-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإغاظة في مزج السياسة بالرياضة

الإغاظة في مزج السياسة بالرياضة

بعد صليل الأقلام في الامتحانات، وعصارة الأفهام في المناقشات والمسابقات، ها هي ذي حمى ركض الأقدام في المباريات، والدوس على كل التقاليد والأحكام، في سبيل النيل بالمرتبة الأولى، والتتويج بالوسام، على الفرق في المدرجات.
إنها فتنة، ما يعرف بكأس العالم، قبل تنظيمه، وأثناء مبارياته، وتحكيمه، وبعد انطفاء أنوار مصابيحه، وقناديله..
ليت الفتنة، كانت حبيسة الملاعب والمدرجات، لقلنا إنها سحابة صيف تزول، وليتها، ظلت سجينة عقول الجماهير الرياضية المخدرة بالشعارات، لقلنا إنها نوبة جنون لن تطول، ولكنها دخلت البيوت، والدواوين، في المواقع الفيسبوكية، وعلى الشاشات التلفزيونية، ومست كل الفئات الاجتماعية.
فمن أعراض هذه الفتنة، إقحام المرأة الوديعة، وإخراجها عما طبعتها به القيم الإنسانية الرفيعة، وأحكام الشريعة. وتحت شعار “خليها تجري” ومن حيث تدري أو لا تدري، ها هم يطالبونها بالكشف عن الصدر والساق، والدوس على كل الأعراف والأعراق.
لقد كنا نتباهى بالمرأة –عندنا- أنها زحفت نحو الجامعات والمدرجات، واحتلت الصفوف الأولى في الحصول على أولى المراتب، وأعلى الدرجات، فما لهم يلقون بها، نحو أنواع مقنعة من العهر، ويكشفون عن وجهها كل ألوان الحياء والستر؟ إنها –والله- لفتنة العصر !
ومن أعراض الفتنة الرياضية الكبرى هذه الإغاظة، في مزج السياسة بالرياضة، فمن أجل الولاء بالرياضة للسياسة، أصبح يفر المرء من أخيه، ويجرؤ على مناوأته ويعاديه. ففي سبيل الولاء لأبخس أنواع السياسة، في سوق النخاسة، أظهرت عملية اختبار مكان كأس العالم القادم، أسوء مظاهر التعاسة؛ فضاعت فيه كل معاني السيادة والكياسة، والرئاسة.
وصاحبتنا، أعراض الهزيمة إلى الملاعب، حيث ضعف في الملعب المطلوب والطالب، وانتصر المغلوب على الغالب، وما ذلك إلا لأننا دخلنا المنافسة الرياضية الشريفة، بالشعارات السياسية الهوجاء السخيفة، فمنينا بأنكى هزيمة، بخماسية نظيفة، أمام الجماهير المعادية والحليفة.
إننا نبرأ إليك ربي من السياسات التي تتقلب كما يتقلب الزاد في المزاد، وكما تتغير السياسات في كل بلاد، وكما تنحرف المواقف عن المبادئ الربانية، ولو أهلكت العباد !
وتتواصل محنة مزج السياسة بالرياضة، عندما يراد لهذه الرياضة، بدل أن تكون وسيلة لتقوية الأجسام، والمحافظة على اللياقة والقوام، والرقي بالوعي الجماهيري لدى الخواص والعوام، ها هي الرياضة قد أصبحت عامل تخدير للجماهير، وإلهائها عما تعانيه من الظلم، والقمع، وسوء المصير.
وما نعلمه –في فهمنا المتواضع والصحيح- أن الرياضة الحقيقية الصحيحة، كالسياسة الوطنية الفصيحة، كلاهما، يقوم ببناء الإنسان على أساس القيم، وإعلاء الهمم، وتبوء مكانته بين الأمم، والنأي به عن بيع الذمم، وشراء أو بيع القلم، وتحقيق صحة الشعوب، وعلاجها من كل سقم، وكل ألم.
فما للرياضة، والسياسة انحرفتا عندنا عن مسارهما المستقيم، وزج بهما –بالممارسة الخاطئة- في بحر لجي من الصيد والكيد والتغليط، والتعتيم.
