اطمئنوا الدفتيريا تحت السيطرة ولابد من تعزيز التلقيح

أعقبت الأخبار المتداولة بخصوص تسجيل الجزائر 80 إصابة بالدفتيريا، من بينها 16 إصابة مؤكدة في المناطق الجنوبية الحدودية مع دول الساحل، حالة قلق وترقب في أوساط المواطنين، ورغم تطمينات وزارة الصحة بتحكمها في الوضعية وعدم تسجيل أي حالات جديدة منذ أيّام، إلاّ أن الخوف من العدوى لازال يسكن النفوس.
وأجمع المختصون الذين تحدثت إليهم “الشروق اليومي” أن التلقيح ضد الدفتيريا يشكل الوسيلة الوقائية الأولى ضد المرض، حيث دعوا جميع الأشخاص غير الملقحين أو المتأخرين عن التلقيح إلى استدراك الجرعات المتبقية على مستوى المراكز الصحية القريبة منهم.
خلية أزمة لمتابعة الوضعية الوبائية
وعقب تسجيل حالات الدفتيريا سارعت وزارة الصحة إلى تبني جملة من الإجراءات لتفادي انتشار المرض، أولها التكفل بجميع الحالات على مستوى الهياكل الصحية وإنشاء خلية أزمة لمتابعة الوضعية الوبائية وتعزيز المراقبة وكذا إجراء تحقيقات حول الحالات، مع توفير جميع الوسائل من أدوية وأمصال مضادة للدفتيريا ولقاح وأدوات أخذ العينات، وغيرها ووضعها تحت تصرف فرق العلاج أو التلقيح.
وأطلقت الوزارة حملات توعية وتلقيح واسعة تستهدف الأحياء الأكثر تضررا بالإضافة إلى تلقيح الأشخاص ذوي الصلة وقد شملت حملة التلقيح أكثر من 10.100 شخص. وطمأنت وزارة الصّحة أنّ “الوضع بات مستقرا في الوقت الحالي، حيث لم يتم تسجيل أي حالة منذ عدة أيام، لكن اليقظة تبقى مطلوبة”.
خياطي.. الجزائر سجلت آخر إصابة بالدفتيريا منذ 16 عاما
أكّد البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصّحة وتطوير البحث “فورام” أنّ الدفتيريا مرض يصيب الأطفال غير المطعمين بشكل أكبر، كما أنّه قد يصيب الأشخاص البالغين أيضا، لكن بعد إجبارية التلقيح بات الأمر نادرا جدا، غير أنّه في السنوات الأخيرة ظهرت بؤر له في أوساط المهاجرين غير الشرعيين أو الأشخاص المعدمين في مختلف دول العالم فعاود الظهور في دول أوروبية متقدمة في سويسرا وفرنسا وألمانيا وكندا.
وقال خياطي “أنّ برنامج التلقيح الذي تتبعه الجزائر ضد هذا المرض منذ عام 1969 سمح بتوفير مناعة لكل الأجيال المتعاقبة، فآخر إصابة في الجزائر تم تسجيلها في عام 2007”.
وتكمن خطورة المرض حسب المختص في البكتيريا المتسببة فيه التي تمس مباشرة الحنجرة واللوزتين وتفرز غشاء يمتد إلى داخل الحنجرة وقد يصل إلى البلعوم وهنا يكمن خطره الحقيقي، فقد يتسبب في اختناق للشخص المصاب ويؤدي إلى الوفاة اختناقا. وهذه ظاهرة تنتشر في 20-40 بالمائة من الحالات، ففي غالب الأحيان المصاب تكون له مناعة قليلة ويستطيع التخلص من الغشاء الذي يتشكل لديه بعد أسبوع أو أسبوعين.
ويكمن خطر المرض أيضا استنادا لرأي البروفيسور خياطي في إفراز مادة سامة تمس أغلب أعضاء الجسم مثل القلب والكلى والجهاز العصبي… وذكّر المتحدث بأن إمكانيات العلاج متوفرة من خلال مصل خاص ناجع وفعال والمضادات الحيوية، كما أنّ أغلب الحالات مستوردة وليست محلية وتسجلها كثير من الدول الأخرى.
وقال خياطي “الوضع غير مقلق كثيرا ولا داعي للهلع، ففي وجود التلقيح لا يوجد أي خطر، لذا يجب الالتفاف على التلقيحات واعتمادها كاملة لتجنب تلك المخاطر”.
