-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
خذلتها  الوصاية  فأحياها شباب "اليوتيوب"

الأغنية “الشاوية “… من بقار حدة إلى الجرموني

ليلى مصلوب
  • 9342
  • 8
الأغنية “الشاوية “… من بقار حدة إلى الجرموني
ح.م

مئات الأغاني القديمة التي يزيد عمرها عن قرن تقريبا، لم نكن نسمع منها سوى كلمات تردد هنا وهناك، لم يتمكن مغنوها وكاتبو كلماتها وملحنوها من تسجيلها لا في التلفزيون ولا في الإذاعة فباتت مشتتة ضائعة لا حقوق لها، الكثير منها استغله مطربون في الدول المجاورة فصنعوا منه فنا عريقا ونسبوه لأنفسهم، لأنه فن أهدر دمه في الجزائر وكان منبوذا لسنوات طويلة، رغم انه حافل بالمعاني القوية والسرد الذي يشير إلى مكامن الأحزان.

للآسف، أصوات لم نكن نعرف قيمتها إلا بعد رحيلها كعمالقة الفن الشاوي والأوراسي من بينهم بقار حدة 1920 – 2000 وعيسى الجرموني وعلي الخنشلي والشيخ بورقعة، هؤلاء الفنانين صنعوا تراثا كبيرا أهمل لسنوات طويلة إلى غاية الثورة الرقمية في العالم التي أعادت كل ما هو غابر، فظهرت تسجيلات نادرة وكلمات وأصوات تهز الأحاسيس نابعة من وحي مجتمع مزقته الآلام، وطحنته التقاليد، يلقي بها الشباب في قنوات اليوتيوب حاصدين ملايين المشاهدات، وتجاوبا كبيرا في التعليقات من طرف شباب أبهرتهم الأصوات القديمة والغناء البدوي و”الفلكلور الشاوي”.

فرغم صعوبة فهم الكلمات والألحان، إلا أن الشباب يقومون بتدوين الأغاني وشرح مفرداتها والظروف التي كتبت فيها، كأنها فصل من فصول تاريخ الجزائر.

روائع بقار حدة تحصد المشاهدات

أعاد بعض الشباب والمغنين في الأعراس كلمات الأغاني القديمة لبقار حدة والجرموني وبورقعة، فربحوا أموالا طائلة من ورائها، بينما أصحابها الحقيقيون عاشوا ورحلوا في صمت وفي فقر مادي ومعنوي…

بعد الثورة التكنولوجية والرقمية عادت التسجيلات الأصلية  النادرة إلى الظهور، عبر قنوات اليوتيوب من طرف شباب الجيل الجديد، وحققت نجاحا باهرا تخطىت مشاهدتها عتبة المليونين لكل أغنية، وتفاعلا مع هذا التراث النادر بتعليقات جياشة مشحونة بالعاطفة، تحسرا على الزمن الجميل الذي لم نحتفظ به عن طريق الوصاية التي كان من مهامها حماية التراث الجزائري بكل مناطقه دون تمييز…

على خلاف الفن البدوي والأغنية القديمة من مختلف ربوع الوطن، حوصرت الأغنية الشاوية بقصد أو بغير قصد، فلا نجد الكثير من التسجيلات سواء في الإذاعة أو التلفزيون، ونتكلم هنا حتى على أيقونتي الأغنية الشاوية عيسى الجرموني وبقار حدة اللذان صدحا بالأغنية الجزائرية خارج الحدود وبلغا بها  مشارف أوروبا قبل نصف قرن من الزمن.

رائعة “دمعت عيني”، “ردوني لبويا”، “فرخ لحمام”، “يا شايب روح تروح”، “ريض ما تمشيش”، “بير حمودة”، “تران الرابعة”، “سحاب اللي ركب” ، “طيري لخضر”، “روحت غريبة” ” الصبحة”، “جبل بوخضرة”، “هزي عيونك”، وغيرها من روائع الفن الشاوي الذي هو في الأصل عبارة عن سرد واقعة تاريخية، أحداث اجتماعية، أو قصة حقيقية حولت إلى كلمات يحفظها الكبير والصغير ورددتها الأجيال، كما استغلها الشباب في الغناء مع تغيير بعض الكلمات وصنعوا بها نجاحا كبيرا من بينهم الشابة يمينة التي أعادت تقريبا كل تراث المرحومة بقار حدة وعيسى الجرموني بتوزيع موسيقي جديد، حول  الأغنية الدامية الحزينة إلى أنغام للرقص في الأعراس…

