-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إسبانيا.. الجزائر و”الحراقة”

حسين لقرع
  • 3656
  • 5
إسبانيا.. الجزائر و”الحراقة”

لعلّ أغلب “حرّاقة” الغرب الجزائري الذين يختارون الإبحار إلى إسبانيا في قوارب الموت لقربها من شواطئهم، لا يعرفون أن تقارير دولية كانت قد رشّحت سنة 1978 هذا البلد رفقة الجزائر وكوريا الجنوبية لتصبح بلدانا متطورة في غضون 10 سنوات فقط، بالنظر إلى إمكاناتها وطاقاتها. وبعد مرور هذه المدة، أضحت كوريا الجنوبية أحد النمور الاقتصادية لآسيا، وتخطت إسبانيا عهد فرنكو المُظلم ولحقت بركب الدول المتطورة، في حين عجزت الجزائر عن استغلال ثروتها النفطية لإقامة اقتصادٍ تنافسي مُنتج، وما إن انهارت أسعارُ هذه المادة في سنة 1986 حتى دخلت البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية ثم سياسية حادة أعادتها إلى الوراء. وبمرور الوقت أصبحت إسبانيا تستقطب المهاجرين الأجانب بفعل تطور اقتصادها، في حين أصبح الشباب الجزائري يمتطي قوارب الموت إلى دول أوروبية عديدة ومنها إسبانيا التي كانت في المرتبة نفسها مع الجزائر عام 1978!

لذلك حينما نسمع اليوم، وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، يحمِّل المعارضةَ مسؤوليةَ هروب الجزائريين في قوارب الموت إلى أوروبا بسبب ما سماه “خطابها التشاؤمي التيئيسي”، فإن هذا يعبّر في الواقع عن التهرّب من الواقع المرير على طريقة النعامة، ورفض تحمّل المسؤولية، وتحميلها للآخرين ظلما؛ فهل حققت السلطة إقلاعا اقتصاديا عملاقا مثلما فعل أردوغان في تركيا في ظرف 16 سنة فقط، لكن المعارضة ترفض الاعتراف به وتصرّ على تسويد الوضع؟!

عوض استخلاص العِبر الكافية من أزمة صدمة 1986، واستغلال عائدات الطفرة النفطية التي بدأت مع بداية الألفية الثانية لبناء اقتصاد إنتاجي متنوِّع المصادر يطوّر البلد، ويستوعب مئات الآلاف من طالبي العمل كل سنة، ويستقطب حتى العمالة الأجنبية… فقد لُدغت البلادُ من الجحر نفسه مرتين، وواصلت الاعتماد على مداخيل النفط وحدها، فكانت صدمة انهيار أسعاره ابتداءً من صيف 2014 وما تبعها من إجراءاتٍ تقشفية صارمة وغلاءٍ للمعيشة وزياداتٍ في مجمل الضرائب والرسوم والأسعار، وتفاقم للبطالة في أوساط الشباب وانسدادٍ للآفاق… حتما مقضيا، ما جعل آفة “الحرقة” تبلغ مستوياتٍ مخيفة وتطال حتى النساء والفتيات والعائلات.. أبعد كل هذا نحمّل “محترفي السياسة” مسؤولية تفاقم الهجرة غير الشرعية؟ 

إسبانيا تقدّمت لأنها أدارت ظهرها لعهد فرنكو الشمولي وأقرَّت الديمقراطية الحقيقية وتداولَ الحكم، مع ما يعنيه ذلك من شفافيةٍ في التسيير، وإقامة مؤسسات رقابيةٍ قوية تضيِّق الخناق على الفساد، وفصلٍ بين السلطات، وإرساءِ أسس العدالة الاجتماعية… في حين حكمت جبهة التحرير، أو بالأحرى حُكم باسمها، طيلة 56 سنة كاملة، وصلت البلاد بعدها إلى هذا الوضع، ومع ذلك قال ولد عباس مرارا خلال الحملة الانتخابية لتشريعيات ماي الماضي إن “جبهة التحرير ستحكمكم قرنا آخر على الأقل”!

