أطفال السكري.. براءة في سجن المرض
أطفال في عمر الزهور، يعيشون في قيود صحية صارمة، ويمنعون من استهلاك ما يشتهون من الحلويات والمأكولات، ولا يلعبون مثل أقرانهم، بسبب تعقيدات مرض السكري.. “الشروق” رافقتهم في عملية تركيب أجهزة قياس السكري الذكية دون وخز، التي أكد الأطباء أنها ستساعدهم في تحسين حياتهم اليومية والتحكم أكثر في تسيير هذا المرض وعيش طفولة متوازنة..
استقبلت جمعية مرضى السكري لولاية الجزائر، نهاية الأسبوع الجاري، مجموعة من الأطفال رفقة أوليائهم، للاستفادة من أجهزة قياس السكري الذكية دون وخز، التي تدخل الجزائر لأول مرة بهدف تطوير التكفل بهذا المرض والتقليل من خطورته، خاصة لدى فئة الأطفال الذين يعتبرون أكثر ضحايا تعقيدات السكري عند الكبر بسبب عدم إدراكهم بخطورته وميلهم إلى الغش في أكل الحلويات والمرطبات بعيدا عن الأنظار ليتسبب ذالك في ارتفاع نسبة السكري في الدم، الذي يؤدي بهم في الكثير من الأحيان إلى مصالح الاستعجالات، وهو ما أكده الأولياء لـ”الشروق” في أثناء مرافقتهم في هذه العملية، فقالوا إن مرض أبنائهم بهذا الداء أذهب عنهم لذة الحياة وجعلهم يعيشون في معاناة يومية وهم يرون فلذات أكبادهم “يذوبون” من المرض ويعيشون عقدا نفسية واجتماعية كلما التقوا بأقرانهم في المدارس والشوارع وساحات اللعب..
وداعا لإبر الوخز وآثار الدماء على أصابع الأطفال
عملية تمكين المرضى من الاستفادة من أجهزة قياس السكري الذكية دون وغز، كانت بمثابة الحلم لكثير من الأولياء، خاصة وأن هذه التكنولوجيا التي تدخل الجزائر لأول مرة تساعدهم على متابعة آنية ومستمرة لتقلبات نسبة السكري لدى أبنائهم دون وخز بالإبر وتجنب آثار الدماء على أصابع أطفالهم التي كانت تمثل لهم ولصغارهم معاناة يومية يصعب التعامل معها، حيث أكدت لنا إحدى الأمهات أن ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات، المصابة بالسكري من النوع الأول منذ 13 شهرا، تبكي وتصرخ كلما قمت بوخزها بالإبرة لقياس السكري، “ما جعلني أقوم بهذه العملية مرة فقط كل 48 ساعة لتجنب الألم والبكاء والضرر بنفسية الصغيرة رغم توصيات الأطباء بضرورة قياس نسبة السكري لدى الأطفال قبل كل وجبة طعام وقبل النوم للتحكم السليم في المرض. وهذا ما يصعب تطبيقه بسبب صعوبة العملية، خاصة وأن أصابع الأطفال صغيرة وإبر قياس السكري تؤثر فيها لدرجة أن ابنتي أصيبت بفوبيا قياس السكري وهذا ما جعلني أتعامل معها بحذر..”
واستبشرت ذات الأم باستفادة ابنتها الصغيرة من الجهاز الجديد الذي سيخلصها من معاناة اقتناء ابنتها بضرورة الوخز قبل كل وجبة ويجعلها على اطلاع دائم على نسبة السكري لدى صغيرتها على مدار الساعة وفي أي وقت خاصة في أثناء النوم أين يتخوف الأولياء من تعرض أطفالهم للنزول الحاد للسكري. وهذا ما يتسبب أحيانا في الوفاة.
وفي حديثنا مع هذه الطفلة الصغيرة التي كانت آية في الجمال، قالت لنا: “أنا أكره السكري.. لقد غير حياتي.. أنا أحب أكل الحلويات والمثلجات مثل أصدقائي.. أكره إبر الأنسولين، أريد أن ألعب وأنطلق وأجري دون مرافقة وحراسة لأمي التي تتابعني في كل وقت.. أريد أن أعيش مثل زميلاتي دون قيود..”.
