-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مختصون يدعون إلى تبسيط التعليم واستعمال الوسائل الحسية

الأولى ابتدائي.. تلاميذ لا يستوعبون!

مريم زكري
  • 3008
  • 1
الأولى ابتدائي.. تلاميذ لا يستوعبون!
ح.م

تعتبر المرحلة التحضيرية والسنة الأولى ابتدائي البوابة الأولى التي يدخل من خلالها الأطفال إلى عالم المعرفة والتعلم، كما أنها تعتبر محطة أساسية لتشكيل شخصياتهم وبناء أسس مستقبلهم التعليمي، ورغم أهميتها البالغة، إلا أن هذه المرحلة تواجه تحديات شبه معقدة في السنوات الأخيرة، أبرزها غياب التعميم الشامل للتعليم التحضيري، وإسناد بعض المعلمين مهمة شرح وفهم الدروس للأولياء، الأمر الذي خلق فجوة واضحة في تكافؤ الفرص بين التلاميذ وأثر على مستوياتهم، ما جعل أساتذة يستقبلون أوراق امتحانات دون إجابات، بسبب عدم استيعاب التلاميذ، الذين يطالبون بكتابة جمل كاملة وهم لا يتقنون الحروف..

تتنوع طرق التعليم الحالية بين الأنشطة التفاعلية التي تعتمد في أقسام التحضيري، مثل اللعب والوسائل الحسية لتعزيز مهارات الأطفال، وبين التوجهات البيداغوجية في السنة الأولى التي تركز على تعليم الحروف والأرقام، وربط الجمل وتعلم المحادثة الشفهية والتعبير، هي ما يحتاجه التلميذ في مرحلته التعليمية الأولى لكن ارتفاع عدد التلاميذ في الأقسام بعدد من المؤسسات التعليمية، ونقص الخبرة لدى بعض المعلمين، قد يدفع الجهات الوصية مستقبلا إلى البحث عن طرق للقيام بإصلاحات جذرية، وتفادي النتائج النفسية التي تظهر على الطفل لاحقا، حيث يرى خبراء ومختصون في مجال التربية بأن تحسين التعليم في هذه المرحلة الحساسة من مسار التلميذ، يتطلب استراتيجية متكاملة تعتمد على تهيئة بيئة تعليمية تدعم الطفل باستغلال قدراته الحسيّة وأنشطة يدوية لتطوير مهاراتها، وذلك من خلال تأهيل الكوادر التربوية وتكوين أساتذة مؤهلين، وكذا الاعتماد على منهج التدرج والتنوع، لتغرس في الطفل حب التعلم وتضعه على مسار النجاح الأكاديمي.

تلاميذ لا يستوعبون وأساتذة يشتكون
اقتربت الشروق من بعض أساتذة أقسام الأولى ابتدائي، الذين أجمعوا على أن المناهج الحالية لا تراعي خصوصية استيعاب المرحلة السنية للمتمدرسين، حيث أكدت أستاذة، أنها استقبلت تلاميذ لا يعرفون شيئا على غرار الحروف والأرقام والألوان.. رغم دراستهم للأقسام التحضيرية، ووجدت نفسها أمام متمدرسين يجهلون حتى إمساك القلم، في حين يطالبهم المنهاج في هذه السن بكتابة جمل وقراءة عبارات وحفظ أناشيد وقرآن.. وهو ما يعجزن عنه، “لدرجة أن كثيرا من إجابات التلاميذ تأتي فارغة في أوراق الاختبارات، حيث تحصل بعضهم على علامات سيئة جدا على غرار 1 من 10 وهو ما يسبب عقدا لدى هؤلاء التلاميذ”.
وأكدت أستاذة أخرى أن منهاج السنة الأولى يتعامل ما الوافدين الجدد بصفتهم يتقنون تركيب الحروف والأرقام وكتابة جمل وكلمات، وهو ما تعلموه في الأقسام التحضيرية، “غير أن التلاميذ الذين لم يدرسوا التحضيرية يدخلون المدرسة لا يتقنون شيئا، وهو ما يصعب عملية التعلم في أقسام يزيد عددها عن 40 متمدرسا، ما يجعل الأستاذ عاجزا عن تدريس كل تلميذ على حدة، وهو ما يتطلب مساعدة من طرف الأولياء ومراجعة للمناهج الحالية التي تتطلب الكثير من التبسيط..”.

