-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الثقافة في وضع متسلل!

الثقافة في وضع متسلل!
أرشيف

خلال لقاء تحضيري لموسم الاصطياف، بقصر الأمم بنادي الصنوبر، قال السيد وزير الثقافة الشاعر عز الدين ميهوبي كلاما غريبا، عن مشروع غريب، سيعتمد فيه على الفنانين الجزائريين فقط في كل المهرجانات التي ستقام مستقبلا في الجزائر. والغرابة لا تتوقف عند هذا الخبر، وإنما في تبريرات السيد الوزير، الذي قرن هذا القرار بالترويج للفنانين الجزائريين، وخفض المصاريف على طريقة اتحاد كرة القدم في زمن زطشي، والمُقال رابح ماجر، اللذين أرادا الاعتماد على المنتج المحلي، فصارا يخسران أمام جزر الرأس الأخضر، في عُقر الديار وكان من سبقوهما يقارعون الألمان خارج الديار.
لا أحد فهم العلاقة ما بين انخفاض سعر النفط، وعدم الاعتماد على نجوم الفن العربي والغربي، في مختلف المهرجانات المقامة في الجزائر على قلتها، ففي تونس والمغرب، وهما بلدان لا يمتلكان قطرة بترول، لا تجد العشرات من المهرجانات الدولية أي صعوبة في دعوة أشهر الفنانين بمن فيهم الجزائريون، الذين يتوسلون الغناء في الجزائر من أمثال حميد بارودي وسعاد ماسي، وتستعد بلدة بنزرت الصغيرة في تونس لاحتضان دورة جديدة من مهرجانها الدولي في حضور أشهر الفنانين والفنانات العرب والغربيين من دون طرح مشكلة الترويج لفناني تونس، أو المصاريف التي من المفروض أن تتكفل بها الشركات الاقتصادية والإعلامية والسياحية الناشطة في تلك البلدة، فتُقدم الوزارة المعنية بالفعل الثقافي بالاتصال بها وإقناعها بالتكفل المادي بمثل هذه المهرجانات التي يشدّ إليها الجزائريون بمن فيهم رجال الفن، الرحال، فرادى وجماعات، في غياب المهرجانات الثقافية الناجحة في بلادنا.
تُعرّف الثقافة في عُرف مختلف المنظمات الدولية مثل اليونيسكو والأليسكو والآيسيسكو على أنها السِّمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز المجتمعات من فنون وآداب وقيم وتقاليد تمكّن الإنسان من التفكير في ذاته والنقد ليمارس الاختيار، وجميع التعريفات تنبذ الانغلاق على النفس، ووضع حدود للثقافة أو جغرافيا تفصلها عن بقية الثقافات، وواقع الحال يؤكد أن الجزائريين متفتحون، وأشهر فنانيهم وأدبائهم الذين تألقوا سواء في المشرق أم في أوروبا، إنما الذين احتكّوا بالآخر، فأخذوا من هذا ألحانهم، ومن ذاك أشعارهم ومن هذه الدار طِباعتها، كما استضافت الجزائر، وأسهمت في نجاح العديد من الأدباء والفنانين ومنهم أحمد فؤاد نجم ومارسيل خليفة وسليمان العيسى وآلبير كامي ونصر الدين ديني. وسيدفن السيد الوزير الآداب والفنون في الجزائر بشكل رسمي، لو طبّق هذا المشروع الغريب، كما فشل الذين نادوا بشعارات “البس واسكن جزائريا” و”كل جزائريا”، فأتعبهم العُري والعراء والجوع، واقتنعوا بأن الإنتاج الوطني لا يمكنه التطور إلا في وجود الإنتاج الأجنبي.
قرأت للسيد وزير الثقافة حوارا قديما بالتأكيد يذكره، فيه بعض الحميميات عن أفضل فيلم شاهده وأجمل أغنية أمتعته وأحسن كتاب وقصيدة شعر قرأها، فذكر السيد الوزير أم كلثوم وماجدة الرومي وأحمد شوقي وإيليا أبا ماضي ومنى واصف، ولم يذكر أيًّا من الذين قرّر فجأة الترويج لهم، على حساب الذوق والمنطق.. والثقافة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!