الاتّجاهُ المعاكس!

حالة الصحافي السوري بقناة “الجزيرة”، فيصل القاسم، هي بعنوان حصته، التي ما عاد يتابعها أحد، اتجاهٌ معاكس للمنطق وحتى للقاعدة التي تقول: “خالف تُعرف”، لأن المخالفة هنا لا تكون بالقول إن الأبيض أسود اللون، أو إن الأسود أبيض اللون، فتصبح المخالفة عبثا وخرفا ووقاحة وقلة أدب.
عرفنا في عالم الصحافة المأجورين الذين لا يكتبون إلا بجيوب دافئة، وعرفنا من تتقيّأ أقلامهم خبط عشواء، ومن يُخطئون فلا يكادون يرمون سوى خارج الهدف، لكن الصنف الذي يوجد فيه الذي لا “فيصل” فيه ولا “قاسم”، يثير الدهشة فعلا، إلى درجة أن الرجل كلما قدّمت الجزائر نية أو جهدا أو دولارا لمساعدة شعب سوريا المكلوم بين الدم والدمع، راح ينبح مثل كلاب المخزن، عما يصفه بـ”الحليب المفقود” و”قهر الشعب” وغيرها من الأسطوانات التي تبيّن مستوى أصحابها، ليس لأنها كاذبة فقط، وإنما لأنها ضحلة وتبيّن حرمان هؤلاء من متطلبات الحياة.
كان الرجل في بداياته الإعلامية يقتات من تميّز بعض ضيوفه، عندما يلعبون دور الفعل وردِّ الفعل، وعندما غرقت سوريا في الدماء، صار مثل الديك الذبيح، يصيح في كل الاتجاهات المعاكسة، فهو بقدر ما يكنّ للنظام السوري من عداء، فهو يكنّ لكل المعارضين من دون استثناء العداء أيضا، فلا أحد فهم للرجل دينا، حتى أنه صار يرى نفسه حلا وحيدا للمستنقع الذي توجد فيه سوريا وكل بلاد العرب.
ليس مشكلة أن لا تعجبه محاولة الجزائر جمع شمل الفلسطينيين واستقبال القيادات العربية في قمة الجزائر، بل ليس مشكلة إطلاقا أن يرى في النظام الجزائري دون ما يأمله وأن يصدّق بأن الجزائريين يعتصرهم الجوع ولا يجدون قطرة حليب لصغارهم، كما يسوِّق في كل مرة، وهو يعلم بأن الآلاف من أبناء بلده وأبناء من يستمع إليهم، يعيشون في نعمة في الجزائر، لكن أن يستكثر على السوريين المتألمين كرم الجزائريين الذين يتعاونون لأجل أن يوصلوا المساعدة للشعب السوري وليس لغير الشعب، بكل ما منحهم الله من نيَّات صادقة وخيرات، فذاك ما يسمى في علم النفس النرجسية الزائدة التي تفرزها اضطراباتٌ في الشخصية ويصبح عندها الإنسان لا يعجبه العجب.
يستعمل فيصل القاسم وهو يقذف المعارضة السورية، وليس نظام بشار الأسد فقط، كلمات “الشراشيح والطراطير”، في اتجاهٍ معاكس لما يأمله السوريون لأجل توقيف حالة الضياع التي تعيشها سوريا منذ قرابة اثنتي عشرة سنة، ومعنى كلمة “شرشوح” باللهجة السورية هي غير اللائق وغير المهذب، والطرطور بالشامية هو الإنسان التافه، ولا نرى لهذه الأوصاف أكثر صلاحية من فيصل القاسم.
نعود للبحث عن صنف الصحافيين الذين ينتمي إليهم فيصل القاسم، ولا نجد غير كلمات أغنية المطرب مجد القاسم وهو بالمناسبة شقيق فيصل القاسم الذي أدى أغنية بعنوان “طمعنجي” التي يقول فيها:
والناس تبيع بعضها ولا فيش عندها صاحب
الطمع سوّد قلوبنا إمتى نفهم بس عيبنا
بنطمع ليه في بعضينا وناخذ حق ناس ثانيين
ونعمل نفسينا ملايكة واحنا ومن جوانا ليه شياطين.