-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإمبراطور والجزية!

الإمبراطور والجزية!

قدّم لنا تاريخ البشرية، عددا لا حصر له من الملوك والأباطرة من الذين نسوا أنفسهم، أو أنستهم إمبراطورياتهم، أنهم مجرد بشر لا يختلفون عن بقية الناس، وحتى عن العبيد المتواجدين في قصورهم، فراحوا يتجبّرون ويسخرون، وفي الغالب لن يجدوا غير مزبلة التاريخ مأوى لنهاياتهم.

وإذا كان النمرود وفرعون وهتلر وبول بوت وجنكيزخان وماكسيميليان روبسبير وروبير الرابع وموسيليني… قد أصيبوا بعدوى “التربّب” بنسب متفاوتة، فإنهم في الأخير انتهوا كما ينتهي أي إنسان على وجه الأرض، وأحيانا كما ينتهي بؤساء الدنيا وأشقياؤها.

وفّر العالم والأنظمة بالخصوص، للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، جوّا ثبّت “إمبراطوريته” كأقوى الإمبراطوريات على وجه الأرض، ووفّر له شعوبا، يظن أن حلمها هو أن ترضى عنها الولايات المتحدة الأمريكية، حتى اقتنع الرجل، بأنه يقود أقوى إمبراطورية في العالم وبقية البلدان مجرد “مستعمرات” لا تخرج عن بيت الطاعة.

ومع مرور الأيام، وهي لم تبلغ شهورا بعد، باشر الرجل حكمه وتسلطنه على الكرة الأرضية، ولأن المال هو قرّة عين كل إمبراطور، فقد فرض “الجزية” على كل من يريد التقرّب من الولايات المتحدة تجاريا، ولم يستثن صديقا ولا عدوا، وكما كان فرعون الزمن الغابر يكشف حقيقة أصدقائه وعبيده والثائرين ضده بالاسم والصفة، وهو يصيح: “أنا ربُّكم الأعلى”، فإن الرئيس الأمريكي يبدو متلذّذا بالجزية، كما كانت الحال في آخر خرجاته الإعلامية عندما راح يمثّل مشهد الزعماء، وهم يترجّونه ويتوسلون إليه، ولم يجد “الإمبراطور” من حرج ليقول ويكرّر عدة مرات: “إنهم يقولون من فضلك، من فضلك يا سيدي، نحن مستعدّون لفعل أي شيء يا سيدي”.

وإذا كان ما قاله “الإمبراطور” الجديد، عن رؤساء الدول وغالبيتها أوروبية تجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية اتفاقيات تجارية عريقة بمئات ملايير الدولارات، كذبا، فتلك مصيبة كبرى من رئيس أكبر بلد في العالم، وإذا كان ما قاله من إهانة، لهذه البلدان، حقيقة، فتلك مصيبة أعظم.

كشفت الأحداث الاقتصادية والتجارية الأخيرة من فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، على كل تسويق للمنتجات، بأن العالم غارق في فنجان “مال”، يرتشفه كل صباح، ويقرأ طالعه المهول، فيه، ويمزق بزجاجه بعد ذلك شرايينه كل مساء، واتضح بأن أهم مشروع بالنسبة للرئيس الأمريكي، هو كيف يُدخل المال للخزينة، وبأنّ ما يؤلم الزعماء والبلدان هو ما يصيبهم من وجع مالي، في عالم لم تعد الأخلاق في المركز الأخير ضمن اهتماماته فقط، وإنما لم تعد موجودة أصلا، على وزن القاعدة الماركسية الشهيرة: “لا إله والحياة مادة”.

بإمكان أي قارئ أو ملاحظ أو فضولي أن ينقر على نهاية اسم جينكيز خان أو ليوبولد الثاني أو أدولف أيخمان أو النمرود، ليعرف بأن نهاية اللاهثين خلف المال والساخرين من بقية الشعوب، مأساوية لا تنهيهم هم فقط، وإنما تنهي إمبراطورياتهم، وترميهم هناك ضمن قائمة، بدأت مع أول جبّار، ولن تنتهي أبدا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!