استمالة للصحفيين واستثمار في الضباط الفارين
1- مخططات للوصول نحو فرار ضباط والترويج لمنشوراتهم وشهاداتهم التي تدين الجزائر: تحرص المخابرات المغربية كثيرا على ما يظل مسلطا على رقاب المسؤولين الجزائريين، حيث تخطط كثيرا إلى الوصول نحو تهريب أو احتواء ضباط أو حتى صفّ ضباط أو جنود من الجيش، أو حتى مجرد عملاء كانوا يقومون بالوشاية من أجل تحويلهم لأبواق تدين الجزائر وتشيد بالمغرب وتجعل منه الضحية الأولى للسياسة الجزائرية حسب مزاعمهم.
وقد سبق أن أشار الذين تحدثت إليهم وثبت لاحقا أنهم يؤدون مهمات استخباراتية فقط، إلى أن أقوى ما يهدد أركان النظام الجزائري هي شهادات الضباط الفارّين، ولهذا يسعى المغرب إلى استغلالها فيما يخدم أجندته، ويؤكد عبرهم للعالم والمجتمع الدولي أن الجزائر هي الطرف الرئيسي في النزاع القائم بالصحراء الغربية.
كما ذكرت من قبل أن المخابرات المغربية تستعمل الصحفيين كوسيلة ربط العلاقة مع هؤلاء ممن يقدمون شهاداتهم بغض النظر عن البهتان الذي تطفح به، إلا أن الإعلام المغربي يتلقف هؤلاء من أجل الترويج لهم وعبرهم تمرّر رسائل تتعلق بالصحراء الغربية وجبهة البوليزاريو، ومن خلال تواصلي مع الكثيرين من الذين نشروا كتبا أو أولئك الذين نشرت لهم الكتب، تبين لي أنه قد جرى الاتصال بهم من قبل المخابرات المغربية، سواء بطريقة مباشرة عن طريق مغاربة يقيمون في المهجر، أو عبر وسائل الإعلام والمراسلين الصحفيين الذين يعملون لصالح قنوات وصحف المخزن.
ومن دون أن أذكر الأسماء حتى لا أساهم في الترويج لهؤلاء الضباط الفارين ممن طواهم النسيان الآن، أن المخزن كان يريد إلى جانب شهاداتهم التي تشرعن تهم الأممية الاشتراكية للمؤسسة العسكرية، فهو يريد منهم مواقف ومعلومات تنشر للعلن عن العلاقات الفرضية التي تربط جبهة البوليزاريو والمخابرات الجزائرية، فضلا عن المعلومات الأخرى الأمنية، وخاصة تلك التي يكون المغرب طرفا فيها كحرب الرمال وأمڤالا وشبكات تهريب المخدرات في الجزائر، والخلايا النائمة للإرهاب، والسجون في مخيمات تندوف… إلخ.
قصة مخابرات المخزن مع سعيد مصالحة
كما أكدت لي مصادر في باريس أن المخابرات المغربية وعبر وسائطها المختلفة، عرضت على بعض الضباط العمل لصالحها بطريقة سرية لا تتفطّن لها المخابرات الفرنسية ولا الجزائرية، من أجل تنفيذ مخطط من بين حيثياته تقديم المساعدات لضباط آخرين يودون الهروب من الخدمة، وأن المملكة مستعدة أن تفتح لهم ترابها ولو يغادروا عبر شبكات التهريب ومن دون جوازات سفر، كما يودون معرفة أسرار الاستثمارات الأجنبية في الجزائر، والعلاقات بين أجهزة الدولة وبعض المستثمرين العرب.
وأذكر أن السعيد مصالحة وهو مستثمر فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية، كان مدير عام الشركة الجزائرية التركية للحديد بعنّابة، فرّ من الجزائر بسبب التهرب الضريبي، قد تحدثت معه وأكّد لي أنه عندما تمّ توقيفه في الرباط تعرض لابتزاز من طرف المخابرات المغربية من أجل تجنيده، ولما تردد في الأمر سلموه للجزائر بسبب مذكرة توقيف دولية صدرت بحقه بتهمة التهرب الضريبي الذي تجاوز 170 مليار سنتيم. وبعد الاستئناف والإفراج عنه فرّ مجددا نحو الرباط وقد ساعدته المخابرات المغربية في تحويل الأموال التي أخذها معه من الجزائر، وبطريقة سهلة للغاية استطاع الدخول إلى “إسرائيل”، وعندما سألته عن سبب هذه الخدمة، أفادني من أنه دفع لهم رشاوى باهظة، إضافة لتزويدهم بما يريدون من معلومات عن الاستثمار في الجزائر، وأعطاهم بما يزعم أنه يعرفه عن شخصيات عسكرية وسياسية، كما وعدهم بالتعامل معهم نكاية في الجزائر طبعا. إلا أنه في أحاديث أخرى ظل يشير لي دوما: “لولا المغرب لقضيت عمري أسدد الضرائب في الجزائر أو يأكل السجن جلدي”.