عشرات الأطفال يتلقون علاجا نفسيا بسبب صعوبة في التعلم
لم يكن الطفل “شاهين” محظوظا كباقي أقرانه، إذ لم يلتحق بالروضة أو القسم التحضيري، ليدخل مباشرة إلى قسم السنة الأولى دون أن يمتلك أساسيات التعلّم، ومع أولى محاولاته للإمساك بالقلم لدى التحاقه بالقسم، ظهرت لديه صعوبات كبيرة في الكتابة وإدراك الحروف والأرقام وحتى معرفة الفرق بينهما، الأمر الذي أثار انتباه معلمته ودفعها للبحث عن مخرج لتحسن وضعه دون جدوى.
وضعت المعلمة التلميذ “شاهين” في آخر الصف، وقررت التواصل مع عائلته لتخبرهم أن حالته تتطلب دعما خاصا من المنزل، حيث أوضحت لوالدته أنه يفتقر إلى القواعد الأساسية للتعلم، ما يجعل من تدريسه وتحسين مستواه الدراسي أمرا صعبا مع مرور الوقت.
تكرر تواصل المعلمة مع الأم، محذّرة من ضعف مستوى ابنها، ما دفع الأخيرة للإسراع في إجراء فحوصات طبية ونفسية للتأكد من قدرات ابنها في الاستيعاب والتعلم، غير أن النتائج الطبية والفحوصات التي أجريت على شاهين أظهرت أن الطفل يفتقر فقط إلى الأسس التعليمية التي تبنى عليها مهاراته في التعلّم، ولم يكن يعاني من صعوبة الاستيعاب كما قالت معلمته، وهو الخطأ الذي وقعت فيه الأخيرة بالحكم على أدائه دون توفير التلقين المناسب.
حالة شاهين ليست الوحيدة في الجزائر، بل غيره عشرات الحالات التي تستقبلها العيادات النفسية والأرطفونية يوميا، وهو ما كشفه المختص في علم النفس التربوي والعيادي، حسام زرمان، لـ”الشروق” عن وضع شاهين الذي كان شاهدا على حالته، وكذا استنادا لعدد من التجارب التي عاشها أولياء قصدوا عيادته وحتى عيادات أخرى، لإجراء فحوصات نفسية لأطفالهم، بسبب مشاكل في المستوى الدراسي، قبل تجاوز مرحلة السنة الأولى ابتدائي، حيث سلّط المتحدث من خلال ذلك الضوء على أهمية توفير بيئة تعليمية تمهيدية، قبل دخول الطفل إلى المدرسة أو على الأقل تجنب تلقينه كما هائلا من المعلومات دفعة واحدة، قائلا إن البرامج التعليمية الحديثة الموجهة لتلاميذ السنة الأولى تعاني من مشكلات في التنفيذ قد تؤثر على المسار الدراسي للطفل مستقبلا، حيث تعتمد بشكل أساسي على أداء الطفل منذ البداية دون مراعاة الجوانب الإنمائية الضرورية كالإدراك، الانتباه، الذاكرة، والتنسيق بين العين واليد.