أطفال لا يعرفون المرض وأولياء يتخوفون من المجهول
ما وقفنا عليه في أثناء مرافقتنا للأولياء في عملية الاستفادة من الأجهزة الجديدة لقياس السكري هو جهل أطفالهم بطبيعة هذا المرض، خاصة للشريحة أقل من 10 سنوات، أين يرغب أغلب الصغار في عيش طفولة عادية دون قيود ولا ممنوعات، حيث أكدت لنا إحدى الأمهات أن طفلها البالغ من العمل 9 سنوات، المصاب بالسكري من النوع الأول منذ 3 سنوات، بات يخفي الحلويات تحت وسادته ومحفظته، ويأكلها بشكل متخف، وهذا ما جعله عرضة للارتفاع الدائم لمستوى السكري، وقالت: “أنا أنصحه والأطباء ينصحونه بضرورة تفادي السكريات، غير أنه لا يسمع لكلامنا وعندما نمنعه من أكل يشتهيه في المناسبات وحتى في الشارع، فإنه يبكي ويتمرغ في التراب ويؤذي نفسه، وهذا ما جعلنا نعيش في صراع يومي معه بين الخوف عليه والتعامل بصرامة وحزم للحفاظ على صحته”.
وأكثر ما يتخوف منه الأولياء، هو الخوف على المستقبل الصحي لأطفالهم، خاصة بعد تأكيد الأطباء أن التعقيدات الحقيقية للمرض تبدأ بعد 15 سنة إلى 20 سنة، وتطال مختلف الأعضاء الوظيفية الحساسة للجسم على غرار العيون والقلب والكلى، والتسبب في أمراض أخرى على غرار الغدة الدرقية وارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض التي من شأنها أن تؤثر على حياة أطفالهم.
وفي هذا الصدد، قالت لنا أم إن ابتنها المصابة بالسكري منذ عامين، التي تبلغ من العمر 13 سنة، تتخوف على مستقبلها الصحي وحتى الاجتماعي، “هل يمكنها الزواج والإنجاب وتكوين أسرة.. هل يمكنها مواصلة الدراسة والعيش بسلام..” وكانت الدموع تسيل من عيني هذه الأم، التي قالت إن ابنتها أصيبت بشكل مفاجئ بهذا المرض الذي غير حياتها بشكل كامل…
أطباء: أطفل السكري سيمكنهم عيش حياة عادية
وبدورهم، أكد الأطباء المشرفون على العملية لـ”الشروق”، أن أطفال السكري يمكنهم عيش حياة طبيعية وممارسة الرياضة واللعب والدراسة والاستمتاع بمختلف الهوايات، شرط التحكم في المرض والمتابعة المستمرة من طرف الأولياء والأطباء، وقالوا إن طبيعة المرض تختلف بين الصغار والكبار، فالطفل الصغير يكون أقل تأثرا من تعقيدات المرض، بسبب أجهزته الوظيفية الفتية التي تنسيه أنه مريض، “غير أن التساهل في الإكثار من السكريات قد يتسبب مع مرور السنوات في مضاعفات تظهر أحيانا بعد الثلاثين والأربعين من العمر، وهذا ما يجعل الأولياء وحتى المصالح الصحية تفكر مليا في حماية الأطفال من مضاعفات السكري المستقبلية، عن طريق تمكينهم من العلاجات المبتكرة، على غرار أجهزة قياس السكري الذكية التي تعتبر أفضل ما يمكن تقديمه لهذه الشريحة لحمايتها مستقبلا من مضاعفات الداء وحماية خزينة الدولة من صرف أموال كبيرة على تعقيدات المرض لدى الكبار”.
انتشار رهيب للإصابات وسط الأطفال
ومن جهته، أكد رئيس جمعية مرضى السكري لولايات الجزائر، فيصل أوحدة، لـ”الشروق”، أن مؤشرات انتشار السكري وسط الأطفال في الجزائر مرعبة، حيث أكد المختصون أنها “تعتبر الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يجعل المختصين والسلطات الصحية في الجزائر مطالبة بدراسة عميقة للوقوف على أسباب انتشار هذا الداء”. وقال محدثنا إن جمعيتهم أعطت الأولوية في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لعلاج السكري للأطفال، لأنهم بعد 30 أو 40 سنة سيكونون أكثر المعرضين لمضاعفات الداء، وقال: “تدخل الدولة في تعويض الأجهزة الجديدة لقياس السكري دون وخز، التي ستقدم بالمجان في حال تعويض أشرطة القياس من طرف الضمان الاجتماعي، يعتبر أكبر خدمة نقدمها للأجيال الصاعدة “.