إشكالية التشريع والمتشابه من القرآن لدى هدى سلطان
ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع الشائك، والمعقد بتعقد معانيه ومدلولاته وأبعاده ورمزيته وحكمه البالغة، التي لا يدركها إلا الله والراسخون في العلم، ما رأيته في مناظرات حاسمة جمعت بين مسلمة اسمها هدى سلطان، أعلنت ردّتها ومروقها جهارا أمام العالم في القنوات، بسبِّ الذات الإلهية والطعن في القرآن الكريم والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي ليست إلا طبيبة تمارس مهنة الطب وتعيش في الغرب، جمعوها مع بعض الشيوخ في بعض الفضائيات في مناسبات متعددة، للمناظرة في مسائل فكرية ودينية وفقهية وأصولية كبرى، كمسائل خلق العالم والحياة والإنسان والعقل والإدراك وتعدُّد الزوجات والعصمة والميراث، وغير ذلك مما أصبح يشغل بال المارقين والشكّاك فيخوضون فيه بغير علم ولا انضباط في الكلام، ولا فهم لأحكام التشريع وغاياته ومقاصده وحكمه الخفية، التي يستشكل فهمها على غير المؤهَّلين في الفكر الإسلامي وعلومه الشرعية.
كانت المرأة جريئة على الله، والقرآن والنبي محمد –صلى الله عليه وسلم- والإسلام، وكان الشرّ يتطاير من عينيها وفيها ووجنتيها، وهي تسبُّ الذات الإلهية وتتكلم بحقد كبير، وبكلام جارح ونابٍ من غير تحفظ ولا احتياط، وقد تجاوزت حدود اللياقة واللباقة في القول، ومن غير احترام لمشاعر المسلمين وعلمائهم والصالحين منهم، وهي الجرأة التي ما رأيت مثلها عند غير المسلمين ونظرائها من المارقين في مناظراتهم ومماحكاتهم، إلا عند المطرود من المجمع الكنسي، لتطاوله على الله والنبي والإسلام، وهو القمّش زكريا.
الكمال الإلهي المطلق، لا يتّصف إلا بكمال ذاته وصفاته وأفعاله، وكمال القدرة الإلهية غير المحدود لا يشبه كمال النقص الذي تتصف به مخلوقاته وجميع الموجودات في هذا الكون الفسيح مهما كانت ذكية، وقدرته المطلقة وكمال ذاته وصفاته وأفعاله هي ما يجعله في كل يوم في شأن، يدبِّر الأمور بحسب مقتضياتها وتكيفاتها، وهذا الشأن هو الذي يجعله يتجلى بذات وصفات عليّة منزَّهة عن ذوات الموجودات والمخلوقات وصفاتهم وأفعالهم.
والغريب في أمر هذه المرأة، أنها كانت تلحن لحنا فاحشا في كلامها، من غير تفريق بين مرفوع ومنصوب ومجرور، لضعف مستواها اللغوي والنحوي والصَّرفي، وهو المستوى الذي لا يؤهِّلها لمناقشة أعمق آيات المتشابه من القرآن الكريم، الذي شيّب أساطين العلم والتفسير واللغة والفكر والفلسفة من العلماء المسلمين، وكان على الشيوخ الذين وقعوا ضحية لمحدوديتهم في التبحُّر في العلوم العقلية والكونية وعلوم القرآن والتفسير والتأويل واللغة والفلسفة والفكر وأساليب الجدل والمناظرة، التي لها أحكام تقتضيها طبيعة المناسبة وشراسة المُناظر والتطاول على الذات الإلهية والمقدس من الدين، فيعامل المناظِر المتطاوِل بمثل ما يُعامِل به المقدس من الدين والعقائد، ولكنهم كانوا يستعطفونها بكلماتٍ عِذاب رِقاق، حتى لا تقسو عليهم وتضايقهم بصخبها ولججها وأفكارها المتمردة على الله والنبي، فكانت تظهر وكأنها منتصرة عليهم، لأنهم عجزوا عن مصاولتها ومجاولتها بالحجة والدليل القاطع لكل افتراء على الحق والحقيقة.
سألت أحدهم بتهكّم واستهتار وازدراء بالذات الإلهية: هل يمكن أن يكون مثل هذا الكلام –بحسب قولها- قرآنا يصدر عن إله يتصف بالكمال المطلق، ووصفته سبحانه بكلام جارح أنزّه الله تعالى من ذكره “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ”، (الحاقة: 17)، وقوله تعالى بحسب أقوال المفسرين: “ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية”، أي: “يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة، ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العرش العظيم، أو: العرش الذي يوضع في الأرض يوم القيامة لفصل القضاء”، انتهى الاقتباس.