أطفال في مواجهة صعوبة المناهج
وحذّر الدكتور حسام زرمان، من التأثيرات السلبية للطرق الحديثة المعتمدة في تدريس تلاميذ السنة الأولى، مشيرا إلى أن هذه البرامج تهمل جوانب مهمة في بداية الحياة الدراسية، حيث يجب أن يتعلم الطفل معنى الكلمات والأحرف تدريجيا وأن يتدرب على استخدامها، لكن البرامج الحالية- بحسب زرمان- تشرع مباشرة في تكليف الطفل بكتابة الحروف والجمل دون أي تدرج، ما يسبب أزمة كبيرة تؤدي إلى نتائج متذبذبة لاحقا.
وأوضح الدكتور أن الدراسات التي أجرتها العيادات النفسية على مدى سنوات لرصد أثر البرامج الحديثة، كشفت عن ارتفاع معدلات صعوبة التعلم بين التلاميذ، ومعاناة أغلبهم من مشكلات في التنسيق الحركي، كطريقة مسك القلم، وصعوبة إدراك الأحرف وغيرها، كما كشف المتحدث عن تسجيل شكاوى عديدة من قبل أولياء الأمور على مستوى العيادات النفسية، حيث اتضح بعد إجراء الاختبارات أن الطفل يمتلك قدرات إنمائية جيدة، ولكن تظهر عليه مشكلات أكاديمية بسبب سوء تصميم المناهج.

تفاوت مستويات التلاميذ وترك مسؤولية تعليمهم للأولياء
من جهة أخرى، أشار زرمان إلى أن بعض الأساتذة يعتمدون في إلقاء دروسهم على تلاميذ ممن لديهم خلفية تعليمية جيدة، مثل أولئك الذين حضروا مرحلة التحضيري أو الروضة، لإكمال الدرس رفقتهم، بينما يعاني باقي التلاميذ من صعوبات كبيرة، وإهمال التلاميذ الضعفاء وترك مسؤولية تعليمهم للأولياء، قائلا إنه يتم الحكم مباشرة عليهم، خلال فترة قصيرة، لا تتجاوز 20 يوما، وهو خطأ كبير على حد قوله، مضيفا أن الطفل في حاجة إلى مدة تصل إلى ثلاثة أشهر، للتأقلم مع بيئة الدراسة وفهم القواعد الأساسية للتعلم.
وأكد المتحدث أن الضغط الكبير على الأطفال لإجبارهم على تعلم كميات كبيرة من المعلومات دون مراعاة لقدراتهم الذهنية قد يؤدي إلى رفضهم لفكرة التعلم تماما، وهو ما تم الوقوف عليها ويخص الأمر حالات كثيرة لتلاميذ رفضوا الذهاب إلى المدرسة، بسبب هذه البرامج، مشددا على أهمية مراجعة المناهج التعليمية لتراعي الفروق الفردية بين التلاميذ واستخدام مقاييس علمية لتحديد قدراتهم قبل تصنيفهم، لضمان تحقيق النتائج المرجوة دون التأثير سلبا على الأطفال أو أوليائهم.

تحبيب المدرسة إلى الطفل عن طريق اللعب والأنشطة اليدوية
من جهته، يرى رئيس نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، صادق دزيري، في حديثه لـ “الشروق”، بأن التعليم التحضيري في الجزائر لا يزال يعاني من تحديات كبيرة، أبرزها عدم تعميمه في جميع المناطق، ما يسبب غيابا واضحا في التوزيع العادل للفرص بين التلاميذ، في بداية مشوارهم الدراسي، وأكد أن هذا الوضع يؤثر سلبا على تحقيق العدالة التعليمية، مشددا على أهمية اعتبار التلميذ في السنة الأولى كوافد جديد إلى المدرسة يحتاج إلى رعاية شاملة لضمان اندماجه التدريجي في البيئة المدرسية.
وأوضح دزيري أن التعليم في السنوات الأولى يتطلب مقاربة تقوم على التدرج في تقديم الأنشطة التعليمية، كما يجب أن تشمل البداية تعليم الطفل مسك القلم بشكل صحيح، والتعامل معه تدريجيا لتعزيز مهاراته اللغوية عبر المحادثات الشفهية عن طريق الصورة، التي تعزز ارتباطه بلغته الأم، وأضاف أن العملية التعليمية ينبغي أن تبدأ عبر اللعب لتسهيل إدماج الطفل، قبل الانتقال إلى تعليم الحروف والأعداد، باستخدام مواد محسوسة مثل الخشيبات أو أشياء يومية، يمكنه التعرف عليها كالحلوى والتفاح، ما يساعد على تثبيت المعلومات في ذهن التلاميذ بأسلوب عملي ومباشر.