المخابرات المغربية تستعمل الصحفيين كوسيلة ربط العلاقة مع هؤلاء ممن يقدمون شهاداتهم بغض النظر عن البهتان الذي تطفح به، إلا أن الإعلام المغربي يتلقف هؤلاء من أجل الترويج لهم وعبرهم تمرّر رسائل تتعلق بالصحراء الغربية وجبهة البوليزاريو.
باختصار شديد، فإن كل موظف في جهاز الأمن أو الجيش أو حتى مجرد شبه عسكري سيظل هدفا للمخابرات المغربية من أجل تنفيذ أعمال قذرة تجاه الجزائر، وبالتحالف مع أطراف أجنبية لا تزال تحلب في إناء ما ثبت بالدليل بطلانه وزيفه.
1 – توريط الجزائر في الإرهاب الدولي وإبعادها من أي دور إقليمي:
لقد سبق أن تحدثنا عن محاولات مغربية لتحويل الجزائر إلى بؤرة ساخنة للإرهاب الدولي على غرار أفغانستان والعراق واليمن، وصارت تلعب على حبال التشكيك في قدرات الأجهزة الأمنية الجزائرية في مواجهة الظاهرة سواء في الداخل أو في الخارج أو في منطقة الساحل والصحراء بصفة أخص.
وفي هذا السياق، نضرب مثلا بالأنباء التي تداولتها وسائل الإعلام في 14 جوان المنصرم، عن اتصالات تجري ما بين المدعو عبد المالك درودكال أمير ما يسمي نفسه “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي”، وتنظيم “بوكوحرام” أو ما يعرف بـ “طالبان نيجيريا” التي نشأت شمال نيجيريا عام 2002، وبوكوحرام تعني بلغة الهوسا “التعليم الغربي حرام”.
وقد تناقلت الصحف الجزائرية والمغربية والعربية ذلك من وكالة الأنباء الفرنسية التي نشرت نبأ عن هذه الاتصالات، ونقلا عمن وصفتهم بالخبراء قالت إن من بينهم “غربيون ومن الساحل الإفريقي”. واعتبرت وكالة الأنباء الفرنسية هذا الخبر سبقها الصحفي الكبير، وقد تغاضت أنني أول من كشف عن هذا الأمر في برنامج “العالم الإفريقي” الذي بثته قناة العالم الفضائية بتاريخ 21 / 09 / 2009 وتناولت الحلقة حينها “السباق الأمريكي الفرنسي للغرب الإفريقي” وقدمها الإعلامي الجزائري يحيى أبوزكريا.
قام لاحقا موقع “الجزائر تايمز” بتاريخ 31 / 08 / 2009 بنشر خبر عن الموضوع على أساس أنه حصري وتحصل عليه من مصدر مقرب من مركز للدراسات الاستراتيجية والعسكرية ببريطانيا، وبتوقيع اسم مستعار يدعى “سفيان. م” من باريس.
في تلك الأيام وقبل نشر الخبر في “الجزائر تايمز” تواصل معي الدكتور مكّاوي الذي سبق أن تحدثنا عنه، وأخبرني عن هذا الخبر الحصري الذي تلقاه من المصدر نفسه الذي نشره الموقع، وكان لا يعلم أنني أشرت لذلك في قناة “العالم” الفضائية، بل حوّل لي عبر “سكيب” محتوى الخبر كما ورده في برقية سرية ومن مصادر متعددة ورفيعة المستوى في بريطانيا، وعندما أردت معرفة المصدر من أجل الاطمئنان أشار ضمنيا إلى أن جهاز المخابرات المغربية يكون قد توصل بالمعلومة من الداخل الجزائري، ومن مصادر وصفها بالموثوقة.
برقية استخباراتية
ولكن عندما نشر في الموقع المذكور، كان النصف الأول كما وردني حرفيا من الدكتور مكّاوي، إلا أن محرره أضاف له جزءا آخر للتشكيك بقدرات الجزائر في القضاء على ما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” وأوعز هذه الشكوك لمصادر أوروبية مختصة في الشؤون الأمنية، وساق التقرير بعض الأسباب التي بررت هذا الادعاء، والغريب أنه ذهب إلى فرضية نسبها لأوروبيين وتتعلق بـ “اختراق التنظيم للأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية على مستوى القيادة والسيطرة ونظم الاتصال”.