وقالت لمُناظرها: هل يعقل أن يحمل العرش الذي يستوي عليه الرحمن وهو الإله غير المحدود بزمان ولا مكان ثمانية من الملائكة، والقاعدة الفيزيائية والرياضياتية في الهندسة تجعل الحامل أقوى وأصلب من المحمول، ومعنى الآية جعل الملائكة أقوى من ثقل الذات الإلهية، بحسب تصوُّرها المادي للمشهد، وهذا دليل على أن القرآن كلامٌ بشري لا يعرف القوانين الرياضياتية والفيزيائية؟ ولكن هذه السيدة المتعالمة لم تدرك أن القانون الفيزيائي الذي يحكم عالمنا المحسوس، ليس هو القانون الفيزيائي الذي يحكم الذات الإلهية وعالم الغيب، لقوله تعالى: “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”، يخبر الحق سبحانه المكابرين من الوثنيين الذين كانوا يجسِّدون الآلهة في صورة إنسان، بأنه لا سبيل لتشبيه الله تعالى بالمخلوقات والموجودات، في أي صورة أو شكل أو هيئة أو عرض أو جوهر، مما بنوه من معارف استوحوها من عالمهم المحسوس، ولكنه سبحانه أثبت لنفسه صفتي السَّمع والبصر، من غير مشابهة لهيئة المخلوقات بوجود أعضاء مادية وظيفية لتلك الغاية.
ولكن، بسبب الاستشكال في فهمها لطبيعة العالمين المادي والروحاني، استخدمت القياس الخاطئ لفهم معنى الآية الكريمة، كما لو أن العالمين متماثلان في طبيعتهما وقوانينهما الفيزيائية والطبيعة التركيبية للذوات المادية المحسوسة، والذات الإلهية غير المعروفة بخصائصها، والذي يمكن أن يُفهم ويغلِب على الظن، عند الناظر المحقِّق المدقِّق من خلال المقارنة بين النصوص المتشابهة والمحكمة، وبين فارق الخصائص الفيزيائية بين العالم المادي الحسي والعالم الروحاني غير المادي، أن المراد من العرش الذي تحمله الملائكة يوم القيامة، هو العرش الذي يستوي عليه الباري سبحانه لحساب الناس يوم النشور، عن إيمانهم وبرّهم وتقواهم وصلاحهم، أو عن كفرهم وعنادهم وفجورهم وظلمهم وفسوقهم وجرمهم وفسادهم في الأرض.
ولترجيح هذا المعنى الأقرب إلى طبيعة يوم الحساب، المحدود بالمكان والزمان الذي تجري وقائعه وأحداثه في أوقات معلومة ومحدودة، بأمر الله تعالى وعلمه بمجريات دقائق الحساب، كيما ينصرف الناس -بعد الحساب العسير- إلى ما أدّت إليه أعمالهم من الدخول إلى الجنة أو النار، على أرض غير هذه الأرض، لقوله تعالى “يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار”، (إبراهيم:48)، وكما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد”، وأرض الجنة تكون نقية من الذنوب وآثام العصاة، ويكون حجمها أكبر من هذه الأرض بمئات أو آلاف أو ملايين المرات، كيما تسع البلايين ممن يدخلونها، وهذا هو المراد من قوله تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ”، (آل عمران/ 133).
ولا يُراد بالسماوات سماوات الكون كله، كما فهمه القدامى في تفاسيرهم، إذ كانوا يعتقدون أن السماء في القرآن تعني طبقات صلبة بعضها فوق بعض، بينما هي تعني الفضاء والفراغ الذي يعلو الكواكب والنجوم والمجرات، وهذا هو المعنى اللغوي لكلمة السماء، أي ما على وجه الأرض أو أي نجم وكوكب من فضاء وفراغ، والمراد من عرضها السماوات والأرض، هو مجموع سماوات الكواكب الصغيرة التي هي بحجم أرضنا، فعندما تغطّيها أرض الجنة بحجمها الضخم العظيم وشساعة أرجائها، تكون بحجم سماوات هذه الأراضي والكواكب الصغيرة، ويؤيد هذا المعاني المختلفة للسموات في القرآن الكريم، ما ورد بمعنى الجو “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ”، (الذاريات:22)، يعني المطر الذي يُنبت الزروع والبقول وأعلاف الحيوانات، وبمعنى المجموعة الشمسية “وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا”، (النبأ:12)، بإسقاط كوكب بلوتو وقد أزيل من تصنيف كواكب المجموعة الشمسية، بسبب صغر حجمه يوم 24 أغسطس 2006. ويبلغ حجم بلوتو أقل من خُمس حجم الأرض، ويبعد عن الشمس بنحو 5.9 مليارات كم، ويقع على حافة المجموعة الشمسية، وترد بمعنى سماء الكون كله: “تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى”، (طه: 4)، وهناك معان أخرى يطول الحديثُ بذكرها.
