الأخضر الإبراهيمي يكتب في صحيفة نيويورك تايمز : ” ابدأوا بالتكلم مع حزب الله “
يا لها من مضيعة للوقت، ان يمر اكثر من ثلاثين يوماً قبل ان يتبنى مجلس الامن للامم المتحدة قراراً بوقف النار في لبنان. ثلاثون يوماً لم يتحقق خلالها شيء ايجابي وتحمّل ابرياء الكثير من الألم والمعاناة وألحقت بهم اضرار كبيرة.
بقلم الأخضر الابرهيمي (*)
خسائر كبيرة ومروّعة في ارواح مدنيين ابرياء. اما الدمار، ولا سيما في لبنان، فهائل. لقد استنكرت منظمات حقوق الانسان والامم المتحدة المحنة الانسانية وانتهاكات القانون الانساني الدولي.
غير ان الولايات المتحدة استخدمت كل نفوذها السياسي للحؤول دون وقف النار، في حين كانت ترسل مزيداً من الاعتدة الى الجيش الاسرائيلي. قيل انه يجب ان تستمر الحرب لاستئصال اسباب النزاع، ولكن لم يشرح احد كيف يمكن ان يتحقق ذلك من خلال تدمير لبنان. وما هي جذور هذه الاسباب؟ ما لا يصدق ان تعزى الاحداث الاخيرة في الغالب الى خطف ثلاثة جنود اسرائيليين فحسب. قلة يتحدثون عن آلاف الاسرى الفلسطينيين الذين تحتجزهم اسرائيل او الاسرى اللبنانيين الذين يحتجز بعضهم منذ اكثر من عشرين عاماً. وبالكاد يأتون على ذكر الاحتلال العسكري والظلم الذي يترتب عنه.
وبدل المساعدة في ما يعرف بالحرب الشاملة على الارهاب، افادت الاحداث الاخيرة اعداء السلام والحرية والديموقراطية. المنطقة تغلي استياءً وغضباً ويأساً، وهي مشاعر لا تقود الشبان العرب والفلسطينيين نحو ما يعرف بـ”الشرق الاوسط الجديد”. كما ان هذه السياسات لا تفيد اسرائيل. فحاجة اسرائيل الى الامن حقيقية ومشروعة، لكنها لا يمكن ان تلبى بطريقة مستدامة على حساب الحاجات والطموحات الحقيقية والمشروعة ايضاً لجيرانها. يمكن اسرائيل وجيرانها ان يتفاوضوا للتوصل الى تسوية مشرفة، ويعيشوا في سلام وانسجام. ولكن كما يحصل غالباً في النزاعات المعقدة، لا يستطيع الافرقاء ان يفعلوا ذلك بمفردهم. انهم يحتاجون الى مساعدة خارجية، لكنهم لا يحصلون عليها.ربما لا يزال الوقت مبكراً جداً لاستخلاص دروس من شهر الجنون هذا. ولكن من الواضح ان “حزب الله” سجل انتصاراً سياسياً واصبح قائده السيد حسن نصرالله الشخصية الاكثر شعبية في العالم الإسلامي. اما اسرائيل فيبدو انها لم تحقق اهدافها المعلنة. واذا استمرت هذه النزاعات، فمن الصعب ان يحل الاستقرار قريباً في المنطقة.
اذاً، ما الذي يمكن فعله؟
على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات عدة – بعضها ملموس وبعضها نظري – لمعالجة الازمة الحالية.
اولاً، يجب اعطاء الاولوية لضمان وحدة لبنان وسيادته وسلامته الاقليمية، والتطبيق الكامل لاتفاق الطائف الموقّع عام 1989، والذي ساعدت شخصياً في التوصل اليه باسم جامعة الدول العربية. وقد نص هذا الاتفاق خصوصاً على ان تحتكر الحكومة اللبنانية، كما هي الحال في كل الدول، حيازة الاسلحة واستخدام القوة.
ثانياً، يجب ان نتذكر ان “حزب الله” نشأ نتيجة الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. وقد تطوّر على غرار كل الحركات: كان في البداية ميليشيا وحركة مقاومة للاحتلال الاجنبي. ثم تحوّل حزباً سياسياً ومنظّمة اجتماعية على السواء يقدّم خدمات قيّمة الى طائفته الفقيرة.وبدل محاولة عزل “حزب الله”، يجب ان نشجعه على تأدية دور مسؤول في الديناميات الداخلية للبنان. في المقابل، يصبح من المشروع عندئذ ان نتوقع من الحزب ان يوافق على حق الدولة اللبنانية الحصري في حيازة الاسلحة واستخدام القوة.
ثالثاً، انها لمفارقة ان يُطلب من ايران وسوريا قطع علاقاتهما بـ”حزب الله”، بينما يُطلب منهما في الوقت نفسه استخدام تأثيرهما لحمله على الامتثال لقرار وقف النار. أليس اجدى ان نطلب من البلدين، وكذلك من كل الدول الاخرى في المنطقة، ان تحترم سيادة لبنان اشد الاحترام وتمتنع عن التدخل في شؤونه الداخلية؟
رابعاً، المساهمة الاهم التي تستطيع اسرائيل ان تقدمها للحصول على سلام دائم على حدودها الشمالية، هي سحب جنودها من كل الاراضي التي تحتلها الآن بما فيها مزارع شبعا.
اخيراً، يجب ايلاء انتباه عاجل ومستمر للمشكلة التي هي في اساس التوتر في الشرق الاوسط: المسألة الفلسطينية. هناك عدد كبير من القرارات الصادرة عن الامم المتحدة واتفاقات اخرى تشكل اساساً لحل عادل وقابل للاستمرار في الصراع في الشرق الاوسط.
ومن المقاربات الممكنة انشاء فريق وسطاء يفوّض اليه مجلس الامن ومؤتمر دولي (يضم جامعة الدول العربية) الاضطلاع بالمهمة الهائلة المتمثلة في اعادة احياء الاتفاقات الاكثر فاعلية بين الاتفاقات القائمة، ثم الحرص على وضعها موضع التنفيذ.
اذا نظرت الولايات المتحدة وبلدان اساسية اخرى الى هذا النزاع من منظار مختلف، يمكن ان تبرز فرصة حقيقية لاحلال السلام. وستكون هذه الطريقة الفضلى لاظهار احترام حقيقي وتعويض فعليّ للمعاناة التي انزلت بعدد كبير من الابرياء سنوات طويلة.
(*) مستشار خاص سابق للامين العام للامم المتحدة. وقد صدر هذا المقال امس في صفحة الرأي في “النيويورك تايمس”.