-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التوابيت التي رسَّخت الثوابت

عمار يزلي
  • 809
  • 3
التوابيت التي رسَّخت الثوابت
ح.م

عيد الاستقلال والشباب هذه السنة، كان مميزا ومتميزا من حيث الحدث ومن حيث الأحداث: لعل ذكرى 5 جويلية لعام 2020، لا تضاهيها إلا ذكرى 5 جويلية 62، من حيث رمزية ودلالة المعنى الجديد لتخليد هذا اليوم المجيد للجزائر الجديدة.

استعادة رفات بعض رموز المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي بعد أكثر من 170 سنة على نفي وسجن رفاتهم الطاهرة في متحف خلف البحار، كان العنوان المميز للمناسبة، عنوان كشف عن وصمة العار التي طبعت على جبين “الإنسان” الفرنسي في متحف “الإنسان”. متحف مثل بجثامين رموزنا الوطنية وذاكرتنا التي تمثل كرامتنا وعزتنا وأنفتنا العالية لعقود.. متحف عرض في عرض عامّ جماجم أجدادنا، كما لو كانت قطعا أثرية أو أجزاء لكائنات غريبة بغرض تحطيم كبريائنا المتعالي في الكبر.. كان عرض الجماجم بهذه الصلافة، ألعن من إقدام جيوش فرنسا “البواسل” على جرم التمثيل بالجثث بعد فصل رؤوس الشهداء عن أجسادهم الطاهرة على رؤوس الأشهاد.

رموزنا وذاكرتنا التي تعرَّضت للتنكيل كان وقعه علينا أكبر من لحظة التصفية الجسدية، فهم قد التحقوا بجوار ربهم شهداء، أحياء عند ربهم يُرزقون.. التنكيل بالجثة والعرض المخزي للجماجم بعد تهريبها ونفيها وسجنها في متحف، يعدُّ أخزى عمل تقوم بها الذاكرة الاستعمارية التي لا تزال شغالة وأكثر… وهذا، في فرنسا المتغنِّية بـ”الفروسية الحربية” والشهامة العسكرية، التي يدرِّسونها في سانسير وفي كل الكليات الحربية.. والمتشدقة بحقوق الإنسان والحرية والعدالة والأخوَّة.. الخاوية.. فرنسا الوجه الآخر للجُرم الإنساني الدامي فينا.

هذا وجهُ فرنسا القبيح يظهر اليوم على محياها الميت، عبر لحظة لم نكن نتوقعها وسعدنا أننا عشناها.. لحظة فارقة وشهادة شاهد ومشهود لمشهد غير مشهود.. عندما تمكَّنت “الجزائر الجديدة” في لحظة ميلاد، من استعادة كرامة الأجداد من شهدائنا الأمجاد:

إنه انتصارٌ لكرامتنا جميعا، آباء وأحفادا..

عيدٌ مميز بمعناه وبمغزاه وفي حدِّ ذاته كذكرى وكحدث: إنها نقطة أخرى تُحسب لرئيس الجمهورية الذي وعد فأوفى، وما زالت الوعود توفى.. كما تحسب لكل الخيِّرين من أبناء

هذا الوطن من قيادات عسكرية، شعرنا أنهم يكادون يذرفون الدموع في هذا الجوّ المهيب لاستقبال النعوش ويوم مواراتهم تراب البلد في مربَّع الشهداء بالمقبرة العالية.

كان الجو مهيبا ورهيبا، وكان ذلك باديا على الأوجه وفي قلوبنا جميعا.. شعورٌ تختلط فيه مشاعر الأسى والنقمة من جهة، والفرح والاعتزاز من جهة أخرى. رأينا الدموع محبوسة في المآقي وشعرنا بحشرجة في حلق قائد الأركان وهو يمجِّد عظيم صنع جنرالات الأمس مجد جنود وجنرالات اليوم.. مدنيون ورؤساء ومرؤوسون.. كنا نشعر أن هذه التوابيت المحمولة على أكتاف أشبال جيشنا الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير بالأمس القريب، الذي هو أيضا سليل جيوش المقاومة الشعبية الوطنية بالأمس البعيد.. على مرأى من الرُّؤساء والقيادات العسكرية والمدنية، هذه التوابيت هي التي تعزِّز اليوم ثوابتنا الوطنية التي لا حياد ولا مناص ولا تنصل منها.. هذه التوابيت هي من رسَّخت الثوابت.

كان يوما جديدا لفجر جديد لجزائر جديدة.. كان هذا شعورنا جميعا، إلا من في قلبه مرض أو من حبُّه لغير رائح هذه الهواء ولعبق غير عبق هذه الأرض المروية بدماء هؤلاء الشهداء عبر أجيال وقوافل الشهداء.

هي مجرَّد خطوة، تتلوها حتما خطواتٌ أخرى من أجل استرجاع كرامتنا كجزائريين أبا عن جدا.. وانتقالا إلى الأحفاد..

تلك هي رمزية ذكرى 5 جويلية لهذه السنة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • من الحراك

    الي المعلق 1
    الجزائر يا اخي حررها ابناؤها لاالمصريين ولاغيرهم اسال جبال جرجره والاوراس والونشريس تخبرك عن الثوار والثوره العلمانيون الاسلاميون الشيوعين الجزائريين كلهم شاركوا في الثوره الجيده واغلب قاده الثوره يحسنون لغه المستعمر وهده حقيقه تاريخيه لامفر منها ثورتنا لم يحررها جمال عبد الناصر كما تزعمون

  • Rezak

    فعلا توابيت رسخت ثوابت ، لكن ما يحدث أننا في زمن سلط الله علينا ثوابت رسخت توابيت

  • قل الحق

    هل يفهم العلمانيون اخيرا ان هؤلاء الابطال الذين قدموا ارواحهم فداء لهذا الوطن كانوا من خريجي التعليم الشرعي الاسلامي و الذي لولاه لما هبوا للدفاع على الوطن، الاسلام هو الذي جعل الدرقاوي المصري يكون بين هؤلاء و يدافع عن الجزائر و يقدم حياته فداء لها، هل بقي من حجة لمن يريدون ازاحة الثوابت من الدستور و لا سيما المادة 2، لقد اصبحت اجنداتهم واضحة، بيع الجزائر لا غير.