-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التحضير للتحرير الثاني من الاستعمار الفرنسي

حبيب راشدين
  • 2143
  • 12
التحضير للتحرير الثاني من الاستعمار الفرنسي
الشروق أونلاين

من بين ما ينبغي الإسراع في استشرافه من تداعيات جائحة كورونا، وما تخفيه من انهيار مرتقب في النظام العالمي بشقيه السياسي والاقتصادي، واجب علينا استشراف طبيعة العلاقات المستقبلية مع المستعمِر القديم، الذي لم يستوعب – بعد مرور قرابة ستة عقود منذ توقيع اتفاقيات إيفيان واستعادة الجزائر سيادتها – مقدار الجروح التي خلّفها قرنٌ وثلث قرن من الاستعمار الاستيطاني البغيض، وجرائمه التي لا يطالها التقادم، لم تساعد السياسات النيوكلونيالية لجميع الحكومات الفرنسية المتعاقبة على طي صفحاتها، وتخفيف وطـأتها على الذاكرة الجمعية للجزائريين.

الاستشراف يكون حتما على مستويات أربعة: سياسي، اقتصادي، وثقافي، وتاريخي، تختزن في مجملها تركة مثقلة بالصراعات والمواجهات المفتوحة، حالت دون بناء علاقات طبيعية بين البلدين والدولتين، على قدر من الندّية والاحترام المتبادل.

على المستوى السياسي، يُفترض أن نقطع حبل الرجاء من النُّخبة الفرنسية الحاكمة، التي ستبقى حبيسة الإرث الاستعماري، ولم تتقدم خطوة واحدة نحو التحرُّر من هذا الإرث طيلة ستة عقود، بل نراها تسير من السيئ إلى الأسوأ، تجترُّ في السر والعلانية مرارة فقدان الفردوس الجزائري، ويكفينا في هذا المقام أن نخرج فرنسا من جميع حسابات الربح والخسارة، فنتعامل معها في الحد الأدنى، كدولة معادية بالفطرة، لا يُؤتمن جانبها كيفما ما كان تغيُّر خطابها الرسمي المعلن المتلوِّن، حسب ما تمليه مصالحها.

فرنسا ليست أقل سوءا من الكيان الصهيوني بجميع المقاييس، خاصة وإنها ما تزال تمارس سياسة عدوانية على حدودنا في الغرب والشرق والجنوب، وتعيد نشر نفوذها الاستعماري في منطقة الساحل، في ما يشبه التطويق العسكري والأمني للجزائر، محاوِلة فصلنا عن بُعدنا الإفريقي، مع دعمها السياسي الدبلوماسي والعسكري المعلن للجارة المغرب في ملف الصحراء الغربية، الذي تتخذ منه بؤرة مستدامة للضغط السياسي، والأمني، والعسكري على الجزائر.

وأمامنا فرصة سانحة لمقارعة هذه العدوانية الفرنسية، في ما يُستشرف من تحوُّلات كبرى داخل الاتحاد الأوروبي، وتراجع متوقع لمستوى النفوذ الفرنسي في تحديد الاتحاد لعلاقاته مع العالم، ومع منطقة شمال إفريقيا، وتنامي الحضور الصيني والروسي، بل وبروز مؤشرات كثيرة عند بعض الدول الغربية مثل: إسبانيا، وإيطاليا، وحتى ألمانيا، نحو تحرير السياسة الأوروبية في المنطقة من الإملاء الفرنسي.

معركة المواجهة الأولى في المرحلة القادمة، تكون حتما في الساحة الاقتصادية، بالعمل على مراجعة علاقاتنا الاقتصادية مع هذا البلد، وفرض قدر من التوازن في ميزان المدفوعات معه، وحرمانه من كثير من الامتيازات التي مُنحت له في السابق دون مقابل، خاصة وأن التغييرات المتوقعة في منظومتنا الاقتصادية، سوف تساعد حتما على تقليص الحاجة إلى السوق الفرنسية، سواء من جهة صادراتنا من النفط والغاز، أو من جهة الحاجة إلى الصناعات والخدمات الفرنسية، التي لا تتمتّع بأي ميزة تنافسية، حتى مع نظيراتها الأوروبية.

