-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تفكيك المخيمات... تهجير ممنهج وتوطين قسري

الاحتلال يعيد رسم الجغرافيا والديموغرافيا في الضفة الغربية

لؤي صوالحة
  • 344
  • 0
الاحتلال يعيد رسم الجغرافيا والديموغرافيا في الضفة الغربية

في واحدة من أخطر مراحل الصراع المفتوح مع الاحتلال الإسرائيلي، تتعرض مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية إلى عدوان شامل، لا يقتصر على القصف والهدم، بل يتعداه إلى استهداف الوجود الفلسطيني وهويته الوطنية والإنسانية. مخيمات جنين، نور شمس، وطولكرم، لم تعد فقط أهدافًا عسكرية، بل تحولت إلى ساحات لمعركة تهدف إلى تفكيك التاريخ، وإعادة رسم الجغرافيا والديموغرافيا بما يخدم المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين.

القوات الإسرائيلية تستخدم في هذه العملية كل أدوات العنف، من القصف الجوي، إلى الاجتياحات المتكررة، إلى التدمير الممنهج للبنية التحتية، في عمليات لا تُخفي نيتها الحقيقية: إفراغ هذه المخيمات من سكانها، وتحويلها إلى مناطق “ميتة” سياسيًا وشعبيًا، تُمحى من الذاكرة الجمعية كرموز لجوهر القضية الفلسطينية. لقد أُجبر أكثر من 51,000 مواطن فلسطيني على مغادرة هذه المخيمات تحت التهديد والسلاح، في أكبر عملية تهجير جماعي تشهدها الضفة الغربية منذ نكسة عام 1967. مشهد يعيد إلى الأذهان نكبة 1948، لكنه بنسخة محدثة، أكثر وحشية وتعقيدًا.
ما يجري ليس مجرد انتقام عسكري أو رد أمني، بل هو مشروع سياسي طويل الأمد يسعى إلى إنهاء الوجود الرمزي والسياسي للمخيمات. الاحتلال يدرك أن هذه المخيمات لم تكن فقط مأوى للفقراء والمحرومين، بل كانت محاضن للوعي الوطني، ومساحات للتمسك بالحق والكرامة، وأهم من ذلك: كانت ولا تزال شاهدة على جريمة تهجير شعب بأكمله، وعلى حقه غير القابل للتصرف في العودة.
وفي موازاة هذا العدوان الميداني، تتكشّف محاولات لتوطين المهجرين في أماكن بديلة، عبر مشاريع ظاهرها إنساني، لكن جوهرها سياسي يهدف إلى طمس هوية اللاجئ وتحويله إلى مجرد “نازح” يمكن استيعابه في أماكن جديدة دون ضجيج العودة أو خطاب الحقوق. هذه المحاولات تعيد إلى الواجهة مشاريع التوطين التي رفضها الفلسطينيون تاريخيًا، لأنها ببساطة تعني القبول بالنكبة كأمر واقع، والتخلي عن الحق التاريخي في فلسطين.
الأخطر من ذلك هو الهجوم المتزامن على وكالة الأونروا، التي تمثل الوجود القانوني الدولي لقضية اللاجئين الفلسطينيين. فهناك ضغوط هائلة تُمارس اليوم لإنهاء دور الأونروا، وتجفيف مواردها، وتشويه سمعتها، في محاولة واضحة لإنهاء صفة “اللاجئ” من القاموس السياسي الفلسطيني. فالأونروا ليست مجرد وكالة إغاثة، بل هي اعتراف دولي مستمر بجريمة التهجير، وشاهد على أن مأساة اللاجئين لم تُحل بعد.

تفكيك المخيمات اليوم، وإعادة توزيع سكانها، ومنع الأونروا من أداء دورها، كلها حلقات في مخطط واحد: تصفية قضية اللاجئين من الجذور. ومعها يُراد تصفية الذاكرة الفلسطينية، ومحاولة إقناع العالم بأن هذه القضية لم تعد قائمة، وأن الشعب الفلسطيني لم يعد يطالب بشيء سوى البقاء على قيد الحياة.
لكن رغم كل هذا، ما زال الفلسطينيون في هذه المخيمات صامدين، يتمسكون بحقهم في العودة، يرفضون مشاريع التوطين، ويُصرّون على أن تكون المخيمات، بما تحمله من رمزية وشهادة تاريخية، جزءًا من المستقبل لا من الماضي. فهذه المخيمات التي وُلدت من رحم النكبة، تأبى أن تموت بصمت، وترفض أن تكون مجرد سطر في ذاكرة منسية، بل ترفع صوتها عاليًا لتقول: “نحن هنا … وسنعود”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!