اقتراح 2
يعيش العالم اليوم مرحلة غير مسبوقة لما يُعرَف بحرب العقول، أو تلك العمليات المُرَكَّبَة التي تشترك فيها أكثر من وسيلة وأداة وجهة للتأثير على عقل الإنسان وحالته النفسية والانفعالية، بما له من انعكاس على كافة مستويات الحياة، من السياسة إلى الاقتصاد إلى القيم والدين… تتحكم في هذه العمليات كبريات المؤسسات الإعلامية والدعائية والتعليمية العالمية التي تملكها لوبيهات محدودة العدد تُنفق عليها ملايير الدولارات وتربح منها عشرات الملايير إن لم يكن السيطرة على العالم.
اقتراحي الثاني هذا ونحن على أبواب دخول اجتماعي جديد، ومرحلة انتخابية جديدة، أن يتم تشكيل فريق من أهل الاختصاص لإصدار تقرير مفصل في هذا الجانب وتقديم رؤية محلية أو إقليمية على الأقل لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي تزداد تداعياته السلبية يوميا على حياتنا وبالأخص على الجيل الصاعد.
هناك أكثر من سلوك، إجرامي أو سياسي أو غير أخلاقي أو اقتصادي أو إداري، أو مرضي أو غير طبيعي بشكل عام يعود بالأساس للثغرات الكبيرة التي يعرفها مجتمعنا على جبهة الصراع النفسي.
لقد كان المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله من الأوائل الذين طرحوا مسألة الاهتمام بجبهة الصراع الفكري، مشيرا إلى أنها المدخل لاختراق كافة الجبهات بما فيها الأمنية، وأشرتُ بدوري لهذه المسألة في مقالات عدة جمعتها في كتاب تحت عنوان “على جبهة الصراع الفكري” صادر عن دار جسور، (انظر مثلا مقالي الصادر في الشروق بتاريخ 1 جانفي 2015 بعنوان: “رؤية استشرافية من أجل الجزائر: التلاعب بالعقول.. صفة الحرب القادمة”..)، وكلما مرت السنوات والأشهر إلا وتأكدَتْ لي أهمية هذه المسألة، وباتت تُعتبر بالنسبة لي أولوية ينبغي على السلطات إعطاءها ما تستحق من اهتمام.
ومعلوم أن لدينا كفاءات جزائرية في الداخل والخارج في مجال علم النفس بمختلف تخصصاته، ويبدو لي أنه علينا بقدر الاهتمام بالعلماء في المجالات الفيزيقية المختلفة، علينا التوقف لساعات أمام علماء النفس والتربية. ذلك أن كل الجهد التنموي الذي نبذل الآن، وكل ما نملك لتحقيقه قد يذهب لا قدر الله في أيام أو أسابيع نتيجة عملية تلاعب بالعقول تقوم بها هذه الجهة أو تلك لتخريب كل ما بنيناه.
ويبدو لي أن منصات التواصل الاجتماعي وكل ما يصل عبر انترنت، يعمل وبدون توقف، وبصفة متزايدة، في هذا الإطار، ونحن مَن سيدفع الثمن مضاعفا مستقبلا، أولا بشراء هذه الخدمات وثانيا بتمكين فاعلين خارجيين من تخريب عقول أبنائنا من خلالها.
بالطبع لا أدعو للانغلاق على العالم، لأن ذلك لم يَعُد ممكنا وإنما إلى مضاعفة العمل الوقائي المضاد لاستباق المضاعفات القادمة باعتبار أن ما يتم حاليا غير كاف، خاصة وقد بَدَتْ الكثير من الإشارات الحاملة للمستقبل التي تمس بالدرجة الأولى الفئات العمرية الشابة تزداد بمتتالية هندسية مما يدل على الصعوبات القادمة في العقود القادمة.
تُعَد هذه المسألة ذات أولوية قصوى من وجهة نظري تتساوى مع أولوية الحصول على الماء والغذاء، لأن تخريب المجال النفسي سيؤدي حتما إلى تخريب الأساس الذي يقوم عليه بناء الدولة بما في ذلك الروحي منه، مهما كانت المنشآت التي أقامتها أو القدرات التي امتلكتها. إن الاضطراب والتخريب الذي يمكن أن تحدثه حرب العقول يفوق بكثير ما تخلفه الزلازل والأعاصير ولا نستطيع التغلب عليه بأي من وسائل القوة التقليدية المعروفة…
لذلك لا بديل لدينا اليوم، بل الساعة، من إيلاء هذا الجانب الأهمية التي يستحق، ولِيتعاون في ذلك الجميع، علماء النفس، علماء الإعلام والاتصال، علماء الكمبيوتر والشبكات، علماء التربية… الخ، وكل من له صلة بهذه الحرب المتزايدة يوما بعد يوم…و”اللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”.