-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنسانية بابا الفاتيكان وهمجية الكيان

محمد بوالروايح
  • 2323
  • 0
إنسانية بابا الفاتيكان وهمجية الكيان

توفي البابا فرنسيس بعد آخر إطلالة له من نافذة الفاتيكان في قداس عيد الفصح، ويستعد الفاتيكان لتشييعه وانتخاب خليفته في غضون أيام معدودات بعد اجتماع مجلس الكرادلة. ورغم اختلافنا العقدي مع البابا ومع الفاتيكان والمسيحية بشكل عامّ، إلا أن هذا الاختلاف لا يمنعنا من الإشادة ببعض مواقفه الإنسانية وخاصة موقفه من حرب الإبادة لتي يشنها الكيان الصهيوني على غزة وأجزاء من الضفة، كيان غاشم تديره أكبر حكومة عنصرية في تاريخ هذا الكيان وهي حكومة بنيامين نتنياهو التي تضمّ أكثر الأعضاء عنصرية على غرار بن غفير الذي يمثل التيار الأكثر تعصبا وتعطشا للدماء.

أثارت تصريحات البابا فرنسيس بشأن الوضع المأساوي في غزة حفيظة الكيان الصهيوني الذي عبّر عن امتعاضه ورفضه لما سمته خارجية الكيان “المعايير المزدوجة“ إذ جاء في بيانها: “تصريحات البابا مخيبة للآمال بشكل خاص لأنها منفصلة عن السياق الحقيقي والواقعي لحرب إسرائيل ضد الإرهاب الجهادي وهي حرب متعددة الجبهات فرضت عليها منذ 7 أكتوبر”، مضيفة “كفى إتّباع معايير مزدوجة والتصويب على الدولة اليهودية وشعبها”.

إن ما سمته خارجية الكيان “معايير مزدوجة“ هي على النقيض من ذلك، الحقيقة التي لا يختلف فيها اثنان والتي يشهد بها العالم  كله ويراها رأي العين ولا تحتاج إلى لف أو دوران ولا ينكرها إلا كيان أسِّس على استباحة الدم وتبرير الجرم، كيان  ينفذ وصايا التلمود بإبادة الغوييم بحذافيرها وينتشي بقتل الرضع والركع والنساء من غير جريرة إلا كونهم جزءا من شعب “يبغضه الرب” لأنه يبغض “شعبه المختار ” كما يدعي نتنياهو، الذي يواصل مسيرة قادته الأبطال من عهد شمشون إلى شارون.

يقتفي نتنياهو أثر “شمشون الجبار“ الذي أرسله الله لإنقاذ شعب الله المختار من قبضة الفلسطينيين كما يرد ذلك في سفر القضاة من الإصحاح الثالث عشر إلى الإصحاح السادس عشر، وفي الرسالة إلى العبرانيين في الإصحاح الحادي عشر. وشمشون الجبار هو شخصية أسطورية من شخصيات العهد القديم الذي تذكر الأسطورة أن الملائكة بشّرت به أبويه بأنه سيكون له شأنٌ عظيم في تخليص اليهود من بطش الفلسطينيين في مدينة غزة عاصمة مملكتهم التي امتدّت ستة قرون من القرن الثاني عشر قبل الميلاد إلى القرن السادس قبل الميلاد. ولم يستطع شمشون المؤيَّد بقوة الرب -كما يزعم العهد القديم- تخليص اليهود ولا حتى تخليص نفسه بعد أن نجح الفلسطينيون في استمالة الفتاة الفلسطينية “دليلة“ التي تعلق بها واستمات في سبيل الزواج منها وتمكَّن -حسب زعم العهد القديم- من قتل ألف من الفلسطينيين مستعينا بعظمة فك حمار وبقوته الخارقة، ولكنه انتهى أسيرا في قبضة الفلسطينيين وتحوّل من بطل كبير إلى عامل في طحن الشعير. وتضيف الأسطورة اليهودية القديمة أن شمشون تاب عن خطيئته واستعاد قوّته فتحسَّس مكانه بين العمودين اللذين يقوم عليهما سقف المعبد فانهار به وبمن معه وطوي اسمه وطويت فصول الأسطورة التي عمل كتاب العهد القديم على تضخيمها وتحريفها وتحويرها وتلفيق كثير من أحداثها، وهذا ليس بغريب على كتّاب ديدنهم صناعة الكذب والافتراء على الرب.

ما قاله بابا الفاتيكان بأن ما يحدث في غزة هو حرب إبادة هو ما يجمع عليه العالم الحر، فماذا يسمَّى قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت وتهجير السكان واستهداف المدنيين وقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف وتجريف الأراضي وقطع إمدادات الغذاء والدواء ومنع إدخال المؤن ومحاصرة الموانئ؟ أليست هذه حرب إبادة وجرائم في حق الإنسانية؟

يعيد التاريخ نفسه ويعيد الإعلام الصهيوني العنصري بعث أسطورة شمشون ليمنِّي شعب إسرائيل بنصر قريب كنصر شمشون، ولكن هيهات فصمود الفلسطينيين في غزة، رغم قلة عتادهم وقلة حيلتهم، سيهزم كبرياء نتنياهو الذي سيشرب من الكأس التي شرب منها شمشون وسينقلب خاسئا خاسرا “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون“(الشعراء 227).

