الانتصار الأول
بغض النظر، عن الفائز بالاستحقاق الرئاسي، الذي عاش أجواءه الجزائريون يوم السبت، وبغض النظر عن البرنامج التنموي المقدم من المترشح السعيد، المُشرّف والمُكلّف من طرف الناخبين، فإن الانتصار الأول الذي تحقق يوم السابع من سبتمبر، هو الجو الهادئ الذي ميّز الحدث الانتخابي، منذ أن تقدم المرشحون إلى السباق، وباشروا حملتهم الانتخابية لاستمالة الناخبين، وفي يوم الامتحان، الذي يبدو أن الجميع قد أكرم فيه، ولم يكن منهم من أهين.
غابت هذه المرة أجواء العنف وحرق الصناديق والتدخل في حريات الناس، وغابت أصوات المقاطعة، من أجل المقاطعة، أو مسعى الأرض المحروقة ورائحة الأموال النتنة، واتهامات التزوير والتخوين، التي كان يعرفها السباق، كما غاب المترشحون الأرانب الذين كانوا يقفون إلى جانب من يسمى بمرشح السلطة، ينافسونه، وهم في الأصل جزء منه، يعرقلون منافسيه، ويفسحون له المجال للوصول وحيدا، فكان انتصارا مهما حققته الجزائر، نأمل في أن يتم تثمينه، حتى يصبح أسلوب انتخابات وحياة، يعيش على وقعه الجزائريون، ليس في الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية والمحلية فقط، وإنما في كل مجالات حياتهم المؤسساتية والاجتماعية والفردية، بعد أن تيقنوا من أن التعنتر واستعراض القوة، إنما عرقل مسار الدولة والشعب ولم يُفد أبدا.
ولم يترك المشهد الحضاري، لمواشي “البعبعة” ما تعلفه، وكانت ترعى في مثل هكذا مواعيد، من صور المقاطعة وحرق الصناديق ومنع الناس من التصويت وتمزيق الإعلانات والصور والقوائم، وحتى أصوات ما يسمى بالمعارضة، وغالبيتهم لا علاقة له بالمعارضة، من الذين تعوّدوا متابعة ما يحدث في الجزائر، لأجل التنظير ظنا منهم بأن لهم أتباعا، أو ظنا منهم بأنهم قادرون على إحباط الناس، لم يجدوا ما يقولون خلال الاستحقاق الرئاسي الحالي، و”أفضلهم” كان يهرّج وينكّت وأحيانا يطبّل ويزمّر، في مسرح من دون جمهور.
يشعر المتابع للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في السنوات الأخيرة في الجزائر، بأن الناس قد ملت من حالة الركود والسير إلى الخلف، وملت من معادلة الطعن والقذف واليأس والاستصغار والاحتقار، وصارت تنظر من حواليها، وتأخذ من النماذج الناجحة، وما حدث نهار أمس، هو وضع كريم للبنة البناء الحقيقي، الذي صار يتفق الجزائريون على هندسته، باختلاف آرائهم.
ارتقى المترشحون في تعاملهم بالفعل الانتخابي، إلى القمة، وارتقى المواطنون بردّة فعلهم وتجاوبهم إلى القمة، وسيجد الرئيس الطريق مفتوحا لتحقيق برنامجه في جو هادئ ومريح لم يسنح لرئيس آخر في تاريخ الجزائر التي حققت انتصارا مهما في مسارها.