-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أعراسُ الموت!

أعراسُ الموت!

حتى أرقام كورونا قد قرعت ما فوق الألف يوميا، وقرابة العشرين وفاة، وما خفي أهول وأقسى، إلا أن بعض الناس مازالوا إلى غاية شتاء 2020 يتزوجون وينقلون الفيروس في هدوء وراحة مع سبق الإصرار والترصد بين أطباق الشربة والسلطة والكفتة وفاكهة البرتقال، وحتى في ليلة الدخلة عندما يلتقي العريس بعروسه، فينفخ فيها الفيروس بدلا عن المشاعر.

كل من يحاول إبعاد التهمة في الأرقام القوية التي صارت تطلّ بها علينا وزارةُ الصحة كل مساء عن الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، عن المواطنين في عمومهم، هو بصم على تواصل العدوى إلى زمن بعيد، فما نشاهده في بعض شوارعنا وبيوتنا من استهتار وعدم التزام بالوقاية هو أشبه بحفلات انتحار جماعية يقودها أناسٌ لا يلقون بأنفسهم إلى التهلكة فقط، بل يصرُّون على أن يلقوا بالناس أيضا إلى التهلكة، ومثلهم لا يختلف عن القوم الذين خرقوا نصيبهم من السفينة خرقا، ظنا منهم بأن الحرية تمنحهم حق فعل ما يريدون، كما جاء في الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري.

لقد بُني المجتمع الجزائري على التضامن من قرون، فكانت سنوات الجفاف أو مواسم الفيضانات ومناسبات الحزن والحرب تكفكفها اللقاءات العائلية الراقية التي تظهر فيها الأم راعية لأعمال الخير، فيتحول الوباء إلى دواء والحزن إلى طمأنينة، ولم يكن لخارق هذا التلاحم من مكان في مجتمع كلما ابتلاه الله بوباء كلما اشتدَّ عضدُه وصار بنيانه أكثر رصّا. ولكنه في وباء كورونا يبدو رافعا للراية البيضاء أحيانا وأخرى مساهما في نشر الوباء ونكاد نجزم بأن بعض الأفراد يفعلون ذلك مع سبق إصرارهم وترصُّدهم.

لا شيء يوحي بأن الفرج قريبٌ مع جائحة كورونا، ويمتلك الإنسان حاليا الكثير من الخبرة في التعامل مع هذا الوباء الذي قتل في أمريكا لوحدها أكثر من ربع مليون نسمة، وسيكون من الجُرم أن نوفر للعدوى شروط التنقل، فالزغاريد المنبعثة بشكل يومي من العمارات، وأبواقُ السيارات والشماريخ والولائم التي تقام في المساكن الضيقة، هي في حقيقتها جريمة سيكون من ضحاياها أهل عريس أو عروس لا ذنب لهم سوى أنهم داسوا على الحيطة الواجبة، من أجل المشاركة في فرحة لم تختر لا المكان ولا الزمان الضروريين، فكانت النتيجة أعراسا تحوّلت إلى مآتم. في السنوات الأخيرة خرجت الكثير من الأعراس عن أعرافها العائلية الراقية، فزيادة على ما يحدث فيها من قنابل اجتماعية ونفسية، شهدت حالات تسمم غذائي وحوادث مميتة في مواكبها وسقوط قتلى وجرحى بسبب الاستعمال الفوضوي للبارود، وها هي الآن بالرغم من أن كل العالم يدرك بأن الدواء الوحيد للفيروس القاتل هو التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة، ترفع شعارا فوضويا آخر، ضد التباعد وضد كل وقاية: “عُرسي.. وبعده الطوفان”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جزائر المخروطين في رؤسهم

    كورونا يظهرلي راهي مؤامرة بايخة

  • شخص

    قال تعالى : (( و ما يعلم جنود ربك إلاّ هو ))