-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أفضال الغلوِّ الغربي على المسلمين

حبيب راشدين
  • 3084
  • 7
أفضال الغلوِّ الغربي على المسلمين

قبل أن يخترق ترامب جدار الحماقة بتحرير قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كانت القضية الفلسطينية قد حُنِّطت عربيا، وأقبِرت دوليا، وغُيِّبت من وجدان عرب فُتِنوا بربيع كاذب، ومسلمين انشغلوا بحرب خاطئة على إرهاب صُنع لهم تصنيعا، فجاء القرار في توقيت جيد لينسف كل ما صنعه سلفه الطالح، وخدمهم من أوروبا العجوز، ومن عرب التطبيع كخيار لا رجعة فيه، فوجب توجيه الشكر للرئيس الأمريكي الذي خدم القضية الفلسطينية من حيث لم يحتسب.

وقبل أن يهرول القضاء الفرنسي إلى سجن المفكر الإسلامي طارق رمضان بتهمة التحرش الجنسي، وتتكالب عليه منابرُ الأسلاموفوبيا المهيمنة، كان طارق رمضان نجما إعلاميا تتسابق عليه القنوات الغربية “تستحلب” منه بالتقسيط المريح إسلاما ناعما، متناغما مع سلوك المجتمع الأوروبي المخنَّث، الذي تغيِّر فيه التشريعات الوضعية أخلاقه بعد أن غيرت التكنولوجيا بعض خلقه السوي، فوجب أن نوجه الشكر للقضاء الفرنسي الذي يستعد لإسكات صوت مفكر إسلامي قدير، كان بعض قادة الغرب المستنيرين يرون فيه “الحبر الإسلامي المنتظر” المؤهل لتسويق إسلام ناعم ترضى عنه اليهود والنصارى.

لست متأكدا أن أحدا من المحللين كان سيجازف باستشراف اليوم الذي ينتفض فيه رئيس السلطة الفلسطينية ويعلن القطيعة مع الولايات المتحدة، ويقصيها ـ كطرف منحازـ  من أي مفاوضات قادمة، أو كان يتوقع إجماع قيادة منظمة التحرير على التفكير الجدي في مراجعة قرار الاعتراف بالكيان الصهيوني، وقد دعا بعضهم إلى حلّ السلطة، وتحميل الكيان وزر الاحتلال، لكن ذلك حصل، وندين بفضله لحماقة الرئيس الأمريكي وقد نسف مسار أوسلو الذي أسر القضية الفلسطينية أكثر من ربع قرن.

وما كان لأحد أن يتوقع حصول حماقة كتلك التي حوّلت القضاء الفرنسي إلى دمية بأيدي النخبة الصهيونية المهيمنة، فينساق دون روية إلى وشاية كاذبة خاطئة دبَّرتها المثلية “فوريست” وبعض من سدنة معبد “الكريف” اليهودي، تريد إسكات صوت إسلامي ذكي، مثقف، متمكن من أدوات التواصل وتقنياته، نجح فوق العادة في استمالة جمهور واسع من أبناء الجالية المسلمة، وأفتى لها بإسلام لا يمانع في إسقاط كثير من أحكام الشريعة، نزولا عند واجبات وشروط المواطنة، وعلو التشريعات الوضعية على أحكام معتقدات الناس.

بعض الأصوات العاقلة من الغرب تكون قد استشاطت غضبا من هذه الأساليب الكيدية التي تدمر في اعتقادهم درة يتيمة مثل طارق رمضان، لن يكون بوسع الغرب الاستغناء عن أمثاله، إن كان يرغب فعلا في تضييق هامش المناورة أمام من يصفهم بالمتطرفين، وليس له في شلغومي وصهيب بن شيخ، أو دليل بوبكر وأمثالهم من المتعوِّدة على مآدب “الكريف” بديلا يعوّل عليه في صناعة إسلام يتعايش مع الدولة العلمانية الغربية، ويحمل الجاليات المسلمة على التطبيع الطوعي مع تشريعات البلد المضيف، بل مع منظومته القيمية كما كان يعول على أمثال طارق رمضان.

