-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

الإحساس بالمشكلة أولى خطوات حلّها

أبو جرة سلطاني
  • 709
  • 0
الإحساس بالمشكلة أولى خطوات حلّها

التّغيير إمكانيّات وليس أمنيّات. والإحساس الفرديّ بوجود مشكلة يظلّ شوقا إلى التّغيير ما لم يتحوّل إلى إحساس جماعيّ يزرع في النّفوس شعورًا بالهوان أو إحساسا بالتّهديد أو بالضياع.. فيصبح البحث عن منفذ للخلاص إرادة جماعيّة تبحث عن فرد مخلّص يقودهم إلى عمل جماعيّ. إرادة تثق في رأس يفكّر وفي عقل يخطّط وقيّادة تتجرّد من الأطماع وتؤْثر على نفسها ما يجعل إرادة التّغيير جماعيّة.
إذا حصل هذا أرسلت الأقدار من يعمل على تحويل الإحساس إلى فكرة. والفكرة إلى مشروع. والمشروع إلى نزوع بعد تخطيط فعمل جماعيّ. لأنه لا يتحقّق تغييرٌ إلاّ بإرادة عازمة على تخطّي الصّعاب. وثقة في قائد كفء. وقناعة راجحة بتغيير الحال وبلوغ الأحسن. وتضحيّة جماعيّة لهدم الواقع الفاسد وبناء ما هو صالح.
فلا تغيير يأتي على الجذور إلاّ بمشاركة كلّ قادر في المسعى الجماعيّ من داخل المؤسّسة بانخراط كلّ فرد في إنجاز ما هو ميسَّر له بجهد منظّم يُذيب زبر الحديد. ويحوّل ما كان متناثرا بين السدّيْن إلى طاقة جبّارة تذيب النّحاس وتصهر الحديد وتجعل كلّ الأجزاء متلاحمة ملساء لا تقبل الخرْق ولا تسمح بالتّسلّق والظّهور فوقها: ((فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)) (الكهف: 97).
تلك ملامح الانقلاب المعرفيّ الذي أحدثه ذو القرنين في عقول قوم كانوا غافلين.
وجدهم مهزومين نفسيّا. خائرين إراديّا. مستلبين حضاريّا. خائفين من يأجوج ومأجوج، مرعوبين من فسادهم وإفسادهم في الأرض. معزولين عن حركة الحياة. محاصرين بين سدّيْن. عندهم مال ولكنّهم سفهاء لا يعرفون كيف يتصرّفون فيه إلاّ بجعله خرَاجا. وكانوا كثرة عدديّة، بمعيار زمانهم، ولكنّهم كانوا عاجزين عن مواجهة عدوّهم ومنعه من الفساد في الأرض.
كانت أرضهم تزخر بالمعادن؛ تتناثر مخلّفاتها في كلّ مكان. ولكنّهم كانوا عاجزين عن تجميعها وفرْزها وتوظيفها في بناء سدّ بينهم وبين المفسدين في الأرض. وربما كانوا جاهلين بقيمتها عاجزين عن توظيفها في بناء ما كانوا يعتقدون أنّ فيه نهاية لمعاناتهم مع يأجوج ومأجوج بدليل أنهم اقترحوا على ذي القرنيْن ردْم ما بين السدّيْن مقابل منحة كبيرة من خراج أموالهم: ((فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)) (الكهف: 94).
فهم ذو القرنين حالهم، وقرأ سؤالهم قراءة استشرافيّة فأدرك مكمن الخلل في تفكيرهم وفي سلوكهم وشخّص داءهم. فلم يفتح معهم جدلا حول يأجوج ومأجوج ولا حول كيفيّة بناء السدّ أو الجدوى من إقامته أصلا. وإنما جرّهم إلى ميدان العمل لعلمه أنهم لا يفقهون ما سيقوله لهم، بعد أنْ علّمهم درسيْن عمليّيْن هما مدار الصّراع بين حال من يعيش في زمن ماض على ميراث السّلف دون غربلة ولا تحيين وزلا تجديد.. وبين من يجتهد للانطلاق نحو آفاق مستقبليّة بقدرات الخلف دون انخلاع عن الجذور ولا تنصّل من الماضي.
• فما كلّ جديد بدعة.
• وما كلّ قديم سنّة.
علّمهم أنّ المال مهمّ في حياة النّاس، ولكنّ العمل به واستثماره في أوجه الخير أهمّ منه. فما في فكر الإنسان وساعده أوسع من الخراج وأنفع من الثّروة وأدوم من الكنوز؛ فالمال وسيلة لقوام العيش ولكنّه لا يورّث علما ولا يمحو جهلا.. فإذا أطعم مالكه من جوع لم يأمنه من خوف. فإذا صار سببا في إهدار قيمة العمل واحتقار الفكر وشلّ السّواعد.. صار وبالا على صاحبه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!