أنا ابن إمام.. لست مُلحدا ولست مثقفا معارضا

بدا الكاتب الروائي أمين الزاوي أكثر تمسكا من أي وقت مضى بقناعاته الفكرية ومدافعا “شرسا” عن منجزه الروائي ومشروعه الكتابي. ولم ينفعل عندما تلقف سؤالا من أحد الحاضرين للقاء الفكري حول تجربة أمين الزاوي الكتابية، عندما سأله: “إن أعماله الروائية تخفي كاتبا ملحدا ومثخنة بالإباحية.!؟”، جاء رد أمين الزاوي، كمن يريد تصحيح فكرة، عندما قال مخاطبا الحضور موجها كلامه لمن اعتبرهم بـ”المرضى ثقافيا” ومدافعا في السياق ذاته عن قناعاته الشخصية مرددا: “أنا لست ملحدا.. أنا لست ملحدا.. أنا ابن إمام… أنا ابن إمام، قرأت القرآن وحفظت ما تيسر منه وأنا طفل صغير”.
واعتبر الزاوي الإلحاد “موقفا فلسفيا” ولم يكن في يوم من الأيام موقفا عقائديا دينيا، مضيفا “الملحد نجده في مختلف العقائد الدينية. لا يقتصر على الدين الإسلامي، نجده في مختلف الديانات”، كما عبر عن انزعاجه من ذلك “القارئ الإيديولوجي” الذي لم يقرأ يوما كتابات أمين الزاوي -على حد قوله- طالبا منه عوض الاختفاء وراء القناع الأيديولوجي أن يذهب ويقرأ، وإن كل ما يتمناه لهؤلاء أن يقرؤوا كتاباته عوض الاستباق لإصدار أحكام مسبقة، مشيرا إلى أنه فوق كونه ليس ملحدا فهو ليس كاتبا “سياسيا” أو كاتب “أيديولوجيا”، بل كاتب يشتغل على الهواجس والمكبوتات، وأن علينا أن نعترف بأننا نعيش في مجتمع مكبوت، موضحا في السياق “أنا كاتب اشتغل على المسائل الحضارية والإنسانية، المسائل التي تشكل نتاج تراكمات سياسية، اقتصادية واجتماعية”.
أمين الزواي الذي دخل تلمسان للمرة الثانية بعد المرة الأولى في سنة 2015 منذ غادرها في سنوات أواخر القرن العشرين، بدا أكثر ميولا وتعاطفا وحبا للغة العربية التي كتب بها العشرات من الأعمال الأدبية عندما وصفها بأنها “أجمل لغة”، بل اعتبرها لغة “قوية” وأنها لا تزال تحافظ على جمالياتها وقوتها في دول المغرب العربي عكس دول المشرق العربي التي انحازت شعوبها للهجاتها على حساب اللغة العربية، معربا عن حبه الكبير لهذه اللغة عندما قال: “أحب اللغة العربية وأخاف عليها كثيرا”، معربا عن هذا الخوف حين أضاف: “أخاف عليها ممن يريد احتكارها”.
وعكس ما كان ينتظره البعض في تغليب كفة لغة على أخرى، كان هذه المرة أمين الزاوي كمن يريد أن يبقى على مسافة عن تلك الجدلية بين اللغات وأن ينأى بعيدا كأي مثقف يبدو أنه حفظ الدرس جيدا، عندما قال إن كل اللغات “جميلات”، العربية، الأمازيغية والفرنسية، وأنه كما يوجد قراء متعصبون بالعربية، هنالك قراء متشددون بالفرنسية، معربا في الشأن ذاته عن أسفه لما وصل إليه ذلك المد التصاعدي في الصراع القائم بين المعرب والمفرنس، وهو الصراع الذي أشار بشأنه أنه لم يكن موجودا سنوات السبعينات والثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، حتى وإن كان في سياق آخر تحدث عن كون القارئ الأجنبي خاصة في فرنسا والدول الفرانكوفونية تجده دوما يبحث عن ذلك الموقف السياسي الذي تتبناه الكتابات العربية المترجمة من القضايا العامة، مثل الحريات والمرأة وغيرها من المسائل الأخرى، ما يجعل الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى لغات أخرى لا تحظى بذلك الاهتمام والانتشار، ما دامت تخضع لمعيار “الموقف السياسي” لدى القراء ودور النشر، قبل أن يعتبر أن المثقف ليس “معارضا” ولا يتوجب عليه أن يكون معارضا، بل المثقف عليه أن يكون ناقدا ومحللا نقديا.
مفهوم المثقف عند أمين الزاوي ما كان ليكشف عنه لولا ذلك السؤال الذي طرحه أحد الحاضرين في أثناء جلسة المناقشة حول رأي الكاتب أمين الزاوي من المواقف المعادية للجزائر من طرف الكثير من الكتاب والمفكرين المغاربة، وعلى رأسهم الكاتب المغربي أحمد عصيد الذي يعتبر من “أصدقاء” أمين الزاوي، إذ لم يخف امتعاضه من كتابات احمد عصيد، بل اعتبرها كتابات مسيئة للجزائر، وأنه كأي جزائري لا يقبل المساس بالجزائر، وأنه يختلف معه في الكثير من القضايا، قبل أن يقول موجها كلامه للكاتب المغربي: “على المثقف أن يبقى ناقدا.. المثقف ليس معارضا”، معتبرا أن أحمد عصيد وأمثاله ركبوا الموجة على حساب رصيدهم المعرفي والثقافي.
قرابة أربع ساعات كاملة منها ساعة خصصت للنقاش كانت كافية لأن يقول أمين الزاوي كل شيء، أن يتحدث عن والدته “رابحة” التي اعتبرها المحرك الأساسي للكتابة بالنسبة له وأنه لا يزال إلى يومنا هذا يعتبر حكايات والدته بمثابة الـ”ديكليك” الذي جعله كاتبا روائيا، مستعرضا مسارا كتابيا وما خلفته بعض أعماله من جدل جعله في أكثر من مرة محل اتهامات من قبل قراء أيديولوجيين ، أشار بشأنهم أنهم لا يقرؤون بل يحكمون ويعملون على تحوير الكلام من سياقاته، كما هو الشأن مع ما أثارته روايته “السماء الثامنة”، التي أوضح ملابسات وتفاصيل كتابتها في أثناء قضائه للخدمة الوطنية، وكيف كان يستعين برفقة زملائه على تمضية الوقت بتلك الأكاذيب التي كان يرويها بطل العمل الروائي مصطفى، وأن الأمر لا يتعلق بما تم الترويج له من قبل قراء متعصبين هدفهم حسب رأيه “شيطنة” الأدب الجزائري، ليختتم الكاتب الروائي عبد الوهاب بن منصور جلسة “فضاء الفكر” التي تم استحداثها مؤخرا بالمكتبة الرئيسية محمد ديب بتلمسان، حيث أكد مدير المكتبة محمد زين الدين طرشاوي، أنه سيتم دعوة الأقلام الجزائرية من أجل إثراء هذا الفضاء الفكري وخلق ذلك التواصل بين الكاتب والقارئ من أجل تعميم ثقافة جديدة داخل الفضاء المكتبي.