الإنسان بعقله وذكائه المتوقد، الذي حوّله الطبيعيون والماديون إلى إله مقدس، هو مجرد مكتشف للقوانين ونظم الشفرات وناقل للمعلومة، ومقلّد لعجائب صنع الله تعالى في مخلوقاته، مثلما قلد مخلوقات الله في كل إنجاز حققه، عدسات التصوير نسخة مطابقة للعين، وذاكرة شرائح الهواتف والحواسيب منقولة عن ذاكرة الإنسان والحيوانات، والآلات والجرافات مصممة على هيئات الحيوانات والحشرات مع بعض التعديل، والروبوتات نسخ مُقلَّدة من الإنسان والحيوان، وغير هذا كثير.
وفهمُنا للعرش الذي تحمله الملائكة، يُستفاد من ارتباطه بمحدودية الأرض التي يقع عليها الحساب، خلافا للعرش العظيم الذي ورد في قوله تعالى: “فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” (التوبة: 129)، والعرش العظيم الذي لا يعلم حجمه وسعته ومداه وموقعه إلا الباري سبحانه، ويعني به الله تعالى الهيمنة الكاملة والمطلقة على الكون ومصائر الخلائق والموجودات، يتصرف في أمورها بما يشاء ويريد من غير أن يُسأل عما يفعل، لأنه تبارك وتعالى مطلق التصرُّف في ملكه، كما للإنسان مطلق التصرُّف في ممتلكاته بيعا وشراء وهبة وتملّكا، وأرض يوم القيامة شبيهة في محدوديتها بمحدودية مكان جبل الطور، الذي تمثّل فيه الباري سبحانه لكليمه موسى عليه السلام، في شعلة نار تجلّت في عُلّيقة كلّمته عيانا من غير حُجُب وسُتُر عن عين موسى عليه السلام.
والكمال الإلهي المطلق، لا يتّصف إلا بكمال ذاته وصفاته وأفعاله، وكمال القدرة الإلهية غير المحدود لا يشبه كمال النقص الذي تتصف به مخلوقاته وجميع الموجودات في هذا الكون الفسيح مهما كانت ذكية، وقدرته المطلقة وكمال ذاته وصفاته وأفعاله هي ما يجعله في كل يوم في شأن، يدبِّر الأمور بحسب مقتضياتها وتكيفاتها، وهذا الشأن هو الذي يجعله يتجلى بذات وصفات عليّة منزَّهة عن ذوات الموجودات والمخلوقات وصفاتهم وأفعالهم، مثلما تجلّى في الشعلة التي كلّمت موسى عليه السلام “إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى”، (طه: 9 / 12)، وكذلك تجلّيه سبحانه للجبل حين طلب منه موسى رؤيته عيانا، فدُكّ الجبل ولم يصمد أمام التجليات الإلهية رغم جموده وصلابته وانعدام الحياة والحس فيه، وهذه المعاني القرآنية التي تتجاوز تفكير الإنسان وإدراكه وتجاربه، هي التي تصور لنا حقائق معاني الذات الإلهية، وتتوافق مع معنى الآية محل الدراسة، التي وقع فيها استشكالٌ معنوي، تجاوز مستوى القدرات الفكرية والمعرفية لهذه السيدة المجادِلة بغير علم ولا إدراك لكنه الحقيقة الإلهية، بسبب الالتباس الذي وقع لها في القياس بين عالمين غير متماثلين في الحقيقة والماهية.
وجادلت في آية أخرى مع مُناظرها، وقد أساءت إساءة بالغة للذات الإلهية، من غير تدخُّل هذا المُناظر لأنها أربكته بعَنتها وفظاظتها ومغالطاتها التي كانت تعتقد أنها صحيحة، والله تعالى يقول: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ”، (الأنعام: 108)، وكان عليه أن ينسحب حينما عجز عن مقارعتها بالحجة والدليل، حتى لا تتمادى في تطاولها على الذات الإلهية، لأن شهوة الحديث والظهور سيطرت عليه، والآية الثانية التي جادلت فيها بغير علم قوله تعالى: “هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ..”، قالت: إن العلم اليوم توصَّل إلى نقل كروموسوم أنثوي (أحد التَّراكيب الخيطيّة الَّتي تظهر عند انْقسام الخليّة انْقسامًا غير مباشر)، من رحم امرأة بطلب منها إلى رحم اصطناعي، رغبة في إنجاب أنثى، فتخلّقت أنثى بحسب الطلب بفضل العلم، من غير أن يتدخّل “إلهُ القرآن” بحسب تعبيرها غير الأخلاقي، وأثبتت مثل هذه التجارب –بحسب زعمها- أن القرآن كلامٌ بشري، لأنه يتعارض مع حقائق العلم وتجاربه، وكان المُناظر يردد كلاما عامًّا غير متّسق مع أطروحتها المغالِطة ليملآ الفراغ فحسب، وكم كانت مبتهجة عندما كان يعاني من إيجاد بوصلة التوجيه للإجابة المفنِّدة لمغالطاتها وشُبهاتها.