الكلمات “المتمردة”…

إلى جانب الأغاني الثورية التي كانت تشحذ همم الثوار مثل أغنية “خويا الجندي”، “جبل بوخضرة”، “الطيارة الصفراء”… حملت الأغنية الشاوية القديمة الكثير من كلمات الغزل الجريئة أو “الماجنة” إن صح التعبير والمتمردة على الأعراف والتقاليد مما جعل بعض الغناء منبوذا من طرف المجتمع، لكن مع مرور الزمن تصالحت الأجيال وعاد الشباب بقوة إلى سماع هذه الموسيقى، بدليل آلاف الفيديوهات والتسجيلات لشيخات “أبدعن” في التمرد على المجتمع بالغناء والرقص.

كوثر بلعليا المكلفة بالإعلام بالديوان الوطني لحقوق المؤلف:

لم نستطع حفظ أغاني بقار حدة وعيسى الجرموني لغياب التسجيلات وندرتها 

“مهمتنا حفظ التراث وليس لدينا أي تحفظ على الكلمات”

عندما بحثنا في المصنفات الموسيقية الجزائرية في أرشيف ومكتبات ديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وجدنا آلاف الأغاني ومئات الألحان المحفوظة سواء من طرف المطربين أو عائلاتهم أو من طرف الديوان كإرث وطني، وسألنا المكلفة بالإعلام لدى المديرية العامة السيدة كوثر بلعليا عن الأغنية الأوراسية والشاوية فأكدت أن الديوان عمل لمدة سنوات على حفظ المصنفات الموسيقية من التراث، ودعا الشباب إلى استغلاله عن طريق رخص لإعادة احيائه، وأكدت على الصعوبات والعراقيل التي واجهها ديوان حقوق المؤلف في جمع الروائع النادرة للمغنية الجزائرية بقار حدة وعيسى الجرموني وغيرهما من الجيل القديم بسبب غياب التسجيلات.

فالمجموعة الوحيدة التي قام الديوان بجمعها تضم ثلاثا وعشرين قصيدة تداول على غنائها الكثير من المغنيين منهم عبد الحميد بوزاهر، محمد واعمر، محمد الأوراسي، علي الخنشلي الذي اشتهر بطابعه الغنائي “الركروكي” الذي يمزج بين الغزل والمديح.

وعن أسباب تهميش الغناء الشاوي القديم وحظره بسبب جرأة الكلمات واعتماده على مصطلحات تحمل وتعبر عن نوع من الحرية والتمرد، قالت السيدة بلعاليا أن الديوان ليس لديه تحفظ على كلمات الأغاني، وأن أي فنان يتقدم بملف حفظ أغانيه، سيحمي الديوان حقوقه المادية طيلة حياته و50 سنة بعد موته، تستفيد العائلة من كل مداخيل الأغاني قبل أن تعود إلى الملك العام.

ويعترف ديوان حقوق المؤلف في أبحاثه على أن أربعة عمالقة الأغنية الشاوية وهم علي الخنشلي وعيسى الجرموني الحركاتي 1886-1946 والشيخ بورقعة 1903- 1990 وعميدة الطرب البدوي بقار حدة التي ماتت متسولة في شوارع مدينة عنابة، عاشوا حياة التهميش رغم تخليدهم الأغنية الجزائرية، وبصمتهم التي بقيت إلى يومنا هذا.

التراث المشترك حال دون حماية الأغاني الجزائرية النادرة

تقول السيدة كوثر بلعليا أن اغلب الأغاني القديمة خاضعة للتراث المشترك، حيث تحمل أمثالا شعبية وحكما، وقصائد لا نستطيع نسبها لأي دولة حتى بعد عرضها على اللجان المختصة التي تحدد ملكيتها، وقد دافع الديوان على الكثير من المصنفات التي تعرضت للسرقة الأدبية من خلال القضاء وكسب الكثير من المعارك في استعادة الأغاني الجزائرية مع التعويض المادي والمعنوي عن الضرر.

فعشرات الأغاني النادرة تقاسمها الجزائريون مع التونسيين أو المغاربة مثل أغنية “هز عيونك راهم شافو فيا” التي غنتها بقار حدة، وينسبها التونسيون لتراثهم، وذلك لتداخل الأنساب على الحدود الجزائرية الشرقية مع تونس والجنوبية الشرقية مع ليبيا والمصاهرة، وبالتالي يصعب نسب اي أغنية خاضعة للتراث المشترك.