ملهاق.. البكتيريا السامة خطر قاتل
بدوره أفاد الدكتور محمد ملهاق باحث في علم الفيروسات وأستاذ جامعي في علم الجراثيم سابقا أن الدفتيريا أو الخناق هي جرثومة وليست فيروسا يتسبب فيها البكتيريا الوتدية الخناقية وتمسّ الجهاز التنفسي العلوي أو الجلد.
ومن أهم الأعراض، ظهور غشاء رمادي يغطي الحلق واللّوزتين وانتفاخات في الغدد اللمفاوية، خاصة على مستوى الرقبة، كما يمكنها أن تؤثر على القلب وتحدث تشنجات عضلية بالإضافة إلى التهاب الحلق والحنجرة وكذا البحة في الصوت والحمى والشعور بالتعب. وتحدث العدوى عن طريق الاتصال المباشر مع المصاب أو ملامسة الأشياء الملوثة عن طريق الرذاذ أو العطس أو السعال.
وتمتد فترة حضانة البكتيريا حسب ما أفاد به الدكتور ملهاق من يومين إلى 6 أيام، حيث تنتج هذه البكتيريا سموما يتم علاجها بواسطة الأمصال المضادة للسموم والمضادات الحيوية، فكلما كان التشخيص مبكرا كلما كان التكفل سريعا، لأنّ سموم البكتيريا تزيد خطورة المرض.
وشدّد المختص على أهمية الوقاية من الإصابة بالدفتيريا من خلال الالتزام بالتلقيح الخاص بها المندرج في الرزنامة الوطنية للتلقيح الذي يقدم في شكل خمس جرعات متفرقة على فترات متقطعة، داعيا المواطنين والرعايا الأجانب الذين لم يتموا تلقيحاتهم إلى استدراك التأخير.
ولفت المختص الانتباه إلى ظاهرة خطيرة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى عدم تلقيح الأطفال، فلابد من الانتباه كثيرا لهذه المسألة، لأنّ الملقح حتى إذا أصيب فإنّه سيتجنّب المضاعفات، مستشهدا بالدفتيريا التي تعد أحد صور الخطر..
جنوحات.. اللقاح هو الحل الوحيد للوقاية من المرض
من جانبه، أفاد البروفيسور كمال جنوحات، رئيس الجمعية الجزائرية لعلم المناعة ورئيس المخابر المركزية بمستشفى رويبة أنّ المناعة المكتسبة عن طريق العدوى هي مناعة مؤقتة وغير دائمة وقد يصاب الشخص بالعدوى مرتين وثلاث وأربع عكس البوحمرون او “بوشوكة” الذي تكون العدوى مرة واحدة فقط ولهذا أغلبية الخبراء والأطباء يؤكدون أن اللقاح هو الحل الوحيد للوقاية من المرض.
وانتقد البروفيسور جنوحات الاستهانة بالتلقيح في جائحة كورونا وتردد بعض الأولياء الذين يتلاعبون بمصير أبنائهم، ما جعل نسبة التلقيح تتدحرج من 90 بالمائة إلى 70 بالمائة وهو ما يرفع خطر انتشار العدوى. وذكّر جنوحات بمجهودات الجزائر والتزامها الشديد بجدول التلقيحات وإجباريتها منذ سنوات طويلة واعتراف المنظمة العالمية للصحة بذلك.
وحذر جنوحات من مخاطر الإصابة بالدفتيريا والمادة السامة التي تفرزها في الجسم التي قد تتسبب في الإصابة بالسكتة القلبية أو الشلل أو الفشل الكلوي. وطمأن المختص بأن الوضعية إلى غاية الآن متحكم فيها، لكن نسبة التلقيحات الوطنية لا تبشر بالخير وعليه يجدد المختصون المطالبة بالالتفاف على التلقيحات واستدراك الحالات المتأخرة، فجميع المصابين في الجزائر غير ملقحين.
وثمن جنوحات التلقيحات السداسية التي اعتمدتها الجزائر في الآونة الأخيرة، داعيا إلى استدراك جميع التلقيحات على مستوى المراكز الصحية وتعزيز الحماية بعد سن السادسة مرة كل 10 سنوات عند الأشخاص البالغين.