإنتخابات المشار إليها التي فاجأت الجميع، وعاد فيها حزب العدالة والتنمية بأقوى مما كان، لسبب بسيط هو أنه لم ييأس.
خامسا: ضبط سقف زمني للتجربة بسنة 2023، وهي السنة التي تنتهي فيها الكثير من العقود والمواثيق، التي كبل بها العالم الدولة التركية بعد سقوط الخلافة، بمعنى أن سنة 2023 سوف تنتفض تركيا انتفاضة لم يشهدها العالم في هذه البقعة من قبل.
وعندما اقتحم حزب العدالة والتنمية العمل السياسي سنة 2001، استصحب معه تجربة ثرية سابقة، خاضها قادته مع شيخهم الأستاذ نجم الدين أربكان، زعيم التيار السياسي الإسلامي في تركيا، منذ ستينيات القرن الماضي، بمشروع واضح المعالم، كحزب “ديمقراطي محافظ”، له مشروع وتصور كاملين عن تركيا في أفق سنة 2023، انطلاقا من تشخيص دقيق للحياة السياسية وأمكانيات المجتمع والدولة، وسنة 2023 التي وضعت كأفق لرؤية حزب، هي الذكرى المائة لتأسيس الجمهورية، التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، وبناها على أنقاض نظام الخلافة، وربما يستغرب المرء، كيف لحزب إسلامي يجعل لمشروعه معلما ويربطه بمناسبة أليمة، ذكرى سقوط الخلافة، التي تعتبر مظهرا من مظاهر الإسلام، ولكن المتتبع لاجتهادات حزب العدالة والتنمية في الممارسة السياسية، يلاحظ أن الحزب لا يهتم بالشعارات بقدر ما هو منشغل بـ”ضرورة التمسك بمشروع العدالة والتنمية” قبل كل شيء، وهو لا يرى معنى لأي كلام إذا ما فقد العدالة والتنمية والحريات الأساسية والضمانات الإجتماعية للإنسان التركي، وما فائدة أن نقول إننا نمثل الخلافة أو أننا نقيم شرع الله، ونحن لا نعمل من أجل توفير الحد الأدنى من الضمانات؟
ثم إن هذه السنة –سنة 2023- لها علاقة بجملة من القرارات الدولية المقيدة لتركيا لها علاقة بالمحيط وعلاقاته العضوية به؛ لأن العالم بموجب الميثاق الاستعماري، قد تقاسم تركة الامبراطورية العثمانية، أما تركيا الدولة فقد قيدها بالقيود والالتزامات.. فسنة 2023 ليست مجرد ذكرى إنشاء الجمهورية، وإنما هي مناسبة للتحرر من التزامات فرضها الأقوياء على الضعفاء.
لقد حقق الحزب خلال فترة حكمه من الإنجازات الهامة ما لم تحققها تركيا في تاريخها، فمنذ تولي أردوغان الحكم، ارتفعت قيمة الصادرات التركية أكثر من عشرة أضعاف. وحسب أرقام صندوق النقد الدولي “فقد انتقلت تركيا من المرتبة الـ 111 إلى المرتبة الـ 17 على قائمة أقوى الإقتصادات في العالم”، ويضيف ملاحظون أن الناتج المحلي الإجمالي في تركيا وصل إلى نحو ثلاثة أضعاف ما كان عليه”، كما أن متوسط دخل الفرد السنوي في تركيا عندما تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم، كان 3.5 ألف دولار، بينما أصبح في عهده 10.5 ألف دولار. وهي نقلة نوعية” لم تشهد تركيا مثلها من قبل.
حزب العدالـة والتنمیة هو، كما أطلق على نفسه حزب “محافـظ – دیمقراطي”، حوَّل الهویـة السیاسیـة، “الدیمقراطیـة المحافظـة” إلى مؤسسـة، يحتضنها أغلب الأتراك. ومفهوم الهویـة السیاسیـة الدیمقراطیـة المحافظـة التي حـاول حـزب العـدالة والتنمیـة تطـویرها، هي جملة من الخصائـص المتداخلـة بالممارسـات المحافظـة الموجـودة في تركيا وهي من المشترك الإنساني، والممیزات الاجتماعیة الثقافیـة التركیـة، وینطلق من الاهتمام بمشروعیـة الحقـوق المعتمـدة على القیـم البشریـة المشتركـة، كما يرى ضرورة أن تقوم الدولة بتقدیم خدماتهـا بواسطة تعریف مواطنیها والإشراف علیهـم وتشكیلهـم لا أن تقوم بفرض اجتهاداتها على مواطنیهـا التي تعرفها وتشكلهـم.
وضع الحزب لنفسه أولويات في الممارسة السياسية، مرتبة ترتيبا منهجيا، فأولوية الأولويات عنده هي تعديل الدستور؛ لأن الدستور التركي كان يفتقر إلى تعديل “مفاهیم الحقوق والحریات الأساسیة والدیمقراطیة ودولة الحقوق وحریة الاعتقاد والفكر بما تقتضيه معانیها العالمیة. لأنها موجودة في الدستور بمعان ضیقة محدودة جدا وخاصة بالدستور، وقد غامر حزب العدالة والتنمية بوعائه الانتخابي في سبيل تغيير الدستور ونجح في تعديله..
الأولوية الثانية وهي “الديمقراطية المحافظة”، وهي صيغة في ممارسة الديمقراطية والتنمية السياسية، تختلف عن ثوابت النماذج السياسية التي يتبناها التيار العلماني في العالم الإسلامي، وذلك بالتركيــز على “مفهـوم التغیير على مراحل وبشكل تدریجي في هیئـة عملیـة طبیعیـة ضد مفهـوم التغيیر الذي ینزل من القمـة”، فـ”أستطاع بذلك إخراج تطبیقـات سياسية ناجحة محملـة بالقیـم، بالإضافة إلى أنه حافظ على مواقفـه ولوائحـه، وقام بقیـادة فئـات مختلفـة من المجتمـع، في معركة كبیـرة من أجل إمكانیـة تطبیق الدیمقراطیـة بجمیـع المعاني المثالیـة”.
الأولوية الثالثة، تطویر السیاسات الفعالة لتعزیز المؤسسة الزوجیة وحفظ الوحدة الأسریة والحفاظ على حیویة قیم الأسرة، والحفاظ على وحدة الأسرة، والأسرة القویة والسعیدة، لیكون الأساس في البناء الاجتماعي هو الأسرة في تطبیق رفع المستوى المعیشي بحيث يتم القضاء على وجود الأسر التي دون حد الفقر في أفق 2023.
هذه الأولويات الثلاث، لا تمثل كل اهتمامات العدالة والتنمية، وإنما هي محاور كبرى بارزة في برامجه ومشاريعه الإصلاحية، كقضايا أساسية في كل إصلاح اجتماعي وسياسي، وإلا من حيث المبدأ فهو حزب سياسي يعمل على الإصلاح الشامل الذي لا يبقي عيبا في المجتمع، وذلك يحتاج إلى فهم مفاصل التغيير والإصلاح، ليكون منتجا ومبدعا في السياسة والاجتماع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • عبد الحكيم بسكرة