ومع كل ذلك عقيدتنا تمنعنا أن ندافع بجهالة عن هذا المواطن السويسري بحجة أنه مسلم، فنقول ما قاله ألبير كامو “بين أمي والعدالة أختار أمي” لأن الدين الذي تحاربه الإسلاموفوبيا يُلزمنا بأحكام قطعية في الآية 8 من المائدة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • أيمن

    بالعكس ..الإسلام الذي يخدمهم هو الإسلام المتطرف ..لأنه يسوق دائما لأسهم شركات الحرب والبنوك ويخدم أجندتهم التوسيعة الحربية ضد المسلمين سواء داخليا أو وخارجيا. هم يريدون نشر الخوف من المسلمين وليس العكس...فأي تقارب بين المسلمين وبين المواطنين الذين لاناقة لهم ولاجمل فيما يحصل بما أن حتى انتخاباتهم مسبقة التزوير. أي تقارب لايخدم أجندة فرق تسد وأجندة التخويف بالإسلام .
    تمنيت كذلك لو أعرف كيف كان الإسلام في مكة لما كانت سلطة القرار بيد المشركين .هل كان هجوميا، أم أن المسلمين كل ماأرادوه هو الحرية؟

  • أبو محمد الجزائري

    رغم تحفظي على بعض الجزئيات العرَضية الواردة في كلام الكاتب أحس لأول مرة منذ عدة شهور في مقالات الكاتب أن السيد الحبيب لعله قد بدأ يحول بوصلته من الانحياز إلى الأنظمة -المسماة عربية- والاصطفاف معها ضد شعوبنا المطحونة معنويا وماديا في فلسطين وسوريا ومصر وليبيا واليمن... والمستلبة الحرية والكرامة والقرار في السعودية والإمارات والعراق ثم في موريطانيا والسودان والجزائر وتونس والمغرب وغيرها
    لعلكم تعقلون أن في في انحيازكم للشعوب وقضاياها وعقيدتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها أهم وأرشد

  • كل الحكاية

    كل الحكاية هي داء العظمة الذي اصبح يعاني منه اغلب البشر تحت شعارات و رموز فارغة
    هذا يشبه الى حال الذي يشعر بالعظمة من وراء شاشة الكمبيوتر يكتب و يعبر كانه شيخ وقور
    كل الحكاية هي انها الكثير من الاجناس استطاعت ان تمتلك اراضي ثرية في سنين الغفلة
    لكنها في الحقيقة هي مجرد شعوب رديئة نعم نعم رديئة بحكم الاغلبية فيها الواقع يؤكد ذلك
    و اليوم بعد ان تكاثروا كثيرا دون حكمة دون ميزان خربوا حياة بعضهم البعض وقالوا شعرا
    شعرا بشعارات الدين و الوطن و القومية ولولا ضعفهم ما قالوا ما قيل لهم ان يقولوا
    حكاية انس

  • عليلي عبد الحميد

    اخي الحبيب اشهد الله اني احب قراءة مقالاتك القيمة و كم انا معجب بنطرتك التاقبة للقصايا السياسية في الجزاير و في العالم العربي

  • بدون اسم

    تنميرث
    استسمحك قبل طرح سؤالي ربما فيه ما لا يتوافق مع خطك المذهبي والايديولوجي و القومي
    الصين بصدد انشاء ***طريق الحرير****من داخل الصين الى برلين
    ماتعتقده مهم لدى الجزائري
    السويسري طارق رمضان ام اكبر مشروع بالعالم **السكة الحديدية *او *طريق الحرير* والذي من خلاله سيتغير كل شيء بين سكان الارض
    احترموا الشعب الجزائري
    راه كل شيء واضح

  • بدون اسم

    صهيب بن شيخ، دليل بوبكر هذان الشخصان حقا رجلان
    اما العربي او السويسري او الذي يطالب بالجنسية الفرنسية حيثما حل بفرنسا او حفيد البنا
    *ط .ر* فعدم الثقة به هي الانسب
    هل الذي يخون وطنه أمثال عبدالله أنس و شقيقه المصري ط . ر لا يخون سويسرا او فرنسا ؟
    الخائن مرة يخون ألف مرة
    آخر من يتكلم عن القضاء الفرنسي هم العرب
    ما لا أفهمه
    هو تواجد العرب بكثرة ببريطانيا والجميع يعرف ما فعلت وتفعل وستفعل في العرب
    قتل تهجير اغتصاب منح اراضيهم للصهاينة و..
    ط .ر يعمل ببريطانياوهوصديق طوني بلير

  • عبد الله

    مقال ينم عن جهل فظيع بحيثية "طارق رمضان" وإسهاماته في توعية الآلاف من الشباب المسلم بأهمية القضية الفلسطينية. إن الهجوم "القانوني" والإعلامي على طارق رمضان إنما هو جزء من "صفقة القرن" التي يريد لها ترامب أن تتم. وطارق رمضان إنما هو جزء من قائمة طويلة من الأسماء المزعجة التي تراد تصفيتها قبل الصفقة.
    والمقال ينم أيضا عن تجاهل للتغيرات التي يشهدها الغرب الأوروبي، وتحول المسلمين من مجرد جاليات مغتربة إلى مواطنين يسعون إلى الحصول على كافة حقوق المواطنة. وطارق رمضان أحد الذي فعّلوا هذا الوعي...