-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أعدادهم قرب المراكز فاقت أعداد المرشحين للامتحان

أولياء في عطلة لمرافقة أبنائهم وشحنهم معنويا في امتحان “البيام”

مراسلون
  • 276
  • 0
أولياء في عطلة لمرافقة أبنائهم وشحنهم معنويا في امتحان “البيام”
ح.م

إذا كان عدد التلاميذ المعنيين بشهادة التعليم المتوسط هذه السنة قد ناهز الـ800 ألف تلميذ وتلميذة، فإن عدد الموجوعين بالامتحان من أوليائهم وأشقائهم وبقية الأهل، هو بالتأكيد بالملايين، الأمر لم يتوقف عند وجع القلق على فلذة الكبد، بل انتقل إلى حركة تجلت منذ صباح الأحد، عندما قدم كل تلميذ مترشح، في موكب مع أبيه وأمه وحتى إخوته، ولكل نصيحته، ولولا التواجد الأمني والتنظيم المحكم الذي شمل الامتحان لدخل الأولياء أو دخلوا بسياراتهم إلى قلب مراكز الامتحان.

نصائح الثبات والطمأنينة في الموعد
يكفي أن تحلق في الفضاء الأزرق لتدرك بأن تغريدات الأدعية هي المسيطرة على المشهد، بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي يستخرجون فيديوهات لأدعية من شيوخ المشرق وحتى من الجزائريين، وهم يدعون للممتحن منها دعاء: “اللهم اجعلهم يكتبون الصواب عند السؤال” و”اللهم نستودعك أبناءنا” مع آيات قرآنية مثل قوله تعالى: “إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا”.
أمام متوسطة بن عبد الماك للذكور في قسنطينة، كان الأولياء على باب المتوسطة يستوقفون أبناءهم ويُذكرونهم بضرورة البسملة وقراءة بعض الآيات قبل خوض الامتحان، بينما انزوت بعض الأمهات وحيدات إما في قلب السيارة أو هناك بعيدا حتى يرين أبناءهن وهم يدخلون مركز الامتحان، وهم يتلون أدعية، والدمعة تسبقهن في كشف مشاعرهن، بعد أن أمضين سنة مع الابن أو البنت يشجعنهن لأجل تحقيق أمنيات النجاح، مع مصاريف أقرب إلى الميزانية الكاملة التي أنفقها الأولياء على الدروس الخصوصية في المواد التي عانى من ضعف فيها.
وفي متوسطة بورقبة روابح بمسكيانة بولاية أم البواقي، قررت عائلة بأفرادها العشرة أن تواكب الابن وائل في أجواء فرح، لا تختلف عن مواكب العرسان، كان وائل في قمة أناقته، لباس جديد للامتحان ويمكن استعماله في عيد الأضحى المبارك، هكذا قال والده وهو يرى بأن ابنه اجتهد طوال السنة، ونقاطه في مختلف الثلاثيات كانت جيدة، ولكنه في الأيام الأخيرة شعر بقلقه وخوفه فحاول مساعدته بطريقته الخاصة من خلال نقل البيت إلى مشارف قسم الامتحان.
والد وائل وهو قيّم في أحد مساجد مدينة مسكيانة، وضع يده على رأس ابنه وتلا في السرّ عددا من الأدعية، ثم احتضن ابنه وتركه يدخل مركز الامتحان، وحتى بعد دخوله، بقي الوالد والوفد العائلي المكوّن من عشرة أفراد، يتبادلون الكلام والأمنيات والأدعية أيضا، قبل أن يعودوا إلى بيتهم، لبعض الوقت، لأن وائل سيجدهم أمام باب متوسطة بورقبة روابح عند خروجه وهذا على مدار الأيام الثلاثة للامتحان.

