الاستيراد من الخارج.. لا إفراط ولا تفريط!

باشرت الحكومة عملية تدقيق في كافة المواد المستوردة من الخارج وتحديد تسميتها وتعريفتها الجمركية، بما في ذلك السلع المدرجة تحت البند الجمركي التعريفي “أخرى”، والتي كانت تشكّل إلى وقت قريب غموضا في قائمة الواردات وضبابية عند تقييم احتياجات السوق، وملاذا لبعض المتعاملين للتهرّب الضريبي أو التحايل في التصريح بالسلع.
ويضم البند الجمركي “أخرى” كل السلع والمواد المستوردة من الخارج، التي لا تتوفّر على تعريفة جمركية واضحة يُمكن مطابقتها معها، إذ يؤول هذا الوضع إلى تصنيفها ضمن البند “أخرى”، على غرار بعض أصناف لحوم السمك المجمّدة والحليب الموجّه لاستعمالات غير الاستهلاك العادي، وبعض أصناف الجبن والشاي الأخضر المعلّب وأغذية الحيوانات والوصفات الغذائية للحمية، وهي جميعها سلع تم تحديد تعريفتها الجمركية بعيدا عن تصنيف “أخرى” بداية من 1 مارس 2023، في حين تتواصل عمليّة تطهير قوائم السلع المستوردة إلى اليوم من طرف مصالح التجارة والمالية.
وتحتوي التعريفة الجمركية في كل بنودها على تصنيف “أخرى”، لعدة أسباب، منها أنّها ملاذ لتصنيف البضائع من نفس النوع، كما أنها تبقى جامعة لبضائع متغيرة بتغير تكنولوجيا الإنتاج، ويٌعرّف مصدر جمركي هذه التعريفة بالقول: “هي عبارة عن تصنيف يجمع مختلف البضائع التي لم تُصنّف تصنيفا دقيقا وفق خصائص تقنية دقيقة، والهدف منها ترك للمتعامل الاقتصادي مجالا واسعا للتصريح لدى الجمارك بسعة البضائع والمنتجات الموجودة”.
وتحوّل وفق ذات المصدر، البند الجمركي “أخرى” خلال السنوات الأخيرة إلى وسيلة للتهرب الضريبي أو الإفلات من مختلف الإجراءات التي تسبق عملية الجمركة، وهو ما دفع بالسلطات الجزائرية إلى إعادة تنظيمها، مع العلم أن التعريفة الجمركية هي تعريفة دولية جاءت وفق الاتفاقية الدولية “الڨاط”، وتظلّ محل دراسات واستشارات دولية وتغيّر مستمر وفقا لنشريات دورية عادة ما تكون كل أربع سنوات.
وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني عبد القادر بريش في تصريح لـ”الشروق”، أن العارفين بالشأن الاقتصادي يُثمّنون الإجراءات الجديدة الخاصة بتنظيم الاستيراد، لاسيما ما يتعلق بإعادة ضبط التعريفات الجمركية المدرجة تحت البند التعريفي “أخرى”، وتحديدها في بنود جمركية خاصة.
ويشدّد بريش: “نحن مع مواصلة نفس الإجراءات الخاصة بضبط عمليات الاستيراد وترشيد وعقلنة النفقات ومحاربة عمليات تضخيم الفواتير، وفي تقديري هذه العملية ستٌمكّن من ضبط أفضل لعمليات الاستيراد سواء للسلع الموجهة للبيع على الحالة من خلال معرفة احتياجات السوق الوطنية أو بالنسبة للمواد الأولية والسّلع نصف المصنّعة ومستلزمات الإنتاج”.
ويضيف المتحدّث: “مهما تكن الإجراءات والجوانب التقنية المرتبطة بعملية تنظيم التعريفات الجمركية، يجب أن يظل الهدف الأساسي واحد وهو ترشيد الاستيراد والمحافظة على احتياطي الصرف وفي المقابل ألا يٌسجّل نقص كبير في بعض السلع والمواد الضرورية للاقتصاد”.
ويؤكّد بريش: “هذه السياسة ستحول دون وضع بعض المتعاملين في موقف احتكاري وتمكينهم من تحقيق أرباح خيالية على حساب القدرة الشرائية للمواطن، وبعبارة أخرى، لا للتقييد المفرط للاستيراد، ولا لفتح المجال لاستيراد مواد وسلع نحن في غنى عنها، إما لأنها منتجة محلّيا أو لأنها لا تدخل في المواد الضرورية التي يحتاجها المواطن”.
وكان اجتماع الحكومة نهاية الأسبوع المنصرم، قد ناقش عرضا قدمه كل من وزير المالية ووزير التجارة وترقية الصادرات حول نتائج عملية تطهير بعض البنود التعريفية للجمارك الجزائرية، حيث يهدف العرض إلى تقييم التدابير التي تم اتخاذها في إطار التحكم في التجارة الخارجية لاسيما اللجوء المفرط إلى توطين الواردات المذكورة في باب “أخرى”، مع تفادي الرموز الجمركية المعترف بها، وذلك لأغراض الغش وتضخيم الفواتير على وجه الخصوص.
وفي هذا الصدد، سمحت أشغال تطهير هذا الباب بإنشاء 295 بندا تعريفيا وطنيا جديدا وتعديل مضامين 327 بندا تعريفيا لتحديد أدق للمنتجات وإلغاء 48 بندا تعريفيا، بما يسمح بتحديد أهمّ المنتجات والبضائع التي تمثّل أكثر من 91 بالمائة من قيمة الواردات المحققة في هذا الباب.