أمريكا لن تغيّر مجرى التاريخ في الصحراء الغربية

لا يزال نظام الاحتلال المغربي يمنّي النفس بانتصارات دبلوماسية وهميّة في قضيّة النزاع مع الصحراء الغربية، وآخرها استغلاله السياسي والإعلامي لتجديد الخارجية الأميركية لأطروحتها حول مسمّى “الحكم الذاتي”.
دوائر المخزن بالغت في استثمار موقف أمريكي قديم متجدد، لأجل التنفيس عن الوضع الداخلي المنفجر منذ نهاية عام 2020 على خلفية الانحياز المخزي للكيان الصهيوني حتى في عزّ العدوان الهمجي على غزة، وبسبب حالة الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي.
يريد النظام العلوي تصوير الموقف الأمريكي أمام الرأي العامّ المغربي على أنه تفوّقٌ دبلوماسي على الجزائر، مع أن هذه الأخيرة ليست طرفا مباشرًا في نزاعه مع الصحراويين، إلاّ باعتباره مسألة تحرريّة تدعمها من حيث المبدأ، من منظور سياستها الخارجية القائمة منذ 1962، وترافع لتسويتها تحت البند السابع للأمم المتحدة، ضمن قضايا تصفية الاستعمار، وفق الإرادة الحرة للشعب الصحراوي.
ما يخفيه نظام المخزن عن شعبه هو أنّ موقف واشنطن ليس سوى عملية ابتزازية مؤلمة وغير ذات جدوى، للدفع بالمغرب أكثر في حجر الكيان الصهيوني، ليمضي المغرب من دولة مطبِّعة وحليفة، إلى صهينة شاملة ثقافيًا وفنيًا وعسكريًا وتجاريًا وتعليميًا.
حتّى إن الإعلامي الأمريكي من أصل فلسطيني، نظام المهداوي، شرح الوضع بالقول إنّ “المملكة تشهد الآن عملية صهينة خطيرة لكل مؤسسات الدولة، تشمل الجامعات والمعاهد والاقتصاد والتعاون والصناعات العسكرية وحتى الدين”.
ومن أخطر مراحل الصهينة، في تقدير الكاتب العالمي المعروف، هو مشروع منح الجنسية المغربية لجنود وضباط صهاينة بزعم أنهم من أصول مغربية، وهو “الأمر الذي يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع المغربي وعلى الدول المجاورة، إذ من الممكن بل من السهل أن يعتلي هؤلاء الصهاينة مناصب عليا في البلاد. ومن الممكن أيضًا أن يخترقوا دول الجوار كمواطنين مغاربة”.
إلى هذا المستوى من التبعيّة المطلقة والاحتواء الوظيفي، يريد الصهاينة والأمريكيون الزجّ بالعرش المتهالك، مستغلين في ذلك حالة الترهُّل غير المسبوقة للنظام الملكي، بفعل مرض محمد السادس وعجزه عن ممارسة السلطة والصراع المحتدم داخل القصر في ترتيبات الخلافة المرتقبة بين نجله وشقيقه، ولكل منهما معسكر من الداعمين في الداخل والخارج.
ينبغي التذكير، حتى لا تنطلي أكاذيب دبلوماسية التضليل على الرأي الإقليمي، أن الولايات المتحدة الأمريكية حليفٌ تاريخي للمخزن في احتلاله للصحراء الغربية، وبذلك لا قيمة اليوم لتجديد الإعلان عن موقفها في موازين القوى على الأرض بين الطرفين.
لقد ظلّ المغرب منذ 1975 يضغط على الأمريكيين مصورا استقلال الصحراء الغربية على أساس أنه تأسيسٌ لدولة شيوعية في مجال جيو-استراتيجي للعالم الرأسمالي، ثم انتقل هذا الابتزاز إلى أوروبا، حتّى أصبحت تتخيل خيول الشيوعية واقفة عند جبل طارق، على حدّ تعبير الكاتب الصحراوي حمدي يحظيه.
لذلك اشتغلت واشنطن، من داخل الكواليس الدوليّة، لتوطين الاستعمار المغربي، إذ رأت أنه من الأحسن إدخال القضية تحت المظلة الأمميّة، يتم من خلالها تشريع الاحتلال تماماً، مثلما حدث في فلسطين، على أن تعود في الأخير لصالح المغرب، مثلما قال الرئيس الأمريكي فورد عام 1976.
ومثله صرّح هنري كيسنجر في مناسبة أخرى أنه “يجب ترْك قضية الصحراء الغربية بيد الأمم المتحدة، بضمانة أن يحصل عليها المغرب في الأخير”.
ومن أجل ذلك، ظلت الولايات المتحدة تسند الاحتلال المغربي في مجلس الأمن، خاصّة مع نهاية السبعينيات من القرن العشرين، لإنجاح مشروع التطبيع بين “إسرائيل” والعالم العربي وضرب القضية الفلسطينية، في إطار ترتيبات قمة كامب ديفيد سنة 1978.
الجميع يعلم أن الحسن الثاني كان يومها هو الوسيط بين مصر والكيان الصهيوني، وبنجاح مهمته لصالح “إسرائيل”، كافأته أمريكا بالتموين بالسلاح وتعطيل القرارات في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ضدّ الصحراء الغربية.
إنّ الموقف الأمريكي المتجدِّد اليوم لا يخرج عن السياق سالف الذكر، فهو يجري ضمن مخرجات اتفاقات التطبيع العلنيّة منذ ديسمبر 2020، ولا شكّ أن المغرب قد وجد الفرصة مواتية مع اندلاع “طوفان الأقصى”، لتقديم خدمات إضافيّة على حساب المأساة الفلسطينية، مقابل استغلال الإعلان الأمريكي في التسويق لنتائج التحالف مع الصهيونية والتخفيف من عبء الضغط الشعبي.
خلاصة القول إنّ تغريدات ترامب وخرائط الاحتلال الوهميّة وإعلانات الخارجيّة الأمريكية والإليزي، لا يمكنها في كل الأحوال تغيير مجرى التاريخ نحو الوراء، لأنّ الاستعمار صفحة سوداء بالية، لم يُعد من الممكن تقرير الواقع فوقها برسوم تعبيريّة، شريطة أن يتمسَّك الصحراويون بعقيدة الثورة والتحرُّر بكل أشكاله وأساليبه الابتكارية.
وبهذا الصدد، وجب على قيادة جبهة “البوليساريو” إعادة تقييم الزمن المستهلَك في تنفيذ المسار الأممي للقضية الصحراويّة منذ اتفاق إطلاق النار في 6 سبتمبر 1991، لصياغة رؤية ثوريّة تجديديّة، على وقع المصارحة والمكاشفة، تُفضي إلى بعث القضيّة على الأرض، لأنّ تغيير موازين القوى ميدانيًّا، عن طريق حرب الاستنزاف هو ما سيجعل الاحتلال يرضخ للتسليم بالحقوق الصحراويّة.