“الانتقال إلى الطيران المستدام لم يعد خيارا.. وإذا لم نتحرك اليوم سندفع الثمن غدا”

كشف مدير الوكالة الوطنية للطيران المدني، بوالفلفل حسان، خلال لقاء حول الاستدامة في قطاع الطيران، عن التوجه الاستراتيجي للجزائر نحو تحقيق الاستدامة البيئية ومجابهة آثار التغير المناخي ضمن رؤية وطنية متكاملة توازن بين الالتزامات الدولية ومتطلبات التنمية.
وأكد أن هذا المسار يندرج في سياق الالتزامات التي قطعتها الجزائر في إطار اتفاق باريس والبرامج المعتمدة من قبل منظمة الطيران المدني الدولي “الإيكاو”.
وأوضح أن الوكالة، بصفتها هيئة تنظيمية، تضطلع بدور محوري في مواكبة التحولات الاستراتيجية، من خلال مساهمتها التقنية والتنظيمية، إلى جانب دورها السيادي في تأطير القطاع وضمان انسجامه مع الأهداف الوطنية، وعلى رأسها الاستدامة البيئية.
وأشار إلى أن الوكالة تواكب، بالتنسيق مع مختلف الشركاء، تنفيذ توصيات الإيكاو، خاصة ما ورد في الملحق 16 الجزء الثالث، والقرار الملزم A41-21 الذي تم اعتماده في أكتوبر 2022، والرامي إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050.
وأشار إلى أن هذا الهدف ينسجم أيضا مع ما أعلنه اتحاد النقل الجوي الدولي “إياتا” سنة 2021، والمتعلق بالتزام شركات الطيران الأعضاء بتحقيق الحياد الكربوني.
واعتبر أن بلوغ هذا الهدف يتطلب سياسات واقعية، واستثمارات ملموسة، وتعزيز التضامن المؤسسي، والتعاون الوطني والدولي. وأكد أن الطريق نحو طيران مستدام يمر عبر تبني تقنيات جديدة، وتحسين كفاءة الرحلات، وتحديث الأسطول الوطني، والتوجه الجاد نحو إدماج الوقود الجوي المستدام SAF في العمليات التشغيلية، مشيرا إلى أن هذا النوع من الوقود قادر على خفض الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 75 و84 بالمئة مقارنة بالوقود التقليدي، وهو ليس خيارًا بيئيًا فقط، بل خيار استراتيجي يعزز الاستقلالية والتنافسية ويؤهل السوق الجزائرية لمواكبة التشريعات الأوروبية والدولية القادمة. وشدد على ضرورة رسم خارطة طريق مرنة وطموحة تضمن انخراط الجزائر الكامل في هذا المسار، وفق ما تقتضيه مصالحها الاستراتيجية وموقعها الدولي.
وذكّر بأن نظام CORSIA، الذي أطلقته الإيكاو سنة 2016، سيعرف بداية مرحلة إلزامية سنة 2027، بعد مرحلتين تجريبيتين، حيث تُحتسب كل الانبعاثات التي تتجاوز خط الأساس، وتخضع لآلية تعويض صارمة، سواء عبر اقتناء أرصدة كربونية أو استعمال الوقود المستدام.
وأشار أيضًا إلى أن الاتحاد الأوروبي، الذي ترتبط به الجزائر عبر نسبة هامة من الرحلات، يتجه إلى فرض شروط أكثر صرامة، حيث وسّع منذ 2012 نطاق نظام ETS، ويتجه إلى تعميمه ليشمل الرحلات الدولية المغادرة من أوروبا بحلول 2027، كما أن مبادرة ReFuelEU Aviation تحدد نسبًا إلزامية لاستخدام الوقود المستدام، بدءًا من 2 بالمئة في 2025، وصولًا إلى 70 بالمئة في 2050، وهو ما يحتم التحرك العاجل لتفادي تبعات مالية أو إجرائية على شركات الطيران الجزائرية.
وأكد بوالفلفل حسان أن الوكالة الوطنية للطيران المدني، بصفتها المسؤولة الأولى أمام هيئات الطيران الدولية، ترى أن المرحلة الحالية تتطلب دون تأخير إعداد خطة خماسية تمتد على خمس سنوات، تستند إلى رؤية استراتيجية وطنية شاملة وواقعية، تقوم على الاستثمار الفوري في إنتاج وتوريد الوقود المستدام، وتحديث الأسطول الوطني، وتعزيز الشراكات مع مصنّعي الطائرات وموردي الطاقة والمطارات العالمية.
في هذا السياق، شدد على أهمية وضع الأسس لبنية تحتية مطابقة للمعايير الدولية مخصصة للهيدروجين، واستشراف آفاق الطيران الكهربائي وتكنولوجياته. وقال إن الإرادة السياسية موجودة والقرار السيادي واضح، من أجل جعل الجزائر قطبا طاقويا في الطاقات النظيفة، ما يجعل من الربط بين الالتزامات البيئية والطموحات الاقتصادية أولوية استراتيجية.
وأضاف أن الجزائر شرعت فعليًا في تحديث أسطولها بطلب 16 طائرة جديدة من طراز A330neo و737MAX، بما يسهم في تقليص الانبعاثات بنسبة تصل إلى 25 بالمئة، إلى جانب تقليل وزن الطائرات، اعتماد المسارات المباشرة، وإجراءات الهبوط الموفرة للوقود، إضافة إلى تعزيز الرقابة البيئية وتشجيع إعادة تدوير نفايات الطائرات وتحويل الزيوت المستعملة إلى وقود حيوي.
وختم بالقول إن هذا الالتزام البيئي يعكس مساهمة الجزائر المحددة وطنيا لخفض الانبعاثات بنسبة 22 بالمئة بحلول 2030، بما يشمل قطاعات النقل والطاقة، مؤكدًا أن التحول إلى طيران مستدام يمثل فرصة لبناء منظومة طيران وطنية تنافسية ومسؤولة.