أطفال يضحون بالعطلة لمساعدة عائلاتهم

يكتسح الأطفال من الباعة المتجولين جلّ شواطئ ولاية مستغانم، حيث ينشطون في ترويج منتوجاتهم المعدّة بالبيوت والمنازل ليصنعون إثرها، ديكورات مميزة تشد إليها أنظار المصطافين المتوافدين من شتى أنحاء البلاد وبأعدادهم القياسية، حيث يدفعهم الفضول إلى اقتناء ما يجدونهم معروضا، خصوصا من صغار السن الذين تستهويهم تلك المشاهد ويجبرون أولياءهم على توفير ما يرغبون فيه دون التفكير في الأخطار الناجمة عن ذلك حسب ما جمعناه من ذوي الخبرة في مجال الاصطياف، ومن المستفيدين من الخدمات الشاطئية.
على سبيل المثال لا الحصر، ذكر لنا مستثمر سياحي، ينشط بالجهة الشرقية للولاية، أن الباعة المتجولين من الأطفال يعرضون سلعهم على المصطافين من مختلف أنواع الحلويات والمأكولات التقليدية، على غرار المحاجب، المسمن والبينيي، وهي محفوفة بالمخاطر بفعل تعرضها لأشعة الشمس من كل الزوايا والاتجاهات على مدار الساعات الحارة، حيث كثيرا ما تتسبب في الإصابة بالتسممات الغذائية، كما لها تداعيات خطيرة على المستهلك، نظرا لغياب شروط النظافة حسبه.
ومن جهة ثانية، وبالموازاة مع ذلك، فإنها تشكل بالنسبة للعائلات محدودة الدخل سبيلا للاسترزاق والكسب الحلال، من خلال تكليف الأبناء من صغار السن بذلك النشاط غير المرخص، في ظروف غالبا ما تكون عصيبة عليهم، للإسهام ولو بقسط بسيط في ترقية عائدات تلك الأسر الفقيرة، لدعم قدراتها لاقتناء المستلزمات المدرسية وملابس الدخول الاجتماعي، الذي هو على الأبواب، وأن السواد الأعظم من الأطفال الباعة تدفعهم الفاقة والحاجة إلى ذلك، وأضاف أن نشاط هؤلاء الأطفال يتعارض مع قواعد الشغل، ما يستوجب محاربة الظاهرة ومجابهتها بكل حزم، مع تقنين سبل الحركية التجارية عبر الشواطئ، معربا عن أسفه لاستشراء هذه الظاهرة التي لابد من إيجاد الوصفات العلاجية لها.
يومية الشروق، وعلى مستوى عدة شواطئ من التي تستقطب الأعداد الهائلة من الزوار، على غرار صابلات، كلوفيس، الذكارة، الشعايبية والمرسى بإقليم بلدية بن عبد المالك، تقربت من عدة باعة متجولين من الأطفال المختلفة أعمارهم وحتى بعض كبار السن، لتستفسرهم عن حاجتهم إلى ممارسة هذا النشاط في فترات العطل ومواسم الاصطياف والاستجمام، حيث أحصينا ما يقارب الـ14 بائعا يجوبون الشواطئ ويتسللون بين الشمسيات والخيم المنصوبة، يرسلون أصواتهم للترويج لبضاعتهم وسط ضجيج المصطافين وصخب أمواج البحر، إذ التقينا في البداية “أمين” صاحب الـ12 سنة، متمدرس بالطور المتوسط في موسمه الأول، بين يديه علبة متوسطة الحجم بها كمية من المحاجب، قال لنا إنه ينحدر من أحد دواوير المنطقة ببلدية بن عبد المالك رمضان، أفصح لنا عن المشاق التي يلاقيها أثناء تحركه بين حشود المصطافين، حيث يبيع تارة وتكسد تارة أخرى بضاعته حسب أيام الأسبوع، وبحسبه أن الإقبال على شراء المحاجب يزداد يومي الجمعة والسبت، أين يحقق ربحا كبيرا، لكنه يتكبد خسارة كساد مبيعاته في الأيام الأخرى، مشيرا لنا بكل عفوية وصدق، أن ما يحصل عليه يتراوح بين 200 إلى 1200 دينار يوميا، وذلك ما يدخره رفقة العائلة، لاقتناء مستلزماته المدرسية واقتناء ما تيسر من الملابس.
الأمر نفسه تكرر مع عينات لأطفال آخرين بشاطئ صابلات، حيث استوقفنا طفلا يبلغ من العمر حوالي 16 سنة ينحدر من إحدى بلديات ولاية معسكر المجاورة لمستغانم، يمتهن حرفة بيع “البينيي” والمكسرات كل موسم اصطياف ومنذ عدة سنوات خلت، كشف أنه يعمل تحت إشراف عائلته التي ترسله يوميا على متن مركبة ملك لأحد أشقائه، وذلك النشاط يدر عليه أرباحا معتبرة، وبالنسبة له فإن موسم الصيف رغم حرارته وقسوته، فإنه يعتبر موعدا للكسب، وأن الإقبال على ما يعرضه يجد رواجا كبيرا أمام التدفق الكبير للزوار على ذلك الشاطئ المكتظ، حيث تحيط به قرية سياحية ومحطة واسعة لركن المركبات تتوافد عليها مئات السيارات تحمل تراقيم جل ولايات الوطن.
وبشاطئ الذكارة، تقربنا من بائع رفقة شريك له، يحمل الأول صينية كبيرة الحجم بها مئات الحبات من “البينيي”، قال إنه ينحدر من ولاية وهران، يمارس هذا النشاط من عدة سنوات خلت، ويتجول عبر مختلف شواطئ ولاية مستغانم من سيدي منصور غربا إلى بحارة شرقا، مشيرا إلى أن الظروف الاجتماعية العصيبة اضطرته إلى تحمل مصاعب ذلك النشاط التجاري الموسمي.