ووصفت خارجية الكيان الصهيوني تصريحات البابا فرنسيس بأنها مخيبة للآمال ومنفصلة عن السياق التاريخي والواقعي لحرب إسرائيل ضد ما سمته “الإرهاب الجهادي” و“الحروب متعددة الجبهات ضد دولة إسرائيل“ الساعية للسلام والمتطلعة لإنقاذ اليهود والعالم الحر من شرّ قد اقترب تمثله فصائل المقاومة الفلسطينية.

إن أول وآخر من تنطبق عليه هذه الأوصاف التي وردت في بيان خارجية الكيان، ردا على تصريحات بابا الفاتيكان، هو هذا الكيان الذي خرق شرائع السماء وخرق اتفاقية جنيف، وينقض كل عهد ويخرق كل هدنة ويقتل ويمعن في القتل ثم يتهم المدافعين عن أرضهم وعرضهم بترويع المستوطنين واستباحة دماء الإسرائيليين الآمنين، فأي منطق هذا الذي يغيِّر الحقائق ويقلِّب الأمور ويحوِّل الجاني إلى ضحية؟ وأي منطق هذا الذي يبرئ اللص ويدين صاحب البيت ويبرّر الاحتلال ويجرم المقاومة؟!

ما قاله بابا الفاتيكان بأن ما يحدث في غزة هو حرب إبادة هو ما يجمع عليه العالم الحر، فماذا يسمَّى قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت وتهجير السكان واستهداف المدنيين وقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف وتجريف الأراضي وقطع إمدادات الغذاء والدواء ومنع إدخال المؤن ومحاصرة الموانئ؟ أليست هذه حرب إبادة وجرائم في حق الإنسانية؟

ما قاله البابا فرنسيس يعبِّر عن شعور إنساني متدفِّق تجاه الحرب الظالمة والاعتداءات الصّارخة التي يتعرّض لها سكان غزة ومعها الضفة، ولا ندري على من يكون الدور في الأيام المقبلة. إن البابا يشعر بما يشعر به كل إنسان وكل رجل دين بأن مستقبل العالم في خطر طالما هناك إرهابٌ صهيوني متصاعد يهلك الحرث والنسل ويبيد الأخضر واليابس ويسعى لبعث ممالك الدم التي أقامها اليهود كما يرِد ذلك في العهد القديم وفي التلمود.

إن العدوان الصهيوني المتواصل على غزة والضفة ينبغي أن يقابَل بحلف عالمي ينخرط فيه المسيحيون والمسلمون والعلمانيون وكل المحبِّين للسلام، لا تهم هنا الشعارات الدينية والأيديولوجية فالمعركة الصهيونية المعلنة هي معركة عنصرية تستهدف الإنسانية ولا تستهدف شعبا أو دينا بعينه، ومن ثم فالحاجة إلى حلف إنساني مضادّ ضرورة ملحة لوقف العدوان وتأديب الكيان والحفاظ على العلاقات والروابط الإنسانية وحماية كوكب الأرض من شرٍّ مستطير يتولى كبره رأسُ الفساد نتنياهو ومعاونوه من شاكلة بن غفير وأفيخاي أدرعي الذي يؤدي دورا إعلاميا مضللا يقوم على استمالة المذبذبين واستعطاف الجاهلين بحقائق الأمور الذين تستميلهم الكلمات المعسولة التي ينطبق عليها قول الشاعر: “يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب”.

ناشد البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة التي قرأها أحد مساعديه من شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، العالم للتضامن مع شعب غزة الجريح ووقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى من الجانبين من قبل حماس ومن قبل الكيان وتقديم المساعدات لشعب يتضور جوعا ويطمح إلى السلام والعيش في أمان، شأنه في ذلك شأن كل شعوب المعمورة.

إن ما نكبره في البابا فرنسيس بعد أن غادر هذا العالم هو أن تجد دعوته إلى السلام طريقها للتجسيد في عالم أفسدته وعكّرت مزاجه شرذمةٌ من الأشرار الذين لا يُعجزون إذا توفرت لدى المحبين للسلام إرادة مشتركة وعزيمة على نزع الألغام التي زرعها الكيان والتي تحول دون تحقيق السلام.

إن أهم ما استوقفني من تصريحات البابا فرنسيس بشأن العدوان الصهيوني والوضع غير الإنساني في غزة هو قوله “إنني أتألم لآلام الفلسطينيين وهي آلام تقترب من آلام المسيحيين فالكل هدف مشروع“. وقد صدق البابا فرنسيس فيما قال، فالكل هدف مشروع لدى الكيان الصهيوني الذي يسعى لتجسيد مشروع “إسرائيل الكبرى“ الذي يراود خيال نتنياهو الذي يريد أن يصبح بطلا قوميا بأي وسيلة، فالغاية عنده تبرر الوسيلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!