أطفال فرط الحركة.. شقاوة بجينات العبقرية

يواجه الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، صعوبة بالغة في التكيف المدرسي والتنشئة الاجتماعية داخل الأسرة، بسبب سوء فهمهم، وتوبيخهم الدائم بأقسى العبارات التي تكسر شخصيتهم وتقبر مواهبهم، لا لذنب سوى أنهم مصابون بفرط النشاط، الذي يعتبر بحسب المختصين من ملامح العبقرية والذكاء، التي تتطلب مرافقة نوعية لهؤلاء الأطفال، الذين يجمعون في أقسام خاصة في الدول المتقدمة وفق برنامج دراسي فريد يعتمد على الأنشطة والإبداع والمشاركة، فتنتج هذه الأقسام تلاميذ موهوبين ومبدعين يرسمون آفاق المستقبل، عكس ما هو عندنا، أين يغادر هؤلاء المتميزون، مقاعد الدراسة باكرا بسبب وصفهم بالشغب..
والخطير في الأمر، أن أغلب الحالات المتعلقة بهذه الشريحة، تكيف في الجزائر على أنها حالات لطيف التوحد، ما يزيد من معاناة الأولياء ويعقد وضعية الأطفال، وهو الأمر الذي أكدته للشروق مسؤولة استقبال “الأطفال في خطر” على مستوى الشبكة الجزائرية لحماية الطفولة “ندى” الأستاذة مليكة شيخة، التي كشفت أن الشبكة استقبلت العديد من حالات الأطفال المصابين بفرط النشاط ونقص الانتباه والذين يسببون متاعب كبيرة سواء للأساتذة في الأقسام المدرسية وحتى في البيوت، وكشفت أن التشخيص الذي يقدمه الأولياء لحالات أبنائهم أنهم مصابون بطيف التوحد، وهو الأمر الذي يدعو إلى عرض هؤلاء الأطفال على مختصين في الطب النفسي للأطفال، أين تختلف حالات التشخيص من فرد لآخر..
وأشارت المتحدثة أن شكوى الأمهات تكثر من حركات أطفالهن الزائدة، لدرجة أن بعض الأمهات يذهبن إلى الطبيب النفسي في محاولة لإيجاد حل وللرد على السؤال المحير… هل ابني مريض؟ “وبالطبع، فإنه ليس كل طفل كثير الحركة مريضا، فحركة الأطفال قد تكون دليلاً على الصحة والحيوية، وقد تكون الحركة الكثيرة داخل المدرسة مؤشرا على ارتفاع معدل الذكاء لأولئك الصغار”، غير أن سوء التشخيص بحسبها هو أكبر هاجس يهدد هذه الشريحة بالجزائر، وهو ما يدفع بعض الآباء الذين يزعجهم النشاط الزائد لدى أطفالهم إلى اعتماد أسلوب العقاب الذي يزيد المشكلة سوءاً، “كذلك، فإن إرغام الطفل على شيء لا يستطيع عمله يؤدي إلى تفاقم المشكلة والأطفال الذين يعانون من كثرة النشاط الحركي لا نعتبرهم أطفالا مُتعبين أو مشاكسين أو قليلي التربية، لكن هم في الحقيقة أطفال لديهم مشكلة مرضية لها تأثير سيئ على التطور النفسي للطفل وتطور ذكائه وعلاقاته الاجتماعية..”
وكشفت مليكة شيخة، أن القائمين على شبكة ندى، دائما ما ينصحون الأولياء بتسجيل أطفالهم لممارسة الرياضية، حيث يتطلب طفل فرط النشاط أحيانا 4 رياضات لامتصاص طاقته الزائدة، “وعادة ما ننصح الإناث بممارسة السباحة، والذكور بالرياضات القتالية لإفراغ كل طاقتهم”.
100 طبيب فقط للتشخيص على المستوى الوطني
وبدوره، انتقد رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام” البروفسور مصطفى خياطي، النقص الفادح للأطباء المختصين في الصحة العقلية والنفسية للأطفال، والذين لا يتجاوز عددهم بحسبه 100 طبيب على المستوى الوطني، ناهيك عن وجود مؤسستين صحيتين فقط للتكفل بهذه الشريحة وطنيا وهما كل من مستشفى عيسات ايدير والعيادة العمومية بالشراقة في العاصمة، في حين تفتقر بقيت الولايات لهذا النوع من المؤسسات الصحية، التي تتيح تشخيصا دقيقا لهؤلاء الأطفال ومنحهم التوجيهات الطبية والعلاج المناسب.
وأضاف خياطي المختص في طب الأطفال، أن “فورام” نظمت سنة 2024 العديد من الملتقيات الطبية لرفع ثقافة الأطباء بخصوص الصحة العقلية والنفسية للأطفال، خاصة وأن هذا التخصص شهد تخرج 8 أطباء فقط على المستوى الوطني العام الماضي، وهو ما يؤثر سلبا بحسبه على عملية التشخيص الخاصة بهذه الشريحة التي تعاني من ظلم كبير في المعاملة والأحكام القاسية من طرف الأساتذة والأولياء. وهذا ما يعقد حالتهم النفسية والمدرسية.