عطل بالجملة والتفصيل
السيد نوري فؤاد أبى إلا أن يحصل على عطلة صغيرة من ثلاثة أيام، وقال للشروق اليومي: “لا يمكن أن أتصور نفسي في العمل في مساحة تجارية كبرى، وابنتي تُجري أهم امتحان لها، وهو شهادة التعليم المتوسط، فالهاتف لا يكفي وكل ما اخترعته البشرية من وسائل للتواصل الاجتماعي، من واتساب وسكايب، لا تعني شيئا أمام الحضور البدني والمعنوي، وحتى التشجيع يجب أن يكون على المباشر وليس عبر رسائل هاتفية”.
طبعا ليس كل الآباء لهم نفس مهنة فؤاد أو قُرب مكان عمله من مسكنه العائلي، فهناك آباء يشتغلون في مدن بعيدة عن منازلهم العائلية ولا يمكنهم سوى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما لاحظناه أمام متوسطة بن عبد المالك بقسنطينة، عندما تواصل تلميذ عبر هاتف والدته مع والده الذي قدم له النصيحة الأخيرة قبل ولوجه مركز الامتحان، فأطلق التلميذ الممتحن ابتسامة أمل وقبّل والده عن بعد، ووعده بأن يكون في المستوى المطلوب.
الأمهات بدورهن، حتى الماكثات في البيت يأخذن عطلة من حياتهن الروتينية، من القيام صباحا لأجل صلاة الفجر، حيث يصبح الدعاء في هذا التوقيت أقرب للاستجابة، كما أن شهادة التعليم المتوسط هذه السنة، تزامنت مع أيام مباركة من ذي الحجة، فكان الصوم عنوان غالبية الأمهات للتقرب من الله وتمكين أبنائهن، من الدعاء تضرعا وخفية كما جاء في القرآن الكريم.
السيدة سعاد قالت إن أيامها الثلاثة من الأحد إلى الثلاثاء، هي بالتأكيد مختلفة عن أيام السنة، فهي صائمة ولكنها مدعوة لإبهاج ابنها بالعديد من الأكلات من فطور الصباح إلى غاية وجبة العشاء، فهي لا تريد الأطعمة الدسمة ولا الخفيفة، وتبحث بين ذلك عن وجبات تلبي شهية ابنها ولا تضره، مع الكثير من الفاكهة.
تبتسم السيدة سعاد وتقول: “يوجد في البيت حوالي عشرة أنواع من الفاكهة من التوت البري إلى الكرز مرورا بالتين والبطيخ والمشمش والخوخ وغيرها، أبدأ يومي بمنح ابني الممتحن ملعقة من العسل وعلى باب مركز الامتحان أمنحه شربة من ماء زمزم الذي تحصلت عليه في رمضان الماضي من شقيقتي العائدة من رحلة لأداء مناسك العمرة”، وعلى وزن السيدة سعاد تعيش بقية الأمهات.

لكل مجتهد نصيب
المختصة في علم النفس رانية بلبجاوي، ترى بعض الأخطاء في تعامل بعض الأولياء مع أبنائهم: “من غير المعقول أن يُترك التلميذ طوال السنة من دون سند معنوي حقيقي، ثم يجد نفسه محاطا من الجميع في يوم الامتحان، فهذا يشكل عليه ضغطا قد تكون مساوئه أكبر من فوائده، خاصة إذا كان فاقدا للثقة بالنفس”، وتواصل شرح الوضع: “تلميذ شهادة التعليم المتوسط لا يزيد عمره عن الخمس عشرة، وهو حساس، ومثل هذا الاهتمام المفاجئ والقوي في ظرف وجيز، قد يؤثر عليه، ويرى بأن الجميع ينتظرون نجاحه، بينما أصحاب الثقة الكبيرة بالنفس، يمكنهم تجاوز هذا التغيير في سلوك المحيطين بالتلميذ”.
غالبية التلاميذ إن لم نقل كلهم توجهوا إلى قاعات الامتحان بلباس جديد وبفطور صباح متميز، فقد عرفت مختلف المساحات التجارية الكبرى في العلمة بولاية سطيف أو المدينة الجديدة علي منجلي، نهاية الأسبوع أي الجمعة والسبت، توافدا قياسيا من المواطنين لشراء كسوة الامتحان وعيد الأضحى أيضا، وكانت الأعمار الأكثر طلبا تتراوح ما بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة، وهو عمر تلاميذ السنة الرابعة متوسط، كما عرفت محلات المرطبات والمخابز، منذ السادسة من صباح أمس الأحد، توافدا من الأولياء لشراء مرطبات وهلاليات وفطائر حتى يكون فطور المترشحين غنيا ومتنوعا يفتح شهية الأكل وأيضا شهية الإقبال على الامتحان بإرادة قوية.
بعض الأساتذة من المتقاعدين أو غير المعنيين بالحراسة في امتحان شهادة التعليم المتوسط، ظهروا في مشهد الامتحان، إما ناصحين، أو مرافقين لبعض التلاميذ أو حتى من خلال إطلالة مليئة بالنصائح على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أبى الحاج عبد السلام وهو الذي قضى أكثر من نصف قرن في التعليم، إلا أن يتصل بأحفاده من الذين اجتازوا الامتحان لمدّهم بنصائح هي فعلا قديمة، ولكنها ثمينة جدا.
يُترجم هذا الاهتمام قدسية الامتحان والنجاح والدراسة عموما لدى الأسرة الجزائرية، التي ظهرت مؤمنة بأن السبيل الوحيد للنجاح هو الكدّ والاجتهاد وحضن العائلة التي توفر الجو النقي لأبنائها تحت شعار: “ولكل مجتهد نصيب”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!