استراتيجيات جزائرية لمجابهة عدم كفاية “الشهرية المربية” في رمضان

تشتكي الأغلبية الساحقة من الجزائريين من عدم كفاية ما يجنونه من مداخيل، لتغطية تكاليف ما يُنفقونه، خلال شهر رمضان الكريم. ويُؤكدون أن “الشهرية المربية” لا تكاد تفي بتمضية سوى أيام قلائل منه. ولكنهم، في المقابل، يُنفقون أضعافا مضاعفة من أجورهم ومداخيلهم، لتغطية نفقات الشهر الفضيل وعيد الفطر. فما هي الاستراتيجيات المتبعة من جلالة شعبنا العبقري، لضبط موازين هذه المعادلة صعبة الفهم؟
فارق عجز
الجميع يشتكي من غلاء الأسعار، ولكنهم يكتسحون الأسواق الشعبية والمحلات التجارية، كالنمل الجائع الجائح، ويتسوقون بشراهة عجيبة. والكل يبكي قلة ذات اليد، ولكنهم، كلهم يقتنون ما تشتهيه أنفسهم وأنفس عيالهم، خلال الشهر الفضيل وعيد الفطر. فما سر هذا التناقض الصارخ؟ وكيف يوفق الجزائريون في تأمين فارق العجز في ميزانية رمضان؟
الأمر بسيط للغاية، تؤكد أم إياد مضيفة: “اللي حب ياكل المسقي يقشط على ذراعتيه، فأنا أعمد بحلول شهر رمضان إلى صنع الديول والمورقة والمقرطفة والقطايف، وتوصيلها إلى محلات تجارية أتعامل معها منذ أعوام. ولولا ذلك، لاستحال علينا تغطية نفقات الشهر بمحدودية الأجرة الشهرية للموظف البسيط زوجي”. ونفس الأمر تقريبا، تعمد إليه أم أيوب، التي تشرع بحلول رمضان في صنع المقيرط والمقروط والسيقار والصامصة والشاي، ليقوم ابنها البكر ببيعها لزبائنه بالشارع في سهرات الشهر الفضيل.
أما السيد عثمان، فيؤكد أن يدا واحدة لا تصفق، وأن كل أولاده يساهمون بنصيب معين من أجورهم ومداخيلهم، لتأمين نفقات الشهر الفضيل. ويعمدون جميعا إلى ممارسة مهن وأنشطة موسمية رمضانية، لتأمين فارق العجز في ميزانية الشهر المعظم. في حين، إن أهل السيدة سلمى هم من يقومون بتغطية عجز ميزانية زوجها في رمضان. فوالدها، كما تقول: “تاجر ميسور الحال. ويتكرم علينا، في شهر الصيام، بمبلغ محترم، يساعدنا به على تغطية مصاريفنا الكثيرة”.
أما حمو السيدة سهام، فهو البطل في ملحمة زوجها البائسة اليائسة، لموازنة ميزانية شهر الصيام، حيث يُمون البيت بأغلبية “عولة الشهر”. كما يقوم بكسوة أغلبية أحفاده، من فضل كرمه، الذي يفوقه جود حمي السيدة
نادية، لكونه يقوم باستضافة عائلتها، كما تقول: “طيلة أيام الشهر الكريم. ويتكفل بمأكلنا ومشربنا، ويقتني للأطفال كسوة عيد الفطر، لكونه رجلا ثريا، على عكس زوجي الأستاذ ابنه”.
أشعب قدوة
وحينما تسمع ببعض الطرق التي يحتال بها بعض الجزائريين على ظروفهم المادية الصعبة، لتمضية شهر الصيام، يُخيّل إليك أننا شعب سليل أشعب. فالكثيرون، يتطفلون على ولائم وموائد الغير، ومن دون سابق دعوة كذلك. فالسيد مراد، العامل اليومي، لا يجد حرجا في أن يرسل زوجته إلى بيت أهلها، رفقة أولاده، حينما تنضب “شهريته”، في أول أسبوع من الشهر الفضيل. ليلتحق حضرته ببيت أهله، حيث يقتات متطفلا على مائدتهم الرمضانية.
أما السيد عبد الودود، فإن وجهته هي موائد ومطاعم الرحمة، حينما يعجز عن مواكبة فارق العجز بين مداخيله ومصاريفه الرمضانية، إذ يقوم، كما تؤكد ابنته الكبرى: “بكراء غرفة حقيرة بأحد الفنادق الرخيسة، القريبة من أحد مطاعم تفطير الصائمين، لنلتحق جميعنا بموائده الشهية الغنية بما لذ وطاب على الفطور والسحور”. ونفس المخرج، تلجأ إليه خالتي الزهرة، التي
يكفيها ما تقبضه من راتب تقاعد لتمضية الشهر الكريم بكرامة في منزلها، حيث تعيش وحيدة. لكن، حينما تتطفل عليها ابنتها المتزوجة، رفقة أولادها، لتمضي رفقتها أكثر من نصف الشهر تقريبا، فإنها تضطر، بدورها، إلى التطفل على مطاعم وموائد الرحمة وتفطير الصائمين، لاقتناء فطورها وفطور ضيوفها.
الرجال بالرجال
“الرجال بالرجال.. والرجال بربي”.. هكذا، ردت السيدة فاطمة، حينما سألناها عن السر الذي يتيح لعائلتها تمضية شهر الصيام بميزانية، تفوق شهرية زوجها البسيطة. وتؤكد أنه: “مادام كاين المومنين فمازال في الدنيا براح ومتسع من الرحمة والأمل. فأهل الخير من محسنين وجمعيات خيرية وكشافة إسلامية، يتكرمون على الفقراء أمثالنا، بالكثير من الاحتياجات وقفف رمضان”.
وكلما أبحرت في استطلاع طرق واستراتيجيات الجزائريين، في مجابهة تكاليف الشهر الفضيل، التي تتيح لهم إنفاق أضعاف مداخيلهم المعتادة، لا يسعك إلا القول: “فعلا.. إن رمضان كريم”.