-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلا عودة الأقدام السوداء!

إلا عودة الأقدام السوداء!

قبل أيام ساد نقاشٌ غريب عن قضية المعمرين الأوروبيين في الجزائر الذين غادروا البلاد بعد الاستقلال خوفا من انتقام الجزائريين، بعد التّصريحات الصادرة عن الوزير الأول أحمد أويحيى في فرنسا حول إمكانية مساهمة هؤلاء في دخول الصادرات الجزائرية إلى أوروبا، وهو تصريحٌ غريب كذلك فُهم في سياق التّمهيد للقبول بفكرة التّعاون مع الأقدام السوداء الذين استخدمهم الاستعمار على مدار 132 سنة في نهب أملاك الجزائريين والاعتداء عليهم وتحويلهم إلى شعب مستعبَد وفقير.

هذا التّوجه الخطير في تجاوز حقائق التاريخ، لا يمكن السكوت عنه، لأنه مقدمة لعودة الأقدام السوداء، والاعتراف بحقهم في الأملاك التي كانت بحوزتهم أثناء الاستعمار، وهم الذين لا يدّخرون جهدا في المطالبة بذلك عبر العديد من الجمعيات التي انتظموا فيها، والتي تضغط لاستعادة الجنّة الضائعة التي تركوها غداة الاستقلال، ويستندون في ذلك إلى اتفاقيات “إيفيان” التي نصّت على بقاء المعمرين في الجزائر، والاحتفاظ بأملاكهم المنهوبة من الجزائريين في الأصل!

وكتب التّاريخ تروي الطريقة الهمجية التي انتزعت بها أملاك الجزائريين وأعطيت للمعمرين، ومثال ذلك ما يورده حمدان بن عثمان خوجة وهو الذي عاصر تلك المرحلة في كتابه “المرآة” حيث يقول “كانوا يتسابقون لاختيار أجمل الحدائق، والمساكن الأكثر ملاءمة، ينتصبون فيها سادة لا ينازعهم منازع، ولم يعد المالكون قادرين على الدخول إلى ممتلكاتهم”، ويقول في موضع آخر مخاطبا الفرنسيين “إنكم تعطون الملايين لليونانيين وللبولونيين، وتُنجدون تلك الشعوب بأموال الجزائريين، وإنّ التاريخ سيسجل كل هذه الأعمال الشريرة”، ودار التاريخ دورته ولاذ المعمرون بالفرار من غضب الجزائريين.

وعليه، فإن عودة الأقدام السوداء من الباب الواسع بعد أن خرجوا من النافذة الضيّقة لا يمكن قبوله، ولا يمكن أن تُقبل مساهمة من هؤلاء المرتزقة الذين جنَّدهم الاستعمار، وأغراهم بالمجيء إلى أرض ليست أرضهم، حيث وصلوا حفاة عراة، وفي مدة زمنية قصيرة أصبحوا من كبار الملاك والإقطاعيين الذين يستعبدون الجزائريين في الحقول والمصانع، ولا يمكن أن يأتي الخير من هؤلاء ولو من باب تشجيع الصادرات الجزائرية نحو أوروبا.

إنّ المعمرين لا ينظرون إلى الجزائر إلا في صورة ذلك الكنز الضائع الذي كان بين أيديهم ذات يوم بغير وجه حق، وهم الآن يستخدمون كل الطرق والأساليب لاستعادة جزءٍ منه، كاستغلال الثغرات في القانون، والقيام بصفقات بيع مشبوهة، تفجّر نزاعات قضائية لا تنتهي في المحاكم الجزائرية، ولا يمكن التعويل على هؤلاء في الترويج أو المساعدة على دخول السلع الجزائرية إلى أوروبا، لأن ذلك لا يمثل إغراءً كافيا لهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • RG

    بمجرد ان تقول خوفا من الانتقام
    فقد اعترفت بحقوقهم
    وفي نفس الوقت اعترفت بتخلف الاغلبية
    من احتفلوا بالاستقلال المزعوم كهدية من ديغول
    وماذا تقول في الجزائريين الذين كانوا يرددون
    كان غير قعدت فرانسا
    هل كانوا مخطؤون
    منذ صغري اسمع الكثير يرددون كنا بخير في وقت فرانسا
    وكم ضحية جزائرية سقطت بعد الاستقلال الى حد اليوم
    انا لا اجد ما اقول
    مع انني مع استقلال الجزائر
    لكن ليس بهكذا ظلم

  • صالح بوقدير

    أويحي لم يعبر عن ذلك عن طيش أوهوى أو نزوة عابرة ولا هي فلتة لسان بل هي مقدمة لمشروع متكامل يتعلق بالصفح عما سلف وبداية عهدجديد
    إن ما مايشهده العالم من تحولات قلب الامور رأسا على عقب ولم تعد للقيم والمبادئ معنى فما تراه غير معقول هوذاته المعقول في واقع الامر ألاترى أن ترامب أعطى بجرة قلم قبلة المسلميين الاولى لليهود مصحوبة بتنفيذ فوري ثم يقيم مأدة إفطار
    رمضانية للسفراء العرب والمسلمينين تكريما لهم فأي تكريم هذا؟ومع ذلك لبوا الدعوة بكل سرور.

  • عبد الرحمن

    بالاختصار المفيد: تقع الطيور على أشكالها. وشكرا جزيلا.

  • كتاب توهامي

    لست أنت من يقرر عودة من عدم عودة الأقدام السود للجزائر ، الذي يقرر هم أبناء و أحفاد فرنسا الذين في السلطة.

  • tokan

    لن تكون غبيا او اقل ذكاءا حين لا تجد بعد التحليل اي فهم منطقي لما يجري.هل نحن نعيش مرحله اللامعقول او اللامنتمي لانه يجب ان نبحث عن الاقدام السوداء في كل بلد حتي يساعدنا علي مد جسور يمكن لصادراتنا العبور عبرها الي هذه البلدان اي منطق اقتصادي هذا الذي نعيشه ام انا اقتصادنا اصبح مرتبط بفرنسا وفقط.