-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
هيئة التدريس تجمد نشاطاتها و"الشؤون الدينية" صامتة

إقالة غامضة للشيخ بوركاب من مدرسة القراءات

ب. ع
  • 3906
  • 1
إقالة غامضة للشيخ بوركاب من مدرسة القراءات

في مفاجأة لم تكن على البال، أثارت الكثير من الجدل والغضب، تمت إقالة الشيخ الدكتور محمد بوركاب، مدير مدرسة “الشيخ بن باديس” للقراءات، والذي يعدّ علامة فارقة في طرق تعليم القرآن الكريم، وهي المدرسة التي أسّسها منذ عشرين سنة، ومقرها في قلب جامع “الأمير عبد القادر” بقسنطينة، وهذا بعد قرار تنحية الشيخ شوقي أبو حرم، الذي أمّ المصلين لمدة عشرين سنة في جامع “الأمير عبد القادر” بقسنطينة.

الإقالة الثانية المفاجئة أثارت غضبا شديدا لدى هيئة التدريس في هذه المدرسة ذائعة الصيت على المستويين الإسلامي والعالمي، بعد تبليغهم بقرار تنحية الشيخ الفاضل، من طرف ناظر الشؤون الدينية خلال اجتماع حديث معهم بمناسبة الدخول الاجتماعي، حيث وصفوا، من خلال بيان راسلوا به كل الهيئات، القرار بـ”الجائر”، في حق رجل كرّس حياته لخدمة القرآن الكريم، واعتبروا ما حدث أخذا للمشروع من صاحبه وتسليمه لغيره، بحسب أساتذة وأستاذات مدرسة “الشيخ بن باديس” للقراءات.

وقال محررو بيان الغضب، بأن ما أزعجهم هو أن ناظر الشؤون الدينية لم يخبرهم بسبب إقالة فضيلة الشيخ بوركاب، بالرغم من طلبهم لتوضيحات، وبقيت علامات الاستفهام المخيمة حول الموضوع من دون إجابات، وأعلنوا عن تعليقهم للتدريس ومقاطعة كل ما له صلة من تأطير وحراسة إلى حين ردّ الاعتبار لفضيلة الشيخ بوركاب، ومواصلته لتسيير المدرسة. وهو القرار الذي حرّك نظارة الشؤون الدينية التي دخلت في سباق مع الزمن لاحتواء الوضع، خاصة أن المدرسة عرفت، مع بداية شهر سبتمبر، تقدم عشرات الآلاف من طالبي التعلم فيها، بعد أن تميّزت شهادة البكالوريا في دورة جوان 2023 بتفوق كاسح لحفظة القرآن الكريم، ومنهم من خريجي هذه المدرسة الرائدة، والتي تعتبر من بين الأحسن في العالم باعتراف منظمات إسلامية عالمية.

الدكتور بوركاب: “أقالوني من منصبي المعنوي من دون ذكر الأسباب”

“الشروق” اتصلت، زوال الاثنين، بالشيخ محمد بوركاب، وسألته عن سبب الإقالة، فقال بأنه يجهل السبب، والإجابة من المفروض أن تكون مع الجهة متخذة القرار، فهي الأعلم، وعاد الدكتور إلى دور المدرسة الأول وهدفها وهو تعليم القرآن، وأكد بأن المسؤولية لا تهمه أبدا، لأن المنصب معنوي فقط.

وتحدث الشيخ بوركاب، في عجالة، عن عشرين سنة من الإشراف على هذه المدرسة والسعي الجاد لتطويرها، من دون أن يتقاضى دينارا واحدا: “نعم لقد أعطيت للمدرسة مع عائلتي من أجل هدف واحد وهو القرآن الكريم”، ثم ذكّر بأنه غير متشبث بهذا المنصب، وقال بأنه أحس بأمور غامضة تجاهه، من حوالي سنة، قبل أن تعود المياه إلى مجراها الطبيعي.

