-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التاريخ‮ ‬أولا‮..‬

الشروق أونلاين
  • 1825
  • 0
التاريخ‮ ‬أولا‮..‬

لا يريد الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن يفهم أن مشكلته مع الجزائر لا يجب أن يحلها من النهاية، متجاهلا بذلك مطالب الجزائريين الذين لا يريدون منه سوى ا لإعتذار باسم الدولة الفرنسية عن جرائمها البشعة التي ارتكبتها في الجزائر لأكثر من قرن من الزمن.
نسيم‮ ‬لكحل
أما وأن يصر شيراك على تجاهل كل هذه المطالب والمشاعر والآلام، ويريد أن تكون علاقاته مع الجزائر مبنية على طي صفحات الماضي وتجاهل مشاعر الملايين، فإنه ربما أعلم من غيره بأن هذا النوع من العلاقات لا يمكن أن تقوم له قائمة ولو بعد حين.
الجزائر هي كذلك في فلسفة الرئيس الفرنسي قطعة أرض مليئة بالخيرات وحيز جغرافي يمنح الكثير من فرص الإستثمار والإستهلاك لبلاده، وليست شعبا ووطنا له تاريخه وله مستقبله الخاص به، الذي يرى شيراك أنه لا يجب أن ينفصل عن مستقبل فرنسا التي تحن دوما إلى ماضيها الإستعماري الوحشي بدليل أنها ترفض إلى اليوم وبعد عشريات كاملة أن تعترف به أولا ثم تعتذر عنه، وتصر أن ما حدث في الجزائر طوال الفترة الإستعمارية هو ماض أليم مشترك بين البلدين، ولم نفهم إلى اليوم نحن كجزائريين ما هو الألم الذي يشترك فيه معنا الفرنسيون، مادام الأمر هنا‮ ‬يتعلق‮ ‬بجلاد‮ ‬وضحية،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن‮ ‬بأي‮ ‬حال‮ ‬من‮ ‬الأحوال‮ ‬أن‮ ‬يحس‮ ‬الجلاد‮ ‬بالألم‮ ‬الذي‮ ‬يحس‮ ‬به‮ ‬الضحية،‮ ‬اللهم‮ ‬إلا‮ ‬إذا‮ ‬كان‮ ‬هذا‮ ‬الجلاد‮ ‬هو‮ ‬المستعمر‮ ‬الفرنسي‮ ‬والضحية‮ ‬هو‮ ‬الشعب‮ ‬الجزائري‮ (!).‬
لماذا يراسل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بوتفليقة ويبعث له بعبارات الغزل والكلام المعسول، ساعات قليلة فقط بعد ما سبقه إلى ذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن؟ ألا يُفسر هذا بأن شيراك لا يرى في الجزائر سوى قطعة أرض ينافسه حولها الأمريكيون، بل ويهددون مصالحه ومصالح‮ ‬الشركات‮ ‬الفرنسية‮ ‬التي‮ ‬تتبنى‭ ‬نفس‮ ‬هذه‮ ‬النظرة‮ ‬الإستعمارية‮ ‬في‮ ‬شكلها‮ ‬الجديد‮.‬
عندما يقتنع الفرنسيون بأن مشكلتهم مع الجزائر يجب أن تحل أولا من البداية وليس من النهاية، وهذه طبيعة الأشياء، وعندما يفهمون أن التاريخ قبل الإقتصاد، والإعتذار عن الماضي الأليم للجزائر وليس المشترك، قبل المستقبل المشرق الذي يحلمون به، وعندما تكون لهم الشجاعة الكافية لتجريم أفعالهم في الجزائر تماما مثلما كانت لهم الشجاعة لتجريم كل من ينفي تعرض الشعب الأرمني إلى إبادة جماعية على يد الأتراك في الزمن العثماني، هناك فقط يمكن أن نبدأ معهم من النهاية ونطوي صفحات التاريخ، وتمنح لهم كل التسهيلات.. أما إذا أصروا على تغطية‮ ‬الشمس‮ ‬بالغربال‮ ‬والهروب‮ ‬إلى‭ ‬الأمام،‮ ‬وأصروا‮ ‬على‭ ‬منطق‮ ‬الوصاية‮ ‬الأبوية،‮ ‬فسوف‮ ‬يأتي‮ ‬عليهم‮ ‬زمان‮ ‬يندمون‮ ‬على‭ ‬كل‮ ‬لحظة‮ ‬أصروا‮ ‬فيها‮ ‬على‭ ‬الإثم،‮ ‬ثم‮ ‬يعتذرون‮ ‬ولا‮ ‬يقبل‮ ‬اعتذارهم‮.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!