ألا، لا كانت الرياضة التي تقلب عالينا سافلنا، ووضيعنا رفيعنا، فتختلط المفاهيم، وسوء تفسير التعاليم، ويغيب الرياضي السليم، والمدرب الحكيم، والتنظيم القويم، ويطفو على سطح الملاعب، وقيادات التنظيم المال الفاسد الأثيم، والعقل الراكد السقيم، وهو ما أدى إلى ما نعانيه من انهزام أليم.
وبئست السياسة، التي تحيد عن مبادئ ربنا فلا تسوس الناس بالتعاليم والأخلاق السليمة، والقيم العالية العظيمة.
بئست السياسة -إذن- التي تغيّب العالِم النحرير، والمواطن القدير، وتمكِّن للجاهل الزنيم، وتشوه معنى القائد والزعيم، وذلك ما أكسبنا انكسارا بعد انتصار، وانحدارا بعد افتخار، وصغارا بعد اقتدار.
الله ! الله ! لأمتنا المتأزمة الحائرة، وهي تعاني اليوم، سوء القيادة، بعدما فقدت مفتاح القلادة، ومكانة الرئاسة، ومعالم العز والسيادة. وليس العيب أن تتأزم فكل الشعوب والأمم تتأزم، وليس العيب أن تصاب بالسقوط، فعدد كبير من الشعوب والأمم سقطت، ولكن الشعوب السليمة والأمم الحكيمة، أخضعت أسباب سقوطها وتدهورها، للتأمل والتحليل، واستعانت في ذلك بالعالِم الجليل، والمثقف النبيل، فنهضت من كبوتها، وأفاقت من غفوتها، وصنعت عوامل تقدمها، وقفزتها. فليت قومي يعلمون هذه الحقائق، ويستفيدون من الشدائد والتاريخ والوثائق.
فما كان لقضية القدس وفلسطين أن تصاب بهذا الانحدار، لولا ما وصفوه “بصفقة القرن”، وما كان لصفقة القرن، لولا ما تلقيناه، نحن مما يمكن وصفه “بصفعة ولعنة القرن”.
إن قوة عدونا من ضعفنا، فنحن الذين نمده بالمال، ونحن الذين نقدم له الزيت ونمكّن له أكناف البيت، ونتواطؤ معه على كيت وكيت. وبعد أن نعي هذه اللعنة وهذه الصفعة، سنسل ثيابنا من ثيابه وثياب مؤيديه، ويومها نسترجع عافيتنا، ونستعيد هيبتنا وقوتنا، فلا يطمع فينا طامع، ولا يجرؤ على النيل منا مغامر أو مخادع ﴿… وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾(سورة الروم الآية: 4/5).
فحذار -إذن- من سوء الرياضة التي تدفعنا إلى بيع الذمة، وفقد الهمة، والتنكر لمبادئ الأخوة في الأمة !
وحذار من سوء السياسة، التي تحولنا إلى تعساء، في سوق النخاسة، إن الإغاظة والإفاضة في مزج السياسة بالرياضة، لداء أضرّ بنا وجعل أدمعنا ودماءنا، غزيرة فياضة..
فهل نحن قارؤون؟ وهل نحن واعون؟ وهل نحن مطبقون؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • okba

    الحمد لله ان هدا الفكر لايقاسمه كل الجزائريين لانه فكر انفصالي يعبر عن التشاؤم والانطواء ويرجعنا الي زمن القوميه الفاشله ليعلم المسمي قسوم ان الرياضه ضروريه في بناء انسان متوازن ومتكامل ويستجيب للقيام بعمله الفكري او العضلي لا اظن انكم احسن فكرا من اليابان والعالم الغربي الدي يعطي للرياضه كل الاعنبار. والنتيجه لاتستدعي لاي مقارنه

  • سلسبيل

    اللهم ردنا اليك ردا جميلا

  • عبد الله ب.

    لكم مني - أنا عبد الله بوكابوس من وجدة/ المملكة المغربية - الأستاذ عبد الرزاق قسوم، كل التحية والتقديـــر على هذا المقال الشافي الكافي، وموفق دوماً إن شاء الله.