غير أن المواجهة الموجعة لفرنسا، سوف تكون بلا شك في الساحة الثقافية، وعلى رأسها مراجعة المكانة الممنوحة بغير حق للفرنسية في منظومتنا التعليمية، وفي كثير من الإدارات التي نجح فيها “حزب فرنسا”-  دون مقاومة – تُذكر، في تعطيل قوانين تعريب الإدارة والمحيط، ونجاحه الباهر في إعادة وضع اليد على المنظومة التعليمية في جميع أطوارها، وعلى الفضاء الثقافي والإعلامي.

وفي هذا السياق، أمامنا فرصة لا تعوَّض بمناسبة مراجعة الدستور، لإعادة تعضيد الهوية اللغوية للجزائر، ووضع قيد دستوري دائم، يمنع العابثين من صناعة “ضرّة” مستدامة للساننا العربي، مع إخضاع الانفتاح اللغوي المطلوب لمبدأ النجاعة، ولمنسوب الانتشار والتداول في الاقتصاد والعلوم.

كما أن التعديل الدستوري القادم، سوف يوفر لنا فرصة معالجة ملف الإرث الاستعماري، بتضمين إدانة دستورية واضحة للحقبة الاستعمارية ولجرائمها، تشكل في المستقبل مرجعية ضابطة لعملية إعادة كتاب تاريخ الحقبة الاستعمارية، والحاجة إلى تثبيت جرائمها التي لا تقبل التقادم، مع احتفاظ البلد بحق ملاحقة الدولة الفرنسية أمام المؤسسات القضائية الدولية، وتحرير جميع المبادرات المطالِبة بالتعويضات المادية والمعنية، لتعلم الأجيال القادمة أن بين الجزائر وفرنسا دينا مثقلا بأكثر من خمسة ملايين ونصف مليون ضحية، وخسائر مادية تقدر بـ1700 إلى 2200 مليار دولار، تعادل الدخل القومي الخام لفرنسا اليوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • العربي مستغانم

    اول شئ هو الغاء الفرنسية من الادارة والتلفزيون

  • tadaz tabraz

    ... التحرر من الاستعمار يكون يوم نشمر على سواعدنا ونعتمد على أنفسنا وننتج غذائنا ودوائنا وكل حاجياجاتنا والتحرر من الاستعمار يكون يوم نبرهن لذات الاستعمار أننا شعب بالغ . واعي . منضبط وشعب يقدس العمل والعلم بدلا من الخرافات والشعوذة والثرثرة .. الخ ثم كيف نتحرر من الاستعمار ونحن لم نتمكن من تحرير أنفسنا من التبعية لسعر برميل النفط ومنذ 60 سنة وكيف نتحرر من الاستعمار ونحن لا نزال نقتات من مستشفيات بناها هذا الاستعمار منذ 150 سنة فأكثر وكيف نتحرر من الاستعمار والجزائريين يعبرون البحر بقوارب الموت اليه وكيف نتحرر من الاستعمار و 30 الف حراق جزائري يعيش في بيت ذلك الاستعمار … أمر عجيب

  • TADAZ TABRAZ

    التحرر من الاستعمار يكون يوم نشمر على سواعدنا ونعتمد على أنفسنا وننتج غذائنا ودوائنا وكل حاجياجاتنا والتحرر من الاستعمار يكون يوم نبرهن لذات الاستعمار أننا شعب بالغ . واعي . منضبط وشعب يقدس العمل والعلم بدلا من الخرافات والشعوذة والثرثرة .. الخ ثم كيف نتحرر من الاستعمار ونحن لم نتمكن من تحرير أنفسنا من التبعية لسعر برميل النفط ومنذ 60 سنة وكيف نتحرر من الاستعمار ونحن لا نزال نقتات من مستشفيات بناها هذا الاستعمار منذ 150 سنة فأكثر وكيف نتحرر من الاستعمار والجزائريين يعبرون البحر بقوارب الموت اليه وكيف نتحرر من الاستعمار و 30 الف حراق جزائري يعيش في بيت ذلك الاستعمار ... أمر عجيب

