-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الاستثمار في قابلية الشعوب لـ”الاستحمار”

حبيب راشدين
  • 4961
  • 21
الاستثمار في قابلية الشعوب لـ”الاستحمار”

القابلية للاستعمار مفهومٌ طرحه مالك بن نبي منتصف القرن الماضي، يفيد بأن المحتل يبقى مع مرور الزمن محتلا لفرد غير قابل للاستعمار قبل أن يستنجد بـ”المعامل الاستعماري” لخلق نموذج من الحياة والفكر والحركة، تمنحه السيطرة المعنوية والمادية على الفرد المستعمَر، فتحمله على القبول بالحدود التي يرسمها له الاستعمار، يفكر داخلها، ويرسم شخصيته طبقا لحدودها، قبل أن يتحول في مرحلة متقدمة إلى مدافع شرس، يناضل لديمومتها.

عند التحليل والمراجعة نكتشف أن “القابلية للاستعمار” التي هي “رضوخٌ داخلي عميق للاستعمار” هي ظاهرة مستدامة ملازمة للشعوب المستضعَفة، ليس فقط حيال ظاهرة الاستعمار التقليدي، بل هي حاضرة في جميع العلاقات التي تقوم بين السيد والمسود، حين يفقد المسود القدرة على التمييز بين الحالة الطارئة التي مكنت السيد من التفوق، وأجبرت المسود على الخضوع والإذعان إلى حين، وبين القبول دون تمحيص بتفوق افتراضي لجنس، أو فكر، أو ثقافة، أو تقنية، يبرر للسيد الإمعان في التعسف والاستبداد، ويسوغ للمسود التسويف حيال واجب الانعتاق بطرق المقاومة التي خبرتها الشعوب في جميع الأزمنة. 

ومع تقدير توصيف ابن نبي للظاهرة في الجزائر وفي باقي المستعمرات، فإن الشعب الجزائري لم يتوقف عن مقاومة الظاهرة عبر مؤسساته الثقافية والاجتماعية التقليدية، وتمكن خلال قرن وثلث قرن من حرمان المستعمر من توسيع ظاهرة الاستعمار لتطال الفضاءَ الثقافي والاجتماعي والروحي، وكان رفضه للتقنية الوافدة مع المحتل جزءا من رفض ظاهرة احتلال الأرض، فكان منها رفض حملات التلقيح والتطبيب في المؤسسات الاستعمارية، ولم يستسلم لمحاكاة تقاليد وعادات مجتمع المعمرين، ونجح في إفشال حملات التبشير، وحرم المستعمِر من اقتحام حصن العائلة المسلمة عبر إجماع نخبه السياسية والدينية على مطالبة المحتل بـ”الالتزام بأحكام العلمانية” رغبة منه في الدفاع عن قانون الأحوال الشخصية، وفي كتب التاريخ والدراسات الاجتماعية أمثلة كثيرة عن صيغ المقاومة السلمية التي حرمت المستعمر من تثبيت سلوك “القابلية للاستعمار”.

الآن وبعد مرور قرابة ستة عقود على استعادة السيادة، نرى شرائح واسعة من العامة ومن النخب تستميت في استدعاء الأدوات الفوقية الفكرية والثقافية للقوى الغربية المهيمنة كضرورة وكخيار لا غنى عنه لتأطير مسارات بناء الدولة، وإعادة هيكلة البنية الاجتماعية، واختراق البنية التقليدية للعائلة المسلمة، والانفتاح على التقنية الغربية دون روية، وتوطين لغة المستعمِر تحت شعار كاذب اسمه “غنيمة الحرب”، فضلا عن الحملات المتواصلة على اللسان العربي، وعلى مكونات الهوية الاجتماعية والثقافية التي بنتها شعوبنا تحت مظلة الإسلام على مدار أربعة عشر قرنا من الزمن.

