-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أوروبا وأزمة الأقليات الدينية والثقافية

وليد بوعديلة
  • 285
  • 1
أوروبا وأزمة الأقليات الدينية والثقافية

أعاد خطاب الرئيس الفرنسي، ماكرون، حول “أزمة الإسلام” في العالم، وحديثه عن “الانعزالية الإسلامية”، الجدل حول الأقليات الدينية والثقافية في بلاد الغرب، ومشاكلهم وانشغالاتهم، وما يتعرضون له من خطاب الإقصاء والكراهية، رغم تصريحات وقوانين غربية تنادي بحرية التعبير واحترام المعتقدات.

وازداد الجدل مع ممارسات عنصرية من مجلة “شارلي إبدو” الساخرة، التي استفزت كعادتها الشعور الجمعي الإسلامي برسوماتها المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلّم، وكأنه يوجد اتفاقٌ أو تخطيط مسبق من فرنسا الرسمية والإعلامية للتسويق لخطاب شعبي فرنسي وأوربي قادم فيه الكثير من ملامح العنصرية والتطرف اليميني، وبداية يوميات قادمة للتطرف والعنف ضد الإسلام والمسلمين، رغم أن العقلانية -وهي المعتمدة على الحِجاج المنطقي- تقول إن الأزمة ليست في الإسلام وإنما في الجهل الأوربي والغربي بمبادئه وتشريعاته ومعها الكره اليميني لأهله والملتزمين به.

وقد أصاب الأزهر عندما طالب بوضع تشريع عالمي يجرِّم الإساءة للأديان ورموزها، وقد علّق الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على خطاب ماكرون قائلا: “إن الخطاب معدٌّ للعدوان على الإسلام، لا في فرنسا فحسب، بل ضد المسلمين في كامل أنحاء العالم”، كما رفض الشيخ قسوم ما ادّعاه ماكرون من مطالبة بإعادة “هيكلة الإسلام”، لِما فيها من تطاول على ديننا الحنيف.

ونحن نرى بأن خطاب ماكرون استفزازي، يشعل فتيل غضب نخبوي وشعبي عند الجاليات المسلمة، وهو موقف فرنسي غريب يأتي في سياق صحي صعب (جائحة كورونا)، وهو يترقب هذا الغضب ربما لترسيم قوانين وتعليمات لطرد الكثير من المهاجرين غير الشرعيين وحتى الشرعيين، من المنتمين لأصول دينية ثقافية عربية وإسلامية، فتكون الإسلاموفوبيا هي الورقة المناسبة قصد مواجهة الصعوبات الاقتصادية الاجتماعية الناجمة عن وباء كورونا.

وقد كتب عبد الحميد عبدوس كلمات صادقة معبرة عن هذا المقام، يقول في مقال له: “تتجه فرنسا تحت حكم الرئيس إيمانويل ماكرون لأن تصبح عاصمة عالمية للإسلاموفوبيا، فهو لم يترك لفظا قبيحا ومسيئا للإسلام إلا استعمله بكل صفاقة واستهتار بمشاعر المسلمين واستفزاز للأمة الإسلامية”، ونحن نعلم بان الإسلام بريء وبعيد عن ممارسات وأفعال المنتسبين له فهو دين الوسطية والتسامح ويرفض كل ممارسة وتفكري متطرف منغلق.

ورغم أن التاريخ الأوربي المعاصر قد سجّل الكثير من محاولات الدمج والاحتواء للأقليات الثقافية القادمة خاصة من شمال إفريقيا ومن باكستان والهند وبلاد الشام وفي ألمانيا وبريطانيا كان النموذج الأقرب للنجاح والدمج بالمشاركة السياسية وفي أعمال المواطنة والإسهام المدني والعجلة الاقتصادية، إلا أن الساحة الفرنسية شهدت الكثير من التراجع والخلل، ونحن هنا نتذكر أحداث 17 أكتوبر 1961، بفرنسا، والعنصرية ضد الجزائريين، وقتلهم وتعذيبهم وسجنهم ورميهم في نهر السين.

إننا نستغرب من فرنسا الرسمية هذا الخطاب الرئاسي، ونكاد نجزم بأن كاتبه من المنتمين -فكريا وسياسيا- لليمين الفرنسي المتطرف، بل ونذهب لأكثر من هذا، لنقول إن المطبخ الفرنسي الرسمي يُعِدّ طبخة خطيرة، ستجدد النقاش حول الأقليات الثقافية والدينية في المجتمع الفرنسي، وستعرّض أفراد الجاليات العربية والمسلمة للضغط الإعلامي والعنف المجتمعي المتعدد، وقد تكون الجالية الجزائرية والمغاربية ورقة للضغط الاقتصادي والسياسي على الأنظمة لجلب الاستثمارات ومحاولة البقاء وتجديد العهد مع أسواق ظلت سنوات تحت المظلة الفرنسية، فهل تدرك الشعوب والدول في المنطقة المغاربية توابل وروائح هذه الطبخة الماكرونية الفرنسية؟

نترقب من الموقف الفرنسي تراجعا عن التصريحات الأخيرة، وإلا ستكون المواجهة الفكرية والمجتمعية مفتوحة ومتجددة، في الديار الغربية عامة، وقد تمتد ويصعب على ممثلي الأقليات والجاليات التحكم فيها، وهنا تتفرق الجهود الأوربية، بين مشاكل وتحديات وباء كورونا، ونتائج خطابات الكراهية والإقصاء والسخرية من معتقدات المسلمين وتحدّيهم وتحميلهم لأزمات الغرب، كما هو مع كلمات ماكرون.

عندها، تكون المساحة الإعلامية الغربية والعربية والإسلامية متحركة بين كورونا وماكرون، مع تشابه الحروف وتقارب المآلات والنتائج، في زمن واحد متقارب، وهنا نتمنى من الأقليات المسلمة في الغرب أن تحافظ على وحدتها، وتقدم الصورة الجيدة النبيلة الراقية لهويتها وانتمائها الثقافي الديني، بعيدا عن الغلو والتطرف وقريبا من الاعتدال والتسامح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جلال

    ابقوا في بلدانكم كما هم باقون في بلادهم (ويتهنى لقرع من حك الراس) لم يسأل أو يتساءل أحد لماذا يذهب كل هذا العدد من الناس هناك ومنهم من يحاول ما يسمى بالهجرة غير الشرعية بواسطة قوارب الموت وهل تعلم لماذا يقدم البعض على هذا النوع من الإنتحار لأن اليأس قد بلغ عنده في بلده حد لا يطاق ولا يهمه أن يموت أو يحي, يقول لك يأكلني الحوت ولا تأكلني الرداءة والبيروقراطية والقهر والظلم وقلة فرص العيش وعدم المساواة في الحقوق والواجبات مع إن بعض تلك البلدان ليس لها ما في بلده من خيرات قد تكفي قارة بل أن بلد المهجر يستفيد منها بطرق معروفة؟