بعدها اتصلت بصاحبي لأعرف هذه المعلومات الجديدة والخطيرة للغاية التي ذيلت بالبرقية الاستخباراتية التي أرسل لي محتواها فأقسم أنه لا علاقة له بما نشر، وأبدى لي تأكيده على مصدر آخر يكون قد سرب ذلك للموقع المشار إليه، ولم يستبعد إطلاقا أن يكون من المخابرات المغربية، بالرغم من أنه ظل يدافع عن جزائرية الموقع المزعومة.
مصادر موثوقة كشفت من أن بعض البنوك المغربية تسهّل عمليات تبييض الأموال ومنها يجري تحويلها للخارج نحو أرصدة أشخاص أغلبهم يعملون لصالح الجماعات الإرهابية في إطار شبكات تهريب الأسلحة والدعم الإعلامي.
للإشارة فإن الخبر المتعلق بسعي درودكال لخلق تحالف مع نيجيريا قد وصلني لاحقا من مصدر جزائري، وهو الذي تحدثت عنه في دراستي عن “نهاية القاعدة في الجزائر” والتي نشرت عبر عدة حلقات، وكانت الحلقة الأولى التي نشرت بتاريخ 24 / 01 / 2010، وعنوانها: (تحالف “قاعدة المغرب” و”طالبان نيجيريا” لتأمين مصالح واشنطن في إفريقيا)، ومما قلت فيها بالحرف الواحد: (وتشير بعض المصادر الأمنية إلى وجود ما يشبه التخطيط لأجل إنشاء تحالف سري يجمع “القاعدة” المغاربية مع تنظيم بوكوحرام أو ما يطلق عليه بـ “طالبان نيجيريا” مما يوسع دائرة الترهيب المفضي للخضوع المطلق ويؤمّن مصالح أمريكا النفطية في إفريقيا…).
مما تقدم نتأكد من أن ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية عن هذا التحالف هو في الأصل برقية من برقيات المخابرات المغربية، وأن رهان فرنسا على نفوذها في المنطقة من خلال بوابة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، يلعب فيه المغرب دورا رئيسيا، ولا يمكن تحقيق هذه الغاية مقابل دعم فرنسا لأطروحة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، إلا بإبعاد الجزائر من أي مقاربة في المنطقة، والتي تعني انه لا يراد أساسا القضاء على الإرهاب بل تغذيته من أجل الحفاظ على الوجود ووضع اليد على الثروات النفطية التي تعدّ الجزائر ونيجيريا من أبرز الدول المقصودة في هذا الشأن.
لعبة أموال مشبوهة خارج مجال التغطية
المال يلعب دورا فعالا في كل مناحي الحياة، وفي عالم الاستخبارات يعتبر من أبرز الوسائل المستعملة من أجل تنفيذ مهمات أو تجنيد عملاء أو إنجاح مخططات بمختلف أنواعها. نقول ذلك من دون أن نعود للماضي وما عرفه تاريخ المخابرات في العالم من ملفات تتعلق بالمال والاقتصاد، وطرق استعماله في الحروب التي أشعلت فتيلها الأجهزة وخاصة الكبرى منها، وحسب متابعاتي للمواجهات والصراعات والثورات التي عرفتها البشرية، كلها تقف وراءها المخابرات ولعب المال دورا رئيسيا في ثناياها.
تستعمل المخابرات المغربية وسائل متعددة للإيقاع بالعملاء أو السياسيين أو الصحفيين أو حتى الفنانين، فقد استعملت النساء والفضائح كوسائل للضغط من أجل العمل لصالحها، كما أنها أيضا تخصص أموالا طائلة ويوجد الكثير منها هو عبارة عن عائدات من الخيرات التي يجنيها المخزن من الصحراء الغربية، أو من خلال تبييض عائدات المخدرات التي يتورط فيها ساسة ومسؤولون بارزون، كما أن مصادر موثوقة كشفت من أن بعض البنوك المغربية تسهّل عمليات تبييض الأموال ومنها يجري تحويلها للخارج نحو أرصدة أشخاص أغلبهم يعملون لصالح الجماعات الإرهابية في إطار شبكات تهريب الأسلحة والدعم الإعلامي.