والجواب الصحيح على زيف كلامها، أن العلم والإنسان لم يخلقا شيئا من مكوِّنات الكرموسوم وخصائصه البيولوجية، وإنما اقتصر دورُهما على اكتشاف الخصائص الجينومية لتخلّق الإنسان في الرحم، ذكرا كان أو أنثى، كما اكتشف المركّبات البيولوجية والكيميائية والوراثية التي يتكون منها الحيوان المنوي للرجال والبويضات الأنثوية، وتوصَّل عن طريق التحليل المخبري والمشاهدة بالمجاهر الإلكترونية، إلى أنّ “الصبغيات الجنسية هي واحدة من 23 زوجًا من الصبغيات، هناك اثنان من الصبغيات الجنسية، تسمى X وY. وفي الحالة الطبيعية، تمتلك الإناث نسختين من الصبغي X (أي XX)).
ويُعرف هذا العدد (عدد الكروموسومات في الخلية)، بالإضافة إلى المظهر البصري للكروموسوم، بالنمط النووي، ويمكن العثور عليه بالنظر إلى الكروموسومات من خلال المجهر. يتم الانتباه إلى طولها، وموضع السنتر ومير، ونمط النطاق، وأي فروق بين الكروموسومات الجنسية، وأي خصائص فيزيائية أخرى، يعدّ إعداد ودراسة الأنماط النووية جزءاً من علم الوراثة الخلوية”، انتهى الاقتباس.
ودور العلم وعلماء الأحياء، هو اكتشاف نظام تكوين الخصائص الفيزيائية والكيميائية للخلية، في بيولوجيا الإنسان والحيوان والنبات فقط، وما ينتج عن ذلك من خلق وصفات وراثية، هذا هو السر في خلق الذكور والإناث، وعلم الله يتضمّن سر النظام البيولوجي لتكوين وتخلّق الكائنات الحية، الذي هندس عجائبَ شيفرته الوراثية الخالقُ المصوِّر جلَّ ذكره، بإتقان كبير، ومعنى التصوير الذي ورد في الآية الكريمة واستشكل فهمه على هذه المرأة المخاصِمة، هو قانون تلاقي الكروموسومات وتفاعلها في الرحم، وفق ما خُلِق فيها من نظام وتركيب وخصائص، وبما أن الله تعالى هو خالق قوانين ونواميس كل شيء، نسب إلى ذاته العليّة الخلق والتصوير والعلم، لأن المشركين كانوا تائهين ضالين لا يعلمون سر الخلق والوجود.
والإنسان بعقله وذكائه المتوقد، الذي حوّله الطبيعيون والماديون إلى إله مقدس، هو مجرد مكتشف للقوانين ونظم الشفرات وناقل للمعلومة، ومقلّد لعجائب صنع الله تعالى في مخلوقاته، مثلما قلد مخلوقات الله في كل إنجاز حققه، عدسات التصوير نسخة مطابقة للعين، وذاكرة شرائح الهواتف والحواسيب منقولة عن ذاكرة الإنسان والحيوانات، والآلات والجرافات مصممة على هيئات الحيوانات والحشرات مع بعض التعديل، والروبوتات نسخ مُقلَّدة من الإنسان والحيوان، وغير هذا كثير.
هذا ما يجب أن يتقنه الشيوخ المُناظرون، ويُلمّوا بخلفياته العلمية والفلسفية والفكرية، لأن الخصوم عنيدون ومشاكسون ومسلّحون بثقافة المغالطات والشبهات والقياسات الخاطئة، حتى لا يقعوا ضحية لعدم إحاطتهم بعلوم العصر وفنونه ومدارس الكلام والفلسفة والنظر، لأن الخصوم يعتمدون على ما قاله الفلاسفة الماديون والطبيعيون وعلماء الأحياء وفلاسفة الصدفة، والمارقون يعرفون الطبيعة التكوينية للشيوخ، وأن مناهجهم في الجدل تعتمد على المنقولات والمرويات فحسب، والمنقولات لا تفي بالغرض مع خصوم لا يؤمنون بها، ولذلك كانت العلوم العقلية والتكنولوجية تعضد العلوم النقلية وتكملها، ومن هنا يسدّون الثغرة عليهم بعلوم ما يؤمنون بها للاستدلال على معاني القرآن المتشابهة، قال تعالى: “فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” (آل عمران: 7).