وكانت “الشروق اليومي” قد اتصلت، حينها، (في رمضان الماضي)، بالشيخ بوركاب، ولكنه رفض التعليق عن محاولة سحب البساط من قدمه، قبل أن تقرّر نظارة الشؤون الدينية تنحيته من منصبه في سبتمبر الحالي، بطريقة مازالت غامضة، وعلّق عليها الرجل قائلا: “إذا كانت الأمور خاصة، فصراحة أنا لا أعلمها”.

يذكر أن هذه المدرسة كانت مرافقة لقناة “الشروق” في إنجاز البرنامج الرمضاني بعنوان “قصتي مع كتاب الله”، حيث تلقت المساعدة من الدكتور بوركاب ومن ابنته وأفراد من عائلته، الذين ساهموا في نجاح المدرسة وتم تقديم مقرئين وحفظة لكتاب الله، قدّموا طرق تعلمهم، وكان من بينهم الكثير من الجزائريين وحتى الأجانب من كوريا الجنوبية وأندونيسيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، وشابة فرنسية جاءت إلى قسنطينة وتعلمت اللغة العربية الفصحى وحفظت القرآن الكريم في مدرسة “ابن باديس” للقراءات.

الشيخ الدكتور بوركاب طلب من كل الذين تضامنوا معه الصبر والحكمة والتعقل، وهو على يقين بوجود عقلاء في الجزائر، وكما قال لـ”الشروق اليومي”: “بلدنا هو بلد القرآن سواء تعلق الأمر بالسلطات العليا أو عامة الشعب”.

يذكر أنه خلال الموسم الدراسي الأخير، ضمّت المدرسة أكثر من 4600 طالب من كل أنحاء الوطن.

ومن جهة أخرى، اتصلت “الشروق” طوال يوم الاثنين بنظارة الشؤون الدينية بقسنطينة لمعرفة سبب هذا القرار وكيفية التعامل مع المدرسين والمدرسات، الذين جمّدوا التحاقهم بأكبر مدرسة قرآنية في المغرب العربي، ولكن سكرتيرة الناظر أخبرتنا بأنه في اجتماع وبأنه أخبرها بأن وقته لا يسمح وأعدنا الاتصال بعد أكثر من ساعة وكان أيضا في اجتماع، وبعد اتصالات عديدة، تركنا رقم هاتفنا للسكرتيرة مع شرح موجز لمهمتنا، على أن يتصل بنا ناظر الشؤون الدينية، وبقيت علامات الاستفهام من دون إجابة ولا توضيح ولا أي اتصال.

الشيخ شوقي: “أوقفوني لأني قلت كلمة حق في الدكتور بوركاب”

الشيخ شوقي أبو حرم، وهو أحد أئمة الجزائر الذين ذاع صيتهم من جامع “الأمير عبد القادر”، قال لـ”الشروق اليومي” أمس الاثنين، بأن ما تعرض له الشيخ بوركاب من مظالم عمره بضعة شهور، ولم ينفجر الوضع إلا مع بداية الدخول الاجتماعي الحالي، وكان من ضحاياه أيضا الشيخ شوقي الذي تم تحويله تعسفيا، لأنه رحّب، في رمضان الماضي خلال درس كان يلقيه قبل صلاة الظهر في جامع “الأمير عبد القادر” بالدكتور، فمجرد أن شاهد الدكتور بوركاب، حتى قدّمه بما يليق به، وتحدث عن تمكّنه من علم القراءات، وأنهى مديحه للدكتور بدعاء الله حتى يديم لنا نوره وظله.

وفي اليوم الموالي، تم استدعاء الشيخ شوقي إلى مكتب نظارة الشؤون الدينية، وقيل له بأن ما قام به من مدح للشيخ بوركاب، هو تحدّ للنظارة الغاضبة منه، من دون شرح سبب لهذا الغضب، وعندما تم تهديده بالتوقيف من الإمامة في جامع “الأمير عبد القادر”، ردّ الشيخ شوقي بالقول: “يشرفني نهايتي في جامع “الأمير عبد القادر” دفاعا عن الحق”، فتم تحويله إلى جامع بعيد، ومنعه من دخول جامع “الأمير عبد القادر” حتى لأداء الصلاة، وقد شهد الأسبوع الماضي قدوم أحد مؤذني الحرم المكي إلى قسنطينة، وقام الشيخ شوقي بضيافته والتجوال معه في معالم المدينة، من دون الدخول إلى جامع “الأمير عبد القادر” المحرّم عليه بعد عشرين سنة من الإمامة فيه، ومزاملة ومرافقة الكثير من الشيوخ داخله، وهذا بسبب وقوفه مع الدكتور بوركاب.