الحقائق مريرة جدا ولا يمكن تغطية الشمس بالغربال أو الهروب من المسؤولية وتحميلها للآخرين، هناك فشلٌ مزمن في استغلال ثروات البلاد لتحقيق تنمية قوية تحقق التقدُّم للبلد والرفاه للجزائريين.. ومع ذلك نقول لـ”الحراقة” الذين يغامرون بأرواحهم أملا في حياةٍ أفضل وراء البحر: صحيحٌ أن الحياة في الجزائر صعبة ولكنها ليست جحيما، يمكنكم البقاء هنا والسعي إلى تحسين أوضاعكم تدريجيا كما حسّنها كثيرون قرروا البقاء في وطنهم وبناء مستقبلهم فيه، كما أن الجنة لا تنتظركم في أوروبا؛ بل تنتظركم المعتقلات والمعاملة المهينة والإذلال قبل إعادتكم إلى الجزائر، هذا إذا سلمتم أصلا من الموت في عرض البحار. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • صالح/الجزائر

    5)- هيكلة المؤسسات ، في " من أجل حياة أفضل " ، في سياسة " القضاء على الندرة " ... ، في بداية الثمانينيات القرن الماضي ، التي أدت إلى " 26 مليار " وإلى الأزمة المالية الخانقة ابتداء من 1986 ، التي أدت إلى كوارث لاحقة مازالت الجزائر تعاني منها إلى اليوم .
    ورغم المعاناة المدمرة التي مرت بها الجزائر ، فإن " جزائر العزة والكرامة " و " ارفع راسك يا با " لم تستغل أبدا " سيف الحجاج " لقطع الفساد والمفسدين ، بل إن الفساد استفحل وتجبر مع سياسة " الموالاة " .
    إن العدل أساس أساس الملك .

  • صالح/الجزائر

    4)- لأنها كانت أكثر تخلفا في ذلك الوقت ) لأن وضعها الاجتماعي والاقتصادي لم يكن بعيد عن وضع الجزائر .
    كان من الممكن جدا أن تصبح الجزائر ، لو تضافرت وتواصلت الجهود ، " يابان إفريقيا " ، لكن سياسة الانتقامات حالت دون ذلك .
    بعد 1978 وقع للجزائر ( ولإسبانيا ) ما وقع في حكاية النملة والصرصور . إسبانيا صححت الأخطاء السلبية لديكتاتورية فرانكو وقامت ببناء المؤسسات الديموقراطية ، الاجتماعية والاقتصاد ، بينما الجزائر راحت تقضي على إيجابيات البناء والتشييد ، لسنوات السبعينيات القرن الماضي ، في ما سمي بإعادة

  • صالح/الجزائر

    3)- من وزارته بعد أن رفض أن يسل الوزير من "قضية سوناطراك 2 " كما تسل الشعرة من العجين .
    وزير الصناعة السابق متهم هو أيضا بالفساد .
    القائمة طويلة من رؤوس الفساد في نادي " الموالاة " .
    إذن العجب ليس في عدم التحاق الجزائر بصف إسبانيا ، وإنما العجب في عدم سقوط الجزائر رغم الفساد الذي أصبح نظام حكم .
    يذكر وزير الصناعة والطاقة السابق ، السيد عبد السلام بلعيد ، في أحد كتبه أنهم كانوا ، في بداية الستينيات القرن الماضي ، يهدفون ، بسياسة التصنيع الشاملة ، إلى الوصول إلى مستوى إسبانيا ( وليس البرتغال

  • صالح/الجزائر

    2)- المراتب الأولى في القوائم الانتخابية البرلمانية . نفس التسريبات تتحدث عن عدم وجوده في الجزائر ، أي أنه فر في اتجاه بلد أجنبي .
    أبناء الأمين العام السابق لنفس الحزب يتواجدون في فرنسا ، في الشقة التي اشتراها لهم والدهم بالأموال المسروقة من صندوق تدعيم الفلاحة في الجنوب .
    في أوت 2013 أصدر النائب العام في الجزائر العاصمة مذكرة توقيف دولية بحق وزير المحروقات السابق ، وقال في مؤتمر صحفي، إنه "... ارتكب أفعالا أضرت بالاقتصاد الوطني"، لكن النائب العام هو الذي أوقف عن عمله ، ووزير العدل هو الذي طرد

  • صالح/الجزائر

    1)- الملك الإسباني ، خوان كارلوس ، قدم يوم 18 أفريل 2012 ، اعتذارًا غير اعتيادي ، قائلا إنه "ارتكب خطأ" بذهابه لصيد الفيلة في إفريقيا في الوقت الذي تعانى فيه البلاد من أزمة اقتصادية كبيرة ، وهذا رغم أن تكاليف الرحلة تحمل بها رجل أعمال سعوديً ، ثم لم يطل به المقام حتى استقال من منصبه ولما يبلغ 80 سنة . هل يستقيل الوزراء ، بل الولاة في الجزائر ؟ .
    تسربت معلومات عن ضبط مبالغ ضخمة ، قدرت بعشرات الملايير من السنتيمات ، في بيت ابن الأمين العام لحزب جبهة لتحرير الوطني ، من طرف مصالح الأمن في قضية بيع