تفاوت في مستوى التلاميذ وأساتذة في ورطة تحت الضغط
وفي السياق ذاته، أشار محدثنا إلى ضرورة الانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخرى، بطريقة فردية، تراعي الفروق بين التلاميذ، وفي ما يتعلق بالتقييم، أكد صادق دزيري على أهمية إجراء تقويم بسيط في نهاية الثلاثي الثالث يركز على الأنشطة والمهارات المكتسبة، بدلا من الامتحانات التقليدية، لضمان تقييم مستدام ومناسب لقدرات الأطفال.
وتطرق رئيس نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين إلى مشكلات التعليم التي يواجهها الأساتذة الجدد، مشيرا إلى أن مطالبة الأولياء بتدريس أبنائهم في المنزل تعكس خللا في تكوين هؤلاء الأساتذة، وأوضح أن الجهود يجب أن تركز على مرافقة المعلمين الجدد من قبل المفتشين والمعلمين القدامى، لتحسين كفاءتهم ومساعدتهم على أداء واجباتهم التعليمية بشكل أفضل.
وشدد المتحدث على أهمية تقليص عدد التلاميذ في الأقسام الأولى، لضمان تقديم تعليم فردي لكل تلميذ، مشيرا إلى أن التفاوت في المستوى بين التلاميذ يشكل تحديا كبيرا، قد يؤدي إلى إصابة بعض الأطفال بالانطواء، مؤكدا أن دور الأستاذ في هذه المرحلة يتمثل في الكشف عن مهارات التلاميذ والعمل على تطويرها وفقا لقدراتهم الفردية، تدريجيا، مؤكدا على أن تطوير التعليم التحضيري في الجزائر يتطلب إصلاحات عميقة تعزز العدالة التعليمية، وتضع التلميذ في صلب العملية التربوية، باعتباره محور النظام التعليمي وأساس مستقبله.

مراجعة البرامج التربوية بما يراعي احتياجات التلاميذ
ومن جهته، أكد الأمين العام الوطني للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين “ساتاف”، بوعلام عمورة، على أهمية تعزيز المنظومة التربوية في الجزائر، بما يضمن التساوي في الفرص بين جميع الأطفال، وفق ما ينص عليه قانون التوجيه المدرسي 08/04.
وأوضح عمورة أن النقابة طالبت، منذ سنوات، بضرورة تطوير التعليم التحضيري، ليشمل جميع الأطفال، باعتباره الخطوة الأساسية لتعزيز قدراتهم وتوفير أرضية تعليمية متساوية للجميع.
وأشار المتحدث إلى أن المدرسة الجزائرية تمتلك تاريخا أصيلا وإمكانات كبيرة لتطوير أدائها، معربا عن ثقته في قدرة القطاع على تجاوز التحديات الحالية، ودعا إلى تكريس الجهود، لتحسين ظروف التعليم، خاصة من خلال دعم الأساتذة وتوفير التكوين اللازم لهم لضمان نوعية التدريس وتعزيز العلاقة بين المدرسة وأولياء التلاميذ بشكل إيجابي.
وأضاف أن البرامج التربوية تحتاج إلى مراجعة دقيقة، بما يراعي احتياجات التلاميذ في مختلف المراحل، خاصة في السنوات الأولى، حيث يجب التركيز على تمكين التلاميذ من مهارات القراءة والكتابة الأساسية، كما شدد على أهمية تحديث طرق التدريس بالعودة إلى الأساليب التي أثبتت نجاحها سابقا، وشدد عمورة على أن النقابة ستواصل دعمها لجهود إصلاح التعليم، من خلال تقديم اقتراحات بناءة، تضمن مستقبلا أفضل للمنظومة التربوية في الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • adrari

    كيف لتلميذ التحضيري ان يتم ضربه بالكف من قبل استاذ كف يده يفوق وجه الصبي حجما ثم يبقى لهذا الصبي حب الدراسة ...............