اغتيال القدس

لم يكن في يوم من الأيام القدس أكثر عرضة للخطر الصهيوني كما هو عليه اليوم! كما أن القضية الفلسطينية، لم تكن يوما من الأيام أكثر عرضة لضرب عرض حائط “المبكى” بها، كما هي اليوم! السبب، هو الوضع العربي والإسلامي العام الناتج عن شيخوخته كنظام تقليدي هرم في الحكم بدون أن يترك أية فرصة للتجديد والتحفيز والبقاء على يقظة الشباب المتحفز دوما، طلبا للجديد ولبلوغ المقصد والأمل والطموح! انتهى طموح الجيل الأول من “زعماء” العرب والمسلمين، وجاء الجيل الثاني وهو تحت أقدام حكم لعسكر والاستبداد والطغيان، الذين فضلوا التعامل مع النظام العالمي كمكسب وكدعامة لشرعية اكتسبوها من دعم الغرب لهم، طالما هم يضمون له الاستقرار ولو عن طريق الظلم والقوة، وبالتالي ضمان مصالحهم في النفط وفي الخيرات الباطنية وفي الأسواق المفتوحة لبضائعهم!.
هذا هو واقع القدس وفلسطين وغزة اليوم! مهددون اليوم نحن حتى في وجودنا كأمة! فيما الكيان الصهيوني وخدامه في العالم، يعملون على الدفع نحو تخلي العرب عن قضيتهم، لتصبح القدس وفلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم! بل قضية الرئيس وحده! يتفاوضون معه في ركن وزاوية، لا يستطيع عنها حيادا! والنهاية، هي القبول بتسوية كيفما كانت ولو بهدم القدس وتفتيت الشعب الواحد والإبقاء على رقع جغرافية كالثوب المرقع لا واصل بينها ولا وشائج ولا تواصل ولا امتداد طبيعي! شعب لاجئ في بلاده تحت حكم وصاية تعمل تحت الوصي الأكبر: دولة إسرائيل اليهودية!
نمت على وقع ما يجري في فلسطين والقدس من انتهاكات ومحاولة تشتيت البصر عما يحدث كل يوم من تدنيس لبيت المقدس ومشاريع سرطانية استيطانية من أجل الحل النهائي المتمثل في قبول الأمر الواقع على حاله!، لأجد الأمر قد آل إلى ما لم أكن أتوقعه! المسلمون هم من تسلم حائط المبكي من اليهود، في إطار تبادل المرقعات في القدس الشرقية والغربية! اليهود أخذوا بيت المقدس وهدموه وبنوا مكانه ما يعرف بهيكل سليمان، فيما ترك للمسلمين حارة المغاربة وحائد المبكى! قيل لهم: أنتم تقولون أن محمدا قد ربط البراق هنا بجوار حائط المبكى قبل أن يسرى به إلى السماوات العلا؟ إذن، نحن نربطكم كالأحصنة وكالبغال إلى هذا الحائط، الذي هو حائطنا الذي كنا نبكي بجواره وأمامه، توبة عما فعلنا ونفعل كل يوم! اليوم “إنه لكم” أبكوا مثلنا وعوضا عنا، ما يكفيكم من البكاء! واشهقوا واندبوا حظكم أمامه وبجواره! أنتم لا ينفع معكم سوى البكاء! أبكوا كالنساء، لأنكم لو كنتم رجالا لما فرطتم في العير إضافة إلى ما أضعتموه في النفير! فلا أنتم نفرتم لا خفافا ولا ثقالا ولا جاهدتم، ولا أنتم تاجرتم ولا ربحتم المال والقوة! فأبكوا والطموا خدودكم حتى تنسلخ وجناتكم وحتى تترمد أعينكم. بالمقابل، قام اليهود ببناء هيكل زعم أنه بني على أنقاض هيكل سليمان الذي دمره الإمبراطور البابلي “نبوخند نصر” قبل أن يعيدوا بناءه من جديد تحت حكم الفرس الذين أعادوا الكرة وتغلبوا على البابليين. غير أن الإمبراطور الروماني “تيتوس”، سيقوم باحتلال فلسطين وتشتيت اليهود وتدمير، وللمرة الثانية والأخيرة، الهيكل الثاني. منذ ذلك الحين، لم تقم للهيكل قائمة. لقد أجروا الحفريات وزوروا حتى الآثار بطريقة علمية (اكتشفت من طرف البوليس قبل نحو 10 سنوات! وهذه حقيقة فعلية، يمكن الإطلاع على تفاصيلها على الإنترنت)، ولكنهم هذه المرة، ذهبوا مباشرة إلى الهدف: بيت المقدس هو الهدف! ولا بد من محو كل آثار المسلمين والمسيحيين في القدس وتهويدها بالمطلق لتصبح القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل اليهودية (معلوم، تاريخيا أن اليهود لم يتفاهموا ولم يتحدوا حول فكرة إقامة دولة لليهود! بل أكثر من ذلك، لم يتفاهموا حتى على كون “القدس” (أورشليم) هي عاصمة اليهود التاريخية! فلا تزال طائفة منهم في الشمال الفلسطيني، وبالذات في نابلس، ترفض فكرة إقامة دولة إسرائيل وعاصمتها القدس!..لهذا، فإن “يهوذا” التي هي المنطقة الجنوبية لفلسطين المحتلة ، انطلاقا من القدس باتجاه الجنوب، و”السامرة” التي تقع من القدس إلى الشمال، لا تزالا منطقيتين غير متحدتين في العرف اليهودي القديم! فلا يزال سكان “السامرة” في الشمال، يرون في نابلس عاصمة لهم وليس لدولتهم، لأن اليهود شعب وديانة وليس دولة وجنسية! فيما يهود الجنوب (يهوذا) يرون أن أرض الميعاد التي هي فلسطين بشمالها وجنوبها، هي أرض اليهود ودولتهم التي وعدهم الله إياها!).
اليهود، صاروا أكثر من ذلك يطالبون بيثرب القديمة، وبإرث بني النظير ونب قينقاع وخيبر! ووصلوا إلى استعادة كثير من الأملاك المزعومة لهم والتي أممها منهم “محمد” بدون وجه حق! والمحاكم الدولية فصلت لصالحهم!! ” القاضي هو الخصم والحكم!”. في الجزائر، استعاد اليهود كافة “حقوقهم” التي كانت لهم يوم دخول الفرنسيين! وهذا بعد أن صرنا دولة بلا شعب! الشعب، رحمة الله عليه! انتهى أجله وانقرض بكل أشكال الانقراض! فمنهم من مات بالغصة والألم، مما يحدث، والبعض بالرصاص والبعض بالمرض العضال والأوبئة الفتاكة التي حولتهم إلى بشر على أشكال “زامبي” يمشون غير آبهين ولا عارفين أين هم ولا إلى أين يتجهون! كل همهم الأكل والشرب! ولم كان لحم البشر ودمهم! يأكلون لحوم إخوتهم ميتين! هذا قبل أن يقضى على هذه الكائنات الشعبية الزامبية، بتدخل أجنبي واستئصال جماعي ضمانا لنجاة القلة الناجية! التي لا تزال في الحكم، ولا يتجاوز عددها ألف شخص!
عندما أفقت من نومي، وجدت نفسي لا زلت أتابع سلسلة “The walking dead ” (الموت المشاء” على قناة ناطقة بالألمانية تسمى قناة “إغتيال” (RTL)