وأكد خياطي في تصريح للشروق اليومي، أن هناك خمسة أنواع طبية متعلقة بمتلازمة اضطراب طيف التوحد وفرض النشاط وتشتت الانتباه، وكل حالة تتطلب تشخيصا خاصا ورعاية طبية منفصلة عن الأخرى، لأن المرض يتعلق بخلل كيميائي في المخ يتطلب بعض الأدوية لمساعدة الطفل، وسوء التشخيص يؤدي إلى سوء العلاج والتحكم في هذه الحالات، خاصة وأن هذه الشريحة من الأطفال التي تعاني من فرط الحركة تتميز بنسبة ذكاء عالية وقدرة كبيرة على الإنجاز، ما يتطلب معاملتهم معاملة خاصة ووضعهم في مجموعات مستقلة إن أمكن، لأنهم يتميزون بسرعة التفاعل والنباهة، ما يمكن أن يستغله الأولياء وحتى الأساتذة في تطوير مهاراتهم وقدراتهم الجسمية والعقلية بدل إهمالهم واتهامهم وتجريحهم..
هكذا يجب التعامل مع هؤلاء الأطفال
ومن جهتها، أوضحت الأخصائية النفسانية ليلى اسعد، أنه لا علاقة لاضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه مع طيف التوحد، على عكس ما يروج له العديد من الأساتذة والأولياء، الذين سرعان ما يطلقون الاتهامات على هذه الشريحة من الأطفال “التي تعاني من ظلم كبير في مجتمعنا”.
وأضافت محدثتنا أن مدة تركيز أطفال فرط الحركة قصير جدا ولا يمكنهم الجلوس على كرسي الدراسة دون حركة ولا كلام لمدة نصف ساعة أو أكثر، كما يتميزون بسرعة الإجابة على الأسئلة قبل أن يكملها الأستاذ، وحواسهم دائمة النشاط، “وهذا ما يجعلهم محل تذمر من طرف الأساتذة لأنهم لا يلتزمون بقوانين القسم وهذا ما يجعلهم مشاغبين في نظر الكثيرين”..
وقالت المختصة النفسانية، إن التعامل الأمثل مع هؤلاء الأطفال في القسم يتمثل في استغلالهم في بعض النشاطات الحركية على غرار مسح الصبورة وتوزيع الأوراق والكتب على التلاميذ والمشاركة في تنظيف القسم أو الحراسة، وغيرها من الأعمال التي تشغلهم وتفرغ طاقتهم، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة والنشاطات الجماعية التي تمكن الطفل من تصريف مواهبه وطاقته بدل وصفه بالغبي والمشاغب..
مشاكل مدرسية وصعوبة في التأقلم
وأكدت ليلى اسعد، أن الطفل المصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه، قد يجد صعوبة في الاندماج في صفوف المدارس والتعلم لأنه لا يتقيد بقوانين القسم مما يؤدي إلى تدهور الأداء المدرسي بسبب عدم قدرته على التركيز وليس لأنه غير ذكي، وأضافت أن التلميذ يكون موهوبًا فى بعض المجالات، إلا أنه يقابلها خلل فى مجالات أخرى، ولذا بعض هذه النماذج المبدعة قد تقوم أسرهم بإخراجهم من المدارس لضعف مستواهم، لحصولهم على تقييم أقل من زملائهم، لأن الطفل ينسى أسئلة، ويكون متسرعًا فى الإجابات ولا يكملها للنهاية، ما ينعكس على أدائه الدراسي، مشيرة إلى أن ملامح الإصابة تظهر فى سن مبكرة ربما قبل دخول المدرسة فى الفترة من 3 إلى 4 سنوات وتتراجع تدريجيًا، وقد تتلاشى عند وصولهم سن الـ14 عامًا، ومن أبرز مشاكل هذا المرض، أن الطفل المصاب يتعرض لفقدان الثقة تدريجيًا نتيجة كثرة المشاكل وتعنيفه بشكل مستمر، وبالتالي، يجب على الأهل بحسبها تفهم طبيعة الطفل والأخطاء الطبيعية النابعة من المرض، ووضعه في أنشطة تعتمد على الحركة لاحتياجه إليها ولا يتم تعنيفه بشكل متكرر.
الفرق بين التوحد وفرط الحركة
وبالنسبة للفرق بين اضطراب فرط الحركة وطيف التوحد، قالت ليلي اسعد، إن الطفل سريع الحركة يتميز بسرعة الاندماج الاجتماعي والتواصل، عكس المصاب بالتوحد الذي يعاني من العزلة والانطواء وصعوبة التواصل وتكرار الكلمات أو استخدام ألفاظ بطرق غير معتادة، ونقص التفاعل وعدم التعبير عن المشاعر مع تكرار نفس السلوكيات مع ونوبات الغضب الناتجة عن عدم القدرة على تحمل التغيير، كما يتميز طفل التوحد حسبها بالتركيز الطويل في الأشياء عكس المصاب بفرط النشاط، الذي يعاني من قلة التركيز ومقاطعة الآخرين أو التطفل عليهم، والإفراط في الحديث، وضعف السيطرة على النفس ونوبات الغضب من الاندفاع، والنسيان أو تشتيت الانتباه بسهولة.
وأضافت مصدرنا أنه عادة ما يتم تشخيص اضطراب التوحد في وقت مبكر، ويمكن ملاحظة علامات التوحد عندما يكون عمر الطفل من 12 إلى 24 شهراً، بينما يمكن ملاحظة علامات اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في أول 12 عاماً من عمر الطفل، ويزيد خطر الإصابة بهذا الاضطراب إذا تمت إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم.
وشددت المختصة على أنه لا وجود لأي علاقة بين أطفال التوحد والأطفال المصابين بفرط الحركة ونقص الانتباه، مؤكدة أن هذه الفئة تحتاج إلى إجراءات بيداغوجية تتماشى ووضعهم الصحي.