للإشارة، فإن ما يثير في هذه الإقالات الغامضة، هو عدم اللجوء إلى المراحل القانونية ومنها عرض المُقال على المجلس التأديبي.

الدكتور بوركاب.. نصف قرن مع القرآن الكريم

في صائفة 2015 بعد أن نال من رابطة العالم الإسلامي جائزة أفضل معلم للقرآن في العالم، وجد الشيخ بوركاب الترحاب من كل فئات الشعب الجزائري المتمسك بكتاب الله، وتم تكريم الشيخ من مجمع “الشروق” في حفل حضره عدد من العلماء والأكاديميين وروى، حينها، قصته مع كتاب الله.

يبلغ حاليا الشيخ بوركاب الستين سنة من العمر، وهو سن النضج والعطاء بالنسبة لحاملي القرآن الكريم، فما بالك بمن بدأت قصته مع القرآن منذ أن كان طفلا دون الخامسة، في مدينة البويرة التي بقي وفيا لها ومعتبرا إياها من أهم داعميه في رحلته القرآنية، وقد كان جده الشهيد حافظا لكتاب الله ووالده قارئا مداوما على القرآن في الليل والنهار، على الرغم من أنه كان أميّا لم يطرق باب مؤسسة تعليمية في حياته، وفي مرحلة الدراسة التكميلية أو المتوسطة، ظل يستذكر حفظ والده للقرآن الكريم بالسماع، فأراد أن يقدّم لطلبة القرآن الكريم طرقا علمية للحفظ والقراءة، وتعرف، في عز شبابه، على الشيخ إسماعيل جوامع، أحد تلامذة رائد النهضة الفكرية ومؤسس جمعية العلماء المسلمين، العلامة بن باديس، ودفعه تعلقه بالقرآن الكريم إلى تعلم اللغة العربية وعلوم القرآن الكريم، بالرغم من أن تخصصه في الجامعة كان علميا وهو علوم الطبيعة، ودرس في جامعة تيزي وزو البيولوجيا ثم البيطرة، ولكن في سبتمبر 1984، قلب حياته رأسا على عقب حضور الشيخ محمد الغزالي، رحمة الله عليه، إلى قسنطينة للمساهمة في تأسيس الجامعة الإسلامية “الأمير عبد القادر”، فضحى بالبيطرة وطار إلى قسنطينة للانتساب إلى جامعة “الأمير عبد القادر” للعلوم الشرعية، والتي بقي فيها للسنة الأربعين على التوالي من دون أن يأخذ دينارا واحدا من خدمته لها ولطلاب العلم.

وأخذ الدكتور بوركاب الكثير من العلم من الراحل محمد الغزالي ومن نور الدين الصغير، وعامر العرابي، ودخل عالم الترتيل والتجويد والقراءات من بابها النوري الواسع.

ثم بدأت رحلاته إلى بلاد الشام، فتعرف على الشيخ البوطي، إلى درجة أن الشيخ في آخر زيار له إلى الجزائر، بمجرد أن نزل في مطار العاصمة، حتى سأل عن الشيخ محمد بوركاب الذي نهل في الشام من أبي الحسن الكردي الذي ساعده على حفظ ثلاثة أرباع من القرآن الكريم في ظرف ثمانية أشهر فقط، بعد أن أخذ الأسس والمبادئ الصحيحة من المدرسة الجزائرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نورالدين الجزائري

    لنبحث عن الأسباب الموضوعية بدون عواطف لانه لا دخان بدون نار