    تابع .فقلت بثت قناة الحياة tv الجزائرية الحديثة بعد فوز الرئيس اردوغان شريط مضمونه تلفيق التهم وتشويه الرئيس اردوغان و بث شهادات معادية للرئيس من طرف بعض الاتراك و الاكراد و من بين الشهادات ان اردوغان كان يقول في احد خطاباته القديمة ان الديموقراطية هي وسيلة و يعيبون عليه هذا القول و يقولون يستعمل الديموقراطية كترامواي للوصول الى الحكم بطريقة تهكمية فما الضير ان كانت الديموقراطية و سيلة اليست الديمقراطية وسيلة حضارية نستعملها لضبط الوصول الى الحكم فالديمقراطية ليست غاية بذاتها فالغاية هي تأسيس دولة يحترم فيها الدستور الذي اتفق عليه الشعب اي ديمقراطيا

  • عبد الحكيم بسكرة

    أشكر كاتب المقال لأنه ينسجم مع الرأي المنصف و مع رأي أغلب العقلاء في هذه الأمة فيندر في هذا الزمن ان تجد رئيسا لدولة تجتمع فيه خصال و ميكانزمات تؤهله لتأسيس دولة قوية يتجه شعبها لأن يكون أكثر توحيدا و أكثر انسجاما , دولة قائمة على أسس من الاجماع يحترم فيها الدستور في ظل من الشفافية و الحقوق المكفولة بكل ديموقراطية و يتجلى ذلك في اعتراف المعارضة المنافسة بذلك مثل اعتراف المعارض القوي "انجه" , فلا عجب ان تجد الحثالة من الحكام من يدفعون اعلامهم و احزابهم فيفترون الكذب و يلفقون التهم لأردوغان , لقد وقفت على شريط انجز خصيصا لكسر الرئيس اردوغان بثته قناة الحياة tv الجزائرية التجريبية .يتبع

  • الطيب

    نعم أستاذ الطريق نحو صناعة النهضة و من ثم صناعة الحضارة يبدأ من احترام إرادة الشعب لأنّ الشعب بعد ذلك هو الذي يتبنى التغيير ، هو الذي يتبنى البرامج و هو الذي ينفذها و هو الذي يسهر عليها و يحميها و هذه السيرورة هي التي تقوي الروابط بين الحاكم و المحكوم و يبدأ الناس يتلذذون ثمار اجتهادهم و جهدهم و عرقهم فيكون للنجاح معنى مجسد على أرض الواقع و بالتوازي تنحصر الآفات الاجتماعية من إجرام و فساد و معالجتها بالتي هي أحسن لتسود المجتمع الطمأنينة ...كذلك تنفجر طاقات الابداع و يعود كل غائب إلى وطنه ليشارك في نقلات أخرى و نجاحات أخر ى ...هذا الذي نأمله نحن أيضًا لوطننا الحبيب ...فلماذا تأخرنا ؟!

  • كسيلة

    أنا لا استبشر خيرا بهذا الرجل... لعلمي المسبق إن الأحزاب ذات الطابع السياسي الإسلامي لا تحمل فكرا ولا منهجا إلى شعارات لتستهلك إعلاميا …لكن كلمة حق تقال إن طيب رجب اردوغان اشرف كثير من زعماء العرب.....أظن أن من يصدق الإسلاميين بشأن حرصهم على الديمقراطية ماهو إلا ساذج وأبله.

  • جزائري - الجزائر

    أكبر إنجاز للأتراك هو التخلص من " سرطان " حكم العسكر الذين جثموا على صدر الشعب التركي لصالح الغرب الاستعماري لعقود مضت....كل ذلك بأقل التكاليف ....وهذا ما لم تستطعه كل البلدان الإسلامية الأخرى، فهي لا زالت تعاني من هذا المرض العضال الذي يفتك بالشعوب والأمم.

  • عادل ابو العدالة

    أنا كنت من الراغبين بخسارة أردوغان لانه أسلامي رجعي عدو العلمانية و التحضر و يريد أن يجعل تركيا شبيه بالسعودية و ايران و طالبان , لقد حول هذا الشخص تركيا التي كانت واحة الديمقراطية و الفصل بين السلطان و الصحافة الحرة الى بلد ثيولوجي رجعي متخلفو في النهاية سوف تعود تركيا علمانية لانه لا يصح الا الصحيح .