-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الامتحان الذي نغفل عنه!

سلطان بركاني
  • 824
  • 0
الامتحان الذي نغفل عنه!

ربّما ينشغل العبد في هذه الدّنيا ببعض الامتحانات العارضة والمتكرّرة، عن أهمّ امتحان يخوضه في حياته؛ امتحان لا يشغل المؤمن عن الامتحانات الأخرى ما دامت لأجل ما أباح الله، لكنّ هذه الامتحانات يمكن أن تشغله عن هذا الامتحان الأهمّ، متى ما ضعف إيمانه وغفلت روحه. إنّه “امتحان الحياة”، والحياة كلّها من البلوغ إلى الوفاة، امتحان لا مناص من خوضه، يجتازه كلّ عبد أدرك سنّ البلوغ؛ الشابّ والشيخ والرّجل والمرأة، والطّبيب والمعلّم والأستاذ والطالب والمدير، والفلاح والبطّال.

هو امتحان إجباريّ، لكنّنا كثيرا ما نغفل عنه وننساه، وإن تذكّرناه فربّما لا نوليه من الاهتمام قدر اهتمامنا بامتحانات أخرى كثيرة.. ولعلّنا ندرك هذا التقصير من أنفسنا لو نظرنا كم منّا يجلس مع نفسه جلسة صدق في ساعة من ليل أو نهار ليسألها: يا ترى هل سأكون من النّاجحين في امتحان الحياة أم من الخاسرين؟ يا ترى ما هي علامتي في امتحان الحياة؟ هل هي فوق الصّفر أم تحته؟ هل حسناتي أكثر أم سيئاتي؟ أتراني أسير في طريق الجنّة أم في طريق النّار؟

أخي المؤمن.. بالله عليك، لو طُلب منك أن تدفع كلّ ما تملك لتعرف ماذا لك عند الله، أ كنت ستتأخّر عن ذلك؟ لا شكّ أنّك لن تتأخّر لحظة واحدة. فماذا لو قلتُ لك إنّك تملك ميزانا لا يكلّفك دينارا ولا درهما يُعرّفك بما لك عند الله. نعم إذا أردت أن تعرف ما لك عند الله، فانظر ما لله عندك؟ انظر ما حظّ الإسلام من حياتك؟ هل الإسلام هو ما يحكم قلبك في حبّك وبغضك ورضاك وسخطك؟ هل الإسلام هو ما يحكم معاملاتك؟ هل هو ما يحكمكِ في لباسكِ أيتها المؤمنة؟ هل الإسلام هو ما يحكم أسرتكَ أخي المؤمن؟ هل يهمّك أن يكون كلّ اختيار في بيتك ممّا يرضي الله جلّ وعلا؟ هل يهمّك أن يكون ما تشاهده زوجتك ويشاهده أبناؤك وبناتك على شاشة التلفاز وشاشات الهواتف ممّا يرضاه الله؟ هل يهمّك أن يرضى الله عن كلّ خروج تخرجه زوجتك؟ هل يهمّك أن يرضى الله عن سلوك وسمت أبنائك وبناتك؟

اجلس مع نفسك جلسة صدق وابحث عن الإسلام في قلبك ونفسك وروحك، هل يهمّك مستقبل هذا الدّين؟ هل يؤلمك ما يحدث لإخوانك المسلمين في فلسطين واليمن والسّودان وكشمير؟ ابحث عن الإسلام في جوارحك، وفي مالك الذي تطعم به عيالك. ابحث عن الإسلام بين جدران منزلك. ابحث عن الإسلام في تلفازك بيتك وفي هاتف جيبك. ابحث عن الإسلام في لباس بناتك وحال أبنائك.

إياك أخي المؤمن أن تنسى أنّ الحياة امتحان؛ المراقِب فيه ملكان لا يغادران صغيرة ولا كبيرة إلا أحصياها ((إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))، وفوقهما ربّ جليل لا تخفى عليه خافية. ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور)). القلم في هذا الامتحان هو الجوارح والورقة هي الصّحيفة، فانظر ما عساك تكتب في صحيفتك، فإنّ الموعد أمام ميزان يزن الشعرة والذرّة.

وأنت أيها الطّالب، يا من أنت مقبل على امتحان من الامتحانات المهمّة بعد أسابيع قليلة.. استعن بالله والجأ إليه -جلّ في علاه- لجوء صادق مخلص. حافظ على صلواتك في أوقاتها. حافظ على الأذكار وأكثر من الدّعاء والإلحاح فيه. ادع الله أن يثبّتك ويربط على قلبك، ويوفّقك، قل “اللهمّ لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا”.

ليس حراما ولا عيبا أن تلجأ إلى الله كلّما احتجت إليه وإلى توفيقه، ولكنّ الحرام والعيب أن تلجأ إليه وقت الحاجة وتنساه إذا قضيت حاجتك، كما قال سبحانه: ((وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون)). العيب أن تستعين بمولاك في أمور دنياك وتنساه في أمور دينك وآخرتك: ((فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب)).. استعن بالدّعاء وقت الأسحار، والمذاكرة في وقت الفجر فإنّها من أنفع ساعات النّهار. تجنّب السّهر إلى ساعات اللّيل المتأخّرة، فإنّ العقل في تلك السّاعات يكون في مرحلة أشبه بالخمول، والاستيعاب في تلك السّاعات قليل ويكاد يكون معدوما. تجنّب الإكثار من المنبّهات كالقهوة والشّاي. لا تجهد نفسك فوق طاقتها، وأعطها حقّها من الرّاحة من حين لآخر، فإنّ الرّاحة للجدّ جدّ.

اجتهد في النّجاح أوّل مرّة، ووطّن نفسك على ذلك، لكن لا تنس أنّ الامتحان الذي تخوضه ليس هو النّهاية، فهو امتحان يمكن تعويض خسارته في فرص أخرى إن أمدّ الله في عمرك، على عكس امتحان الحياة فهو فرصة وحيدة لا تتكرّر ولا تتاح مرّة أخرى.. اهتمّ بالامتحان الذي أنت مقبل عليه، لكن لا تعطه فوق ما يستحقّ فتضطرب وينتابك الخوف. أنت مطالب بتقديم الأسباب، والنتائج ليست بيدك، إنّما هي بيد من قسم بين عباده معايشهم وأرزاقهم وحظوظهم. والله الموفّق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!