وعندما يقبل شاب متعلم مثل كمال داوود الجلوس على مائدة اللئام بالسفارة الفرنسية صحبة وليِّ نعمته الرئيس الفرنسي ماكرون، قبل أن يسطوا على حق الجزائريين في الترحيب برئيس دولة مسلمة كانت شريكا لنا في مقاومة حروب الاسترداد القشتالية، ثم لا يستحي من القول: “كل امرئ يدافع عمن يطعمه”، فلا بد من أن نستحضر ابن نبي لرصد عودة ظاهرة القابلية للاستعمار في حلتها الجديدة، التي تستثمر في ما ترى فيه بعض النخب “المستقورة” فرصة انتشار القابلية لـ”الاستحمار” بمعنى قابلية الشعوب لـ”الاستغفال” والانخداع بالحيل البصرية التي تريد التسويق مجددا لـ”المسخ الغربي” والتمكين لاستعمار ناعم، لا يحتاج إلى بوارج حربية ولا إلى إنزال مكلف بسيدي فرج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
21
  • هنا الجزائر

    من ليس ابن العربي بن مهيدي لا يدخل هنا

  • mohamed Alg

    عندكم من بالطبع انت تقصد الاستعباد في بلدك المروك استعباد لا مثيل له على وجه البسيطة
    الله ينصر الضعفاء في المروك الله افك اسرهم ويهزم مستعبدهم

  • الجزائر العظيمة

    الروس سيدكونكم دكا يا بني صهيون سقطت امريكا وسقطتم معها وستخرجون من فلسطين صاغرين يا صهاينة مت بغيضك فانا اعلم من تكون

  • بدون اسم

    السلام
    من وجهة نظري
    ان الثقافة التي تحمل بين طياتها القابلية للذل والاستبغال ليست الثقافة لبلدان آسيا وليست ثقافة اروبا ولا امريكا ش و ج
    ولمعرفة وتأكيد قولي على القراء النظر لاوظاع الشعوب التي تعيش اليوم الاستعمار والاستبغال
    هل فرض على الجزائرين اعتماد ثقافة العرب مثلا
    وماهي الوصفة التي تجعل من عربي ان ينتقد جزائري بينما يتجاهل اوضاعه و.شعوبه
    بالجزائر العرب يقتلون ابناءهم خوفا ان ينطقون الامازيغية يسبون كل من لايفكر مثلهم ويدين بغير ديانتهم و..
    يعني
    فكرمثل السديسي وإلا انت جاهل!

  • بدون اسم

    قبل أن يسطوا على حق الجزائريين في الترحيب برئيس دولة مسلمة.....
    مازال العرب واحفادهم لم يهضموا ان الجزائريين يختلفون تماما عن العرب لغة تاريخا تفكيرا عقلية ...
    كان على السيد راشدين انتقاد ذوي اصله من العرب كانور عشقي وجميع الخونة من العرب
    اعتقد ان كمال لما انتقد اردغان لم يقل ان راشدين عربي اسلاموي لايغار عن اراضيه التي سلمها وعربه للصهاينة
    ان ثقافة عرب ش افريقيا لا تختلف عن بقية العرب فهم يتقاسمون الخيانة والتواطأ والذل و..

  • د/ غضبان مبروك

    شكرا للأستاذ القدير حبيب راشدين على مقالته التي تلخص الواقع المؤلم للشعوب التابعة للمتبوع بتعبير ابن خلدون ومنها الشعب الجزائري وشبابه اليافع بالطموه ولكن المهزوم داخليا.
    اني ارى بان هذها الشعب الأبي قد عاش مرحلتي المقاومة للاستعمار ثم القابلية للاستعمار وهو الآن يسقط بفعل مجموعة عوامل متساندة وضاغطة في مرحلة "استدعاء الاستعمار". على الدولة والمجتمع أن يتنبها لهذا الخطر الداهم الذي صنعته العولمة ودعمته السياسيات التهميشية للنظام وممارساته الساقطة واحلاله لظواهر الفساد على حساب قيم الرشادة.