  • أستاذ هرب من مدرسة منكوبة

    الجزائر لن يحررها الجهل المتفشي في عقولنا والذي للأسف ينتشر بسرعة البرق وذلك ما يتأكد يوم بعد اخر وخاصة مع هبوب رياح الكورونا . والجزائر لا تحررها الكراهية والأحقاد... التي يعمل على نشرها ذوي العقول الخاوية والنفوس الضعيفة. والجزائر لن يحررها الكسل والتطفل والتحايل والغش والبلطجة والعنف والتطرف ... التي تحولت كلها الى ثقافة يتباهى بها الجزائريين داخل وخارج الوطن . والجزائر لن تتحرر بالغرور الذي قد يزهر لكنه لا يثمر والجزائر لن تغادر الحفرة الا للدخول في النفق الذي لن تغادره الى للولوج لنفق أخر أكثر منه عمقا وقتامة ما دام الكساد استشرى في عقولنا بل حتى في عروقنا

  • أستاذ متقاعد

    نحن أمة نهوى الثرثرة مما حولنا الى مجرد ظاهرة صوتيّة و نحن أمّة تعشق التخلّف حدّ الجنون ونحن أمة تنكرت لجذورها وهويتها ونحن أمة تعشق التشريق والتّغريب وتهوى التقليد حتى النّخاع نحن أمة عقولها أصابها الكساد .... والنتيجة أننا أمة فاشة بكل المعايير

  • ALMANZOR

    العلاقات الفرنسية الجزائرية أعقد مما تتوقع يا سي راشدين. فرنسا تملك ملفات فساد ثقيلة تخص بعض المسؤولين الجزائريين، و لولا ذاك لما تجرأت علينا. وأما عن الأزمة الثقافية و الأخلاقية للشعب الجزائري، فنحتاج لعقود حتى نحلها و لن تحلها مسودة الدستور.
    يجب على الجزائريين أن يتصالحوا مع تاريخهم و مع هويتهم فهذا هو الوتر الحساس الذي يركز عليه المسؤولون الفرنسيون

  • أحمد

    تحية لك استاذ راشدين، ثق تماما أن هذا ما سيكون بإذن الله. فالكثير من المؤشرات تؤكد ذلك، أهمها تراجع حصة المستدمرين الفرنسيين في السوق الجزاءرية إلى حدود تسعة بالمئة فقط، مقارنة بما يقارب ستون بالمائة سابقا وفقا لبعض التقديرات. والمؤشر الثاني طبعًا هو سقوط خُدَّام فرنسا الكبار(العملاء) والباقية ستأتي توالا. أما المؤشر الثالث فهو الصُعار الذي أصاب السلطات الفرنسية مند اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود في حراك الجيش وشعبه، حيث ايقنت هذه الدولة الاستدمارية أنه لم يعد لها موضع قدم في بلد المخلصين في هذه الارض الطيبة المحمدية الطاهرة. تقبل الله صيامك استاذ راشدين وبارك في عقلك وفي قلمك.

  • TADAZ TABRAZ

    الثرثرة عبءٌ نفسي يزعج الآخرين وخاصة حين نعلم أن التقدم والحضارة هما نتيجة جهود عبقرية الأقلية لا نتيجة ثرثرة الأكثرية ... ومنبر الإنسانية قلبها الصامت لاعقلها الثرثار

  • جزائر العجائب

    التحرر من الاستعمار يبدأ بتحرر العقول من الجهل لتتحرر القلوب بعد ذلك من الأحقاد والكراهية .... يومها فقط يمكن التحرر من الاستعمار والعبودية

  • ابن الجبل

    حلمك بعيد المنال . أنت في الواد والواقع في واد آخر !.

  • elarabi ahmed

    الحرية بالتقسيط تعنى العبودية بالجملة -هده هي الدساتير الأنظمة الشمولية

  • مواطن

    سننتهي من سيطرة فرنسا حين ينقرض أو يعزل ذلك القسم من شعبنا الذي أشرب حبها و ثقافتها مثلما أشرب جزء من بني إسرائيل في قلوبهم العجل. و تنتهي حين تعلم كل الدول الأخرى على غرار ألمانيا و انجلترا و الولايات المتحدة و روسيا و الصين و اليابان... أن مصالحها في الجزائر لا تمر عبر باريس و لا تتأثر برأي أو رضا أو سخط باريس (الرسالة يجب أن تصلهم واضحة و أولها عدم مخاطبتهم باللغة الفرنسية تحت أي ظرف) . و ستنتهي حين نملك جرأة المواجهة و الانتقال للهجوم مع التخطيط و الحكمة و الدهاء. الفريق الوطني بدأ يفوز حين غير خطته من الدفاع و الهجمات المرتدة الى استراتيجية الاستحواد و الضغط و الهجوم المستمر.