أمريكا ليست أرضا للأحلام
مكّنت التكنولوجيات الحديثة العالم، من معرفة كيف يُصنع الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، ومعه السياسة والاقتصاد والأخلاق.. فالمتتبع للمشهد الانتخابي الأمريكي وصراع بلوغ البيت الأبيض، بكل الوسائل الملونة التي لا بياض فيها، يخال نفسه يتابع أفلام البوليس والوسترن والأكشن، التي تقدم الإثارة والمتعة العابرة، من دون أي رسالة فنية.
فكمّ الكذب والنفاق والعنصرية والعنف إلى درجة محاولة الاغتيال، توحي للعالم بأن ما سيمنحه صندوق الاقتراع للعالم، وليس للولايات المتحدة الأمريكية فقط، سيكون سيئا، حتى ولو كان أقل السيئين. والأمريكيون أنفسهم يقولون بأن الذي يريد أن يشاهد رئيس بلده على فطرته وبراءته، عليه أن يتابعه في أيام الحملة الانتخابية، حيث يتحوّل إلى حمل وديع، يقول ما في قلبه وطفل ضخته أمه لعالم البراءة، فما قاله ترامب عن هاريس صادق، وما قالته هاريس عن ترامب صادق، ولم يكذبا إلا عندما تحدثا عن نفسيهما.
تشعر وأنت تتابع تحركات المرشحين لمقعد البيت الأبيض في مختلف الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي، بأن اسم الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة الأمريكية، يهم الجميع في كل المعمورة، وخاصة في العالم العربي والإسلامي، وتشعر بأن بيده أو بيدها مصير الكثير من الأمم، إن لم نقل جميعها، بالرغم من أن السياسة الأمريكية الخارجية ثابتة لا تتغير، إذ تعددت الأسماء التي قادت القوة العالمية الأولى منذ قرابة قرن، ولكنها تشابهت في تعاملها مع قضية الأمة الأولى، وأكثر من ذلك، أضافت إلى ظلم الشرق الأوسط، نقاط ألم أخرى في الخليج وغرب آسيا.
رفض المرشح ترامب مواجهة منافسته هاريس في مناظرة ثانية، سبّب صداعا لدى الوكلاء والمعلنين والفضائيات، ليس لقيمة المناظرة فكريا وسياسيا، وإنما لأنها تمنح متعة التفرج على مهرجين في ثوب زعماء، يكشفون مزيدا من عيوب هذا الكيان الكبير، الذي وجد نفسه ذات حرب باردة، من دون هوية ولا تاريخ، فجمع من حوله كيانات تشبهه، لتعيش هي، ويواصل هو عيشه أو سيطرته على العالم.
في سنة 1940، قدّم الفنان الراحل شارلي شابلين، فيلمه الناطق الأول “الديكتاتور”، الذي يحاكي نازية أدولف هتلر، وظهر في نهاية الفيلم، يداعب كرة أو بالونا كبيرا، فيقذفه مرة بركبته وأخرى بعقب قدمه أو برأسه، وسط ضحك المتابعين، ولكن شارلي شابلين عبقري الفن وفيلسوفه، قال عند نهاية الفيلم، بأن تقمص رجل كوميديا دور السياسي، هو من يوصل الرسالة كاملة للمشاهدين، فهتلر كان يلعب بالكرة الأرضية، وليس شارلي من لعب ببالون منفوخ.
وفي سنة 2024، قدّم ساسة أمريكا أفلامهم الحالية والمستقبلية التي تحاكي حقيقتهم، فهم أيضا يقذفون البالون العملاق، وبالتأكيد وصلت رسالتهم كاملة لمشاهدين عرفوا أخيرا حقيقة من يحاول أن يقودهم.. عفوا من يقودهم.
هل مازالت أمريكا أرضا للأحلام؟ من يعتقد ذلك، فهو الكابوس في حدّ ذاته.