وفي الحرب السرية التي تشنّ منذ عقود على الجزائر، كان المال من أحد الأسلحة التي يشهرها المغرب، وفي سياق متابعتنا هذه نود كشف بعض الخفايا المتعلقة بتلك الثروات المشبوهة، ونبرز ذلك من خلال شواهد يمكن الاستناد عليها في تأكيد هذه اللعبة التي تحاك في الخفاء.
2- النشاطات ذات النزعة الانفصالية في الجزائر:
من أخطر ما يسهر عليه المخزن المغربي من خلال جهازه الاستخباراتي هو محاولات خلق نزعات انفصالية في الجزائر، وتموينها بطرق سرية لأجل زعزعة الوحدة الترابية واستقرار البلاد. وقد كشف لي مصدر مطلع وموثوق من أن المغرب يعمل من أجل إغراق الجزائر في هذه النزعات بطرق سرية تفاديا لإثارة نزعة على ترابه وخاصة ما يتعلق بمنطقة القبائل، فقد أشارت مصادر إعلامية مختلفة إلى أن حركة المغنّي فرحات مهنّي تتلقى دعما مغربيا، وهو الذي اعترف لي به المدعو رضا طوجني، حيث لما نشرت “الشروق” في 22 / 04 / 2010 من أن هذا الأخير ينقل أموالا طائلة للمطرب القبائلي المغمور، وصادف أن يوم نشر ذلك التقرير كنت في اكادير وأن أول من اخبرني عن المقال هو طوجني نفسه، ولكن الغريب أنه لم يكذّب ذلك، بل استشارني في رفع دعوى قضائية ضد الجريدة ومديرها السيد علي فضيل، وعندما سألته عن إمكانية ذلك، أكّد لي أنه يريد إحراج الجزائر فقط. ولما سألته عن حقيقة ما نشر، ضحك بسخرية وهو يرى أن المبلغ المذكور ليس هو الحقيقة، ورفض أن يذكر لي الرقم الصحيح.
من أخطر ما يسهر عليه المخزن المغربي من خلال جهازه الإستخباراتي هو محاولات خلق نزعات انفصالية في الجزائر، و تموينها بطرق سرية لأجل زعزعة الوحدة الترابية واستقرار البلاد.
من جهة أخرى فقد فاجأته بسؤال عن علاقته بفرحات مهنّي، فأكّد لي من أنه صديقه ويتواصل معه وتربطهما علاقات وطيدة، وأنهما يتشاوران في كل كبيرة وصغيرة. وقد اقترح عليّ أن أنظم إلى حكومته ما دمت أنحدر من أصول أمازيغية، بل وعدني إن قبلت أن أتقلّد منصب “وزارة” مهمة.
وهو الذي رفضته بحجة أنني لا يمكن أن أتآمر على وحدة الجزائر الترابية مهما كانت الظروف، فعقب قائلا وبالحرف الواحد: “الجزائر تساعد البوليزاريو وأحسن ردّ عليها هو تشجيع الانفصاليين في القبائل وكل الأماكن الأخرى من البلاد، حتى يشربوا من القدح نفسه”.
كان هدفي أن أكشف ما يفكّر فيه هذا الرجل، خاصة أنني كنت على يقين من علاقاته مع المخابرات المغربية، وهذا الذي أكّده لي لاحقا المنصوري رئيس الجهاز كما سبق أن أشرت. وقد كشف لي أنه يعمل كل ما في وسعه من أجل الوصول لكل من فيه ذرة من النزعة الانفصالية من أجل تجنيده وتموينه وتقديم له كل المساعدات.
ظهر حنقي الشديد وأعلمته أنني وحدوي ولا أشاطر أي جهة تشجع استهداف الوحدة الترابية لأي بلد عربي أو إسلامي، فراح يبرر أن ذلك سيكون وسيلة ضغط فقط من أجل أن ترفع الجزائر يدها عن البوليزاريو والذين سماهم “الانفصاليين المغاربة”.
طالع أيضا
الحلقة الأولى
مأزق البوليزاريو و تضليل الرأي العام
الحلقة الثانية
الأخبار الكاذبة والقصة الكاملة لمؤامرة ” الجزائر تايمز “
الحلقة الثالثة
فريق استخباراتي لمتابعة “الشروق أونلاين”
الحلقة الرابعة
الجهاز المخزني يعمل لإشعال “حرب أهلية” بين الصحراويين بمخيمات تندوف
الحلقة الخامسة
حقوق الإنسان في مزادات المخزن
الحلقة السادسة
وجها لوجه مع محمد ياسين المنصوري (رئيس جهاز الاستخبارات المخزنية)
الحلقة السابعة
رئيس استخبارات المخزن : جريدة ” الشروق ” تزعجنا
الحلقة الثامنة