  • بدون اسم

    انا لست ابن العربي بن مهيدي فلا تقل نحن بل تكلم عن نفسك

  • بدون اسم

    بل سيأتي يوم و يستدعي هؤلاء الاستعمار من جديد للتحكم في رقابهم لأنهم لم يتمكنوا تسيير أمورهم بأنفسهم بعيدا عن الاستعمار...و بوادر ذلك قد لاحت في الأفق؟؟؟ و ما يخبؤه لنا الزمن أفظع؟؟؟

  • ما فائدة العقل

    نحن أبناء العربي بن مهيدي وليس لنا ولاء لا لفرنسى العجوز ولا لتركيا متعددة الوجوه التي إستدرجة الشعب بمسلسلاتها و جعلته يحن للدولة العثمانية.
    الشعب الجزائري محافظ على كل قيمه رغم الإستعمار الشيء الذي لم تستطع تركيا فعله بدون إستعمار.
    لايحق للأتراك التكلم عن الجزائر لمواجهة فرنسا للدفاع عن نفسها في مجازر الأرمن. بل هو على وجوه المسؤولين البأساء عندنا.
    إذن في رأي لست سوى نسخة مضادة لكمال داود إستعانت بمالك ابن نبي المفكر الذي ليست لك علاقة به.

  • ر

    لا توجد دولة مسلمة كلها مظاهر
    علاقات الدول مبنية على المصلحة
    و كم سيكون جميل لو توحدت المصالح
    ولاحظ بان اكثر شيئ يخلق العداوة هو الدين
    فانت تقارن ماكرون باردغان من منظور ديني بحت
    وهذا طبعا خطا فالانسان حقيقة سبقت الدين
    فتعامل مع الناس بالمحبة لهذا خلق الانسان

  • بدون اسم

    الدولة المستبدة تصنع العبيد، تصنعهم عمدا وقصدا، وبقدر ما تنجح فيه بقدر ما يكون التخلص منها مكلفا فادحا. ذلك أنه يقتضي فوق المقاومة المضنية مقاومة هائلة لأفكارها ورموزها وشرعيتها وروايتها للتاريخ!
    تلك محنة البشر الآن، البشر جميعا! الفارق أن يكون الاستبداد ناعما خفيا عندهم أو ظاهرا علنيا عندنا

  • عبد الله المهاجر

    لطالما حذرنا من الروس ودورهم في سوريا ,,ولكن كان ولازال مايسمى ( المحللون والخبراء السياسويون ) يدافعون عن روسيا أكثر من الروس أنفسهم ,حتى وان خرج مسؤول روسي وصرح (( اذا تعرضت اسرائيل لهجوم من قبل ايران وسوريا فلن تكون أمريكا أو المدافعين عن اسرائيل بل روسيا ستكون أول المدافعين عن اسرائيل ) . ترى من يريد استغباء الشعب يلبسون على الناس المفاهيم ,,مثل ,,محمد ميزاب ,,اسماعيل دبش ,,الخ
    ولكن الحمد لله وحده الذي علمنا بعلمه فنرى مالايراه غيرنا ونفهم مالم يفهمه مخالفينا
    والله أكبر والعزة لله

  • عبد الله المهاجر

    نحن في الجزائر ليست لنا نخب حقيقية الا مارحم ربي قليلون جدا ,, والنخب التي تعتمدها الدولة هي معظمها فاشلة تجهل الواقع الجيوسياسي أصلا ,, فقط هم عبارة عن ألات تسجيل واعادة تسجيل للشعب ,,يذهب يرى قناة روسيا اليوم ويأتي يفرغ ماسمعه على الشعب الجزائري ,,كالفلسطيني - صالح عوض - فهو يريد استغباء القراء الجزائريين وتلميع صورة ايران والشيعة ويتهجم على العرب ,, فهذا يعتبر اختراق لصحيفة الشروق التي يقرأ الكثير من عامة الناس ,,, وبث أفكار مشوهة للرأي العام وأفكار مغلوطة وبعمد من صاحبها الموالي للشيعة