يذكر أن العديد من الباحثين والموسيقيين المشهورين على غرار الموسيقار المجري “بيلا بارتوك” اهتموا بالموسيقى والأغاني “الشاوية” القديمة التي يقولون عنها أنها موسيقى تعبر عن الحرية ولا نجدها إلا في موسيقى الجاز.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • .......هو.....

    هذيك اعلاه ماتغنيش ؟ اعجبني استيلو هذاك

  • مغني في إطار تشغيل الشباب

    فريد الأطرش ( تطلع للسماء أطلعلك ) عبد الحليم حافظ ( رسالة تحت الماء ) أم كلتوم ( طال غيابك ياحبيبي ) والفنانين الجزائريين يوجهونهم للإنشاد الديني مثل ( هذاك جلال بوشاشية )

  • أبو بكر الحبشي

    كان معطوب البشير والفنانه صليحة وقت إشرافهما على حصة ألحان وشباب يشترطان على المشترك تقليد الفنانين المشرقيين والمصريين على الخصوص ( سمعت صليحة بأذني وأنا طفلا في أحد الحصص وهي تطرد احد المشاركين الذي حاول تقليد مغني جزائري قائلة له ألم انبهكم أن الشرط رقم واحد في الحصة هو تقليد الفانيين الكبار المصريين و...) يمكن مراجعة اللأشرطة . نفس الشيء تم تعميمة في كل شيء وفي جميع الميادين حتى في الزواج ( أعتقد أن فرنسا لم تفعل ذلك والله اعلم )

  • أوراسي

    رغم أن عيسى جرموني العظيم ( على سبيل المثال) عليه ألف رحمة لا يقارن بكل فناني المشرق العربي إلا أن سياسة الأستعمار الفكري والتدمير الثقافي المتبعة من العصابة الحاكمة بعد 1962عملت في إطار محو كل ماهو جزائري أصيل والذي لم تتمكن حتى فرنسا الأستعمارية من محوه وتمكنت بكل جهل وحقد . لقد شجعت كل التوافه من أشباه الفنانين المشرقيين في مختلف الميادين على حساب الفن الجزائري الأصيل .

  • نقاوسي

    تقول الأخت الصحفية ( فن أهدر دمه في الجزائر وكان منبوذا لسنوات طويلة ) الأستعمار الحقيقي الخطير الذي أستهدف مقومات الأمة الجزائرية بطمس ومحو الثقافة وتاريخ الجزائر ، بدأ بعد سنة 1962 وهو التاريخ الذي فتح فيه المجال لكل ماهو تافه وغير جزائري . كل الشكر والتقدير للأستاذة ليلى ( لايفكر في الأصالة سوى الشريف الأصيل )

  • ساسي جاري

    الفضل الكبير للمرحوم هارون الحوزي اليهودي الذي حفظ لنا اغاني عيسي الجرموني من الضياع وقام بتسجيله بفرنسا -اول جزائري وافريقي وامازيغي يدخل اوبرا باريس ويغني بها عام 1930م- بنادي وردة فون

    الف شكر له

  • كمال

    الاغنية الشاوية حوصرت عن قصد عن قصد عن قصد ممن كانو يتحكمون في جهاز الاعلام بعد الاستقلال و اعطيت الفرصة لمغنيي جهة واحدة لتخليد فنهم. بقار حدة ماتت تطلب في بلاص دارم لليوم قليل وين يذكروها في التلفزيون. و تلقى فنان من الجهة المعروفة نهار يموت تتقلب عليه الدنيا و يقعدو 10 يام برسائل العزاء من فلا و فلتان و حصص تكريمية و هدايا لولادو. منافقين يتفكرو الاغنية الشاوية سوى نهار يديرو روبورتاج حول الفلاحة ولا الريف بصفة عامة من مناطق الداخل يحطو اغنية تاع قصبة و بندير بمعنى ياسكان الارياف رمز تخلفكم هو القصبة و البندير. نهار يخرج التلفزيون من العاصمة كل جهة تدي حقها.

  • Auressien

    باستثناء المالوف كل طبوع الغناء بالشرق الجزائري هي أصلا شاوية . لعيسى أوجرمون عدة مقاطع أفلام من حفلاته بأرشيف الإذاعة و التلفزة الوطنية ، سجلها له المعمرين . كل أرشيفات الفنانين العاصميين القدمى تبث و لا أثر لأي من حفلاته ,