-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإجهاض “حلال” والنسل “حرام” في الجزائر!

الإجهاض “حلال” والنسل “حرام” في الجزائر!

عندما تعجز السلطة في العالم الثالث عن القيام بمسؤولياتها الاقتصاديّة والاجتماعية تجاه مواطنيها، فإنها تلجأ إلى كل الإجراءات والسياسات التي قد تمنحها فرصة إضافية للاستمرار في إدارة الشأن العام، ولو على حساب حقوق الأجيال ورهن مستقبلها، ضمن خيارات حكوميّة غير محسوبة العواقب!

نخشى في الجزائر أن تُفضي “حلول” الأزمة الترقيعيّة بالشعب والدولة إلى حافّة الشيخوخة بعد عقود قليلة من الآن، ذلك ما تثيره مخاوف مشروع قانون الصحّة المطروح للنقاش تحت قبة البرلمان هذه الأيام، حيث آلت برامج الحكومات المتعاقبة إلى الفشل في تحقيق تطلعات الشعب، لأسباب ليس هنا مجال الخوض والتفصيل فيها، ففكّرت ثم قدّرت أنّ الحلّ السحري يكمن في تحديد النسل!

مبرّرات الحكومة في إجبار الجزائريين على تسقيف الإنجاب، لا تنطلق فقط من الدوافع الصحيّة المرتبطة بحماية الأمومة والطفولة، مثلما يحاول مشرّع القانون الإيحاء بذلك، لأنّ الوزير الأول سبق أنْ أعلنها أمام نواب البرلمان خلال عرض مخطط عمل حكومته قبل شهر، أنّ النمو الديمغرافي في بلادنا من مُعيقات التنمية والتكفل الأمثل بحاجيات السكان، مشدّدا على ضرورة تنظيم النسل!

للأسف، نظرة الحكومة مُجانبة للصواب، ولا تعكس الواقع أيضًا، بل تشي بقصور بالغ في التدبير والتسيير، ذلك أنّ فكرة “التحكم في النمو السكاني”، كأحد شروط التنمية، نظريّة قديمة من وحي الرأسماليّة الاستغلاليّة، حاولت بواسطتها فرض منطقها وثقافتها على بلدان في “طريق النمو”، منذ عهد الحرب الباردة بين المعسكرين!

الثروة البشريّة اليوم من أسباب القوة الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة، إذ إنّ المجتمعات الخصبة وذات المعدلات الشبابيّة المرتفعة بفعل نسبة الولادات المتقدّمة، هي المرشّحة لتكون قوى صاعدة في القريب، إذا امتلكت زمام المعرفة والتكنولوجيا، بينما تتصاعد هواجس الدول الغربيّة من ارتفاع المستويات العمريّة، وتحذّر الدراسات السوسيولوجية من الآثار السلبيّة المدمِّرة للشيخوخة على حيويّة ومردوديّة المجتمع في كافة المجالات، الأمر الذي دفع بالكثير منها إلى تسهيل عمليات التجنيس والإقامة والهجرة للأجانب، بغرض التعويض عن نقصها البشري واستقطاب الكفاءات! 

يحدث هذا في وقت تتوجّه بوصلة الاستشراف في البلاد نحو منحى مغاير، ربّما لأن القائمين على شؤون العباد قد ضاقوا ذرعًا بأعبائهم المتلاحقة، فقرّروا التخلّص منهم تدريجيّا، ليجدوا في “البرنامج الاستعجالي لتحديد النسل” المخرج الجاهز، بدليل أنّ قوافل الفارّين بالآلاف من الوطن، عبر التهافت على تأشيرة فرنسا في عيد الثورة عليها، لم تحرك ساكنا في مسؤولينا! 

أكثر من ذلك، فإنّ حكومتنا لن تكتفي فقط بضبط النسل مستقبلاً، بل إنها قد فتحت باب الإجهاض بذرائع طبيّة مشبوهة، وكأنّ لسان حالها يقول للمواطنين: “منْ وقع في المحظور، ورُزق بمولود لم يرغب فيه، أو جاء فوق التعداد المسموح به، فإنّ القانون يجيز له رمْيه في منتصف الطريق مثل النفايات”!

وبهذه الخطوات الرجعيّة، فإنّ الجزائر لا تعود إلى الخلف فقط بفكرة عفا عنها الزمن تخصّ تحديد النسل، بل هي تبتكر نظرية جديدة عنوانها “تشجيع الوفيات” لإنجاز التنمية، لتكرّس بذلك شعار بلد المعجزات!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • مناع ـ الجزائر

    أخي الكريم ...يبدو أن المدرسة الجزائرية سبب الكثير من الكوارث في هذا الوطن لأنها ركزت على حشو أدمغة المتعلمين بالمعلومات ، ولم تعلمهم كيف ينتجون أفكارا سليمة
    النمو الديموغرافي الكبير ليس وسيلة للوصول إلى الرقي الإجتماعي (ومثال الصين بكثرة سكانها ليس دليلا على سلامة الطرح ـ كما أن مثال ماليزيا وهولندا واللوكسمبورغ موجود بقلة السكان) ... تنظيم النسل هو تنظيم للكثير من شؤون حياة الأسر والمجتمع والدولة، ومساهم في تطوير شؤون الحياة العامة في الدولة .. غثاء السيل لا نفع منه سوى لإشعال النار عندما يجف