  • عبد الله المهاجر

    بسم الله
    - هناك الكثير طبق الأصل من - كمال داوود - في القنوات التلفزيونية أو عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي يظهرون عبرها كنخب أو محلليين سياسيين سواءا داخل الجزائر أو في بلدان عربية أخرى
    ترى الكثير من هؤلاء عبر القنوات المرئية كقناة النهار أو التلفزيون الجزائري الرسمي ,,الخ ,,يقدمونهم كمحللين وخبراء سياسة واستراتجيين بقصد أو عن غير قصد لاستغباء الشعب ,, والأخطر من ذلك اذا كانت الدولة الجزائرية تبني مواقفها وسياستها الخارجية من هاته النخب التي هي في معسكر الروس فتوالي ايران وسوريا ,,

  • ابن البلد

    أتفق مع الكاتب السيد حيبيب راشدين هذه المرة مئة بالمئة على الرغم من عدم هضمي لبعض ما يدبج يراعه من مقالات عديدة.... أتفق وأضيف إلى ما قال أنه لو عاشت أجيال مالك بن نبي وابن باديس والإبراهيمي إلى عصرنا لأنكروا منظومة القيم جلها في الجزائر شعبا ودولة بل وحتى العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده... اللهم إلا صلاتنا وصيامنا.. بل حتى صلاتنا أصابها ما أصابها -وكذا ديننا- من تنطع الغالين وتعالم الجاهلين واستقالة -أو غياب- العدول العارفين؟ والله المستعان على ما يصفون.

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا ..
    نهاركم مربوح سي حبيب
    .. الأستاذ مالك بن نبي ربي يرحمه لؤلؤة نادرة،
    - كلامه دواااا ، كل فكرة من افكاره "مشروع "
    يقولوا أو كانوا يعتبرونه امتداد لابن خلدون ،
    - نتائج أبحاثه التي توصل إليها من الميدان ،
    نظرا لأهمية أفكاره قام بعض المثقفون المشارقة بترجمة مؤلفاته وو ..
    وشكرا

  • أيمن

    عندك الحق ...لكن الدولة التركية اليوم أيضا ليست الدولة العثمانية. تختلف عنها تقريبا 180 درجة.

  • صالح بوقدير

    كمال داود لم يعرفه الجزائريون إلاعبركم
    لم تعد القابلية للإستعمارذات معنى اليوم بعد أن حل محلها الحنين إلى الإستعمار بفعل خيبة الأمل التي ضربت في العمق قلبت النصر بؤسا والفرحة ندما ودب اليأس والإحباط وسرى في النفوس وران على القلوب بعد تحرير الأرض وتكوين سلطة وطنية
    كم استبشر الناس خيرا بزيارة ماكرون إلى الجزائر وكأنه هو من حررها وخلص لشعبها وهومن ينتقم لشهدائهاويأخذ بيدها إلى بر الأمان تلك الحفاوةأتت كرد فعل لتراكمات من الفسادوالنهب وسوء التسييرعلى مدار عقود من الزمن فأنّى لكمال داود من كل هذا؟.

  • بدون اسم

    جنت على قومها براقش
    على كرشو يخلي عرشو
    هذا ليس بكاتب مثقف بل هو كاذب مشقف " القابلية للاستغفال" ، لقد عرف ان تكريم "المثقفين " يتم من هناك وينتهي ايضا من هناك وفق ما يعلم الجميع من شروط .

  • الطيب

    " كل امرئ يدافع عمن يطعمه " !
    كم هو محزن و مؤلم و أنت ترى أمك و هي تسير متثاقلة الخطى و فوق ذلك تحمل هذه الأثقال و هذه الأشياء الغريبة على ظهرها !!!
    ياو ارواح يا بن نبي تشوف " ميمتك المغبونة " ارواح نقحنا الطبعة الجديدة لـ " القابلية للاستحمار " لعل و عسى ...... و اروح !

  • Karim

    "أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ" …
    اشتاقت نفوسهم للهوان والذل، و لهذا قال لهم الله » اهبطوا « ، و ضربت عليهم الذلة و المسكنة. هذا حال كمال داود و صنصال و من على شاكلتهم .