  • kamel

    واووووو الحكومة غالطة!!!! حكومة خاطيها!!! حكومة فاشلة!!!! الستم ال الانتخابات لانكم خائفون من ان يحرمكم النظام من بيت او منصب شغل وووو. و تناسيتم بان الله وحده هو الرزاق. لم تستطيذين يتهافتون على صناديقعو حتى ان تقومو بفعل صغير و لا يكلفكم شيئ الى و هو البقاء فى المنزل يوم الانتخاب لكى لا تدعمو النضام ( و هذا 3 مرة فى 5 سنوات) . و لان تفتحون افواهكم وراء حاسوب. والله ما اصابنى الا ما بنيناه بانفسنا.

  • فرسان نوميديا

    يقول الرسول صلى الله عليه و سلم ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))
    و انتم تتحدثون على تحديد النسل و الإجهاض ( قتل النفس بغير حق)
    في الحقيقة الشعب لا تعنيه مثل هذه الإجراءات لأنه يفعل ما يمليه عليه ضميره فقط

  • الملاحظ_متابع للشأن العام_

    ماذا تنتظر وقد وسد الأمر لغير أهله؟

  • الفضالي

    أذكر جيدا أيام الدراسة درسنا أن من أسباب التخلف النمو الديموغرافي الكبير، وعندما كبرنا ورأينا ما حولنا وجدنا كذب هذه المقولة وأكبر مثال على ذلك الصين الشعبية كم عدد سكانها لا أحد يضاهيها في تعداد السكان ورغم ذلك احتلت العالم بمنتوجاتها الجيدة والردديئة
    فهل نصدق هؤلاء في مقولاتهم؟.
    ما هم إلا بعبع ينفذون ما يملى عليهم من طرف هيئة اللّمم وينفذونها بلا روية
    فاللهم أصلح حكامنا وول علينا الصالحين.

  • بدون اسم

    ليس العيب في تنضيم الاسرة
    بل العيب ان يزاحمك احدهم في بيتك
    يضن ان له السلطة عليك حتى في امورك الشخصية
    بمعنى العاقل وغير العاقل
    بما انك ذكرت الحالة الاوربية انه مجتمع العاقل يتعامل مع العاقل
    الحرية الفردية من الاولوات والوطن للجميع رغم الشيخوخة التي تهدد
    المجتمع ليس بامكان الحكومة او الوزير المساس بحرية الفرد
    لو اراد اي بلد في اروبا ملئ بلده من الشباب لفعل ما عليهم الى ان يفتحوا
    الحدود للمظلومين ستمتلئ اروبا عن اخرها

  • الطيب

    الملفت أنّ هذه الحكومات المتعاقبة على رؤوسنا بارعة في اطلاق أي تفسير لما آلت إليه حالنا من تخلف و رداءة و لكنها تغمض عينها و تهز كتفها عندما يُقال لها أنّ الخلل فيها و منها هي ...فمن تفسيراتها المضحكة المبكية لتخلفنا هو ارتفاع نسبة نمونا الديموغرافي !!في حين أنّ هذا التفسير تخلى عنه حتى أصحابه الذين هرولوا إليه أول مرة بل هناك من ندم على تطبيقه أصلاً !!و نسيت أنّ بلدانًا عملاقة ديموغرافيًا هي التي تتحكم مثلاً في حركة الاقتصاد العالمي كما تشاء ..النمو السكاني قوة عند الناجح و ضعف عند الفاشل !

  • يوسف

    هناك مقــولة ما فتئ يذكرنا بها في الماضي القريب و الحاضر ، سيادة الوزير الأول : سي أحمــد .
    و هي : [ ألّي خــانو السّعد و الحظ يقـــول بِيّا السّــحــر .] ..في الحقيقة هذا القول و هذه المعرفة نسوية فيما بينهن و ليست رجالية .
    اليوم بعد العجز في التسيير و الفشل في التحكم في أمــور المال نتيجة التبذير و الإسراف و الفساد ... هاهي برامجهم اِنتقلت للحلول السحرية ( تحديد النسل ، التسامح مع الإجهاض ، رفع الدعم المادي للفيئات الهشة ، رفع أسعار المحروقات في بلد ينشد التنمية بقوة ...) Ou va l'Algérie .

  • Anti-Roth

    وين وصلنا ...نتكلموا عن الماسونية كأنها شيء بعيد عنا ..وهي بيننا ومخططاتها تدرس وتناقش على مستوى مالكي القرار....والله العنصريون في حكومات الدول الغربية يرتعدون خوفا من العائلة المسلمة لأنها أكثر خصوبة...كيف ياناس ..عدد السكان يجذب الإستثمارات ويحدد كعامل نجاح في الدراسات الإقتصادية المستقلة وتصنيفات القوى العسكرية وهم يريدون إقناعنا بالعكس...واليوم هم يحاربوننا في بلداننا ببني جنسنا ممن غسلوا له مخه بدراسات مزيفة لها أجندات مسبقة ضد بلاد المسلمين... بارك الله فيك على المقال الممتاز يا أستاذ.