الجزائر ترافق إفريقيا للإنعتاق من الاستعباد الاقتصادي الفرنسي

قد يستغرب البعض إن قلنا إنّ هناك 15دولة في إفريقيا تستعمل عملة موحّدة أسسها المستعمِر الفرنسي بموجب نظام مصرفي خاص يسمى “منطقة الفرنك”، وهو نظام استُحدث للمرة الأولى في 1939 لجمع كل المستعمرات التي كانت تحكمها آنذاك الامبراطورية الفرنسية ليُطوَّر في أعقاب نشأة النظام النقدي العالمي “بروتن وودس” وتحديدا في 1945 في عهد شارل ديغول، لتدخل عليه مجموعة من التعديلات التي كان هدفها دوما تضخيم استفادة فرنسا من مستعمراتها سواء في 1963 أو في 1994، إذ استُحدث ما أصبح يعرف بـ”الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا”، أو في 2019 في عهد ساركوزي بمناسبة تعديل التسمية العملة إلى “الايكو” مع بقاء نفس النيات التاريخية الخبيثة.
قمة الاستغلال الاقتصادي الفرنسي للأفارقة
ضُبطت قيمة الفرنك الإفريقي وفق الفرنك الفرنسي حصرا دون القدرة على تغييره إلى أي عملة آخرى إلا من خلال العملة الفرنسية حتى بعد دخول اليورو حيز الخدمة، بل أن الأهم من هذا كله أن الفرنك الإفريقي يطبع ويصكّ حصرا في فرنسا، ويحق تحويل أموال المستثمرين الأجانب في الدول الإفريقية العضوة في الفرنك الإفريقي إلى الخارج من دون قيد أو شرط، ولكم أن تتصورا حجم الخيرات التي يحرم منها أبناء هذه الدول.
باريس كانت تستنزف مقدرات كل الدول المستعملة للفرنك الفرنسي، وكانت كل دولة تحاول الفكاك من هذا القيد تتعرَّض لمؤامرات تطيح بأي محاولة جادة للخروج من شرَك أحفاد ديغول، ولعل ما حدث في غينيا مطلع سنة 1960 بعد أن قررت إصدار عملة وطنية منفصلة، من عمليات تخريبية وإغراق الأسواق بالعملات المزوَّرة، دليلٌ على لؤم المستعمِر الفرنسي، وهو ما تكرر في 1984 في بوركينا فاسو إذ حاول الرئيس آنذاك توماس سانكارا قطع العلاقات مع فرنسا، فتعرَّض للاغتيال.
ولعل الاتفاقية المنظمة لهذه العملة تؤكد على أن لمستعمر الأرض بالأمس والمسيطر اقتصاديا اليوم، الحق في الهيمنة على احتياطات العملة الصعبة لهذه الدول ووضعها بشكل كامل في البداية في البنك المركزي الفرنسي بحجة المحافظة على استقرار الفرنك الإفريقي، ثم تراجعت هذه النسبة إلى حدود 50 بالمئة، مع الأحقية في تعيين عضوين فرنسيين في مجلس إدارة البنوك المركزية لهذه الدول مدعمين بحق النقض.
ما هي البلدان التي تدخل ضمن هذا السياق؟
بالعودة إلى موقع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية في مقال بعنوان “التعاون النقدي بين إفريقيا وفرنسا: فرنك الجماعة المالية الإفريقية”، نجد أن منطقة الفرنك وفق عنوان هامشي في نفس المقال موسوم بـ”ما هي البلدان التي يشملها فرنك الجماعة المالية الإفريقية؟” مقسمة إلى ثلاثة أقسام، وأنقلها كما وردت في موقع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي:
• منطقة الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا التي تضم8 دول أعضاء وهي بينين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو. وتستخدم تلك البلدان فرنك الجماعة المالية الإفريقية لغرب إفريقيا.
• منطقة الاتحاد النقدي لوسط إفريقيا التي تضم 6 دول أعضاء وهي الكاميرون والكونغو وغابون وغينيا الاستوائية وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد. وتستخدم تلك البلدان فرنك الجماعة المالية الإفريقية لوسط إفريقيا.
• يستخدم اتحاد جزر القمر الفرنك القمري.
ولعل المتابع للشأن الإفريقي يفهم الآن لماذا ثارت دولة كمالي ضد الفرنسيين؟ ولماذا يكنُّ الماليون كل ذلك الكره والضغينة ضد الفرنسيين، كما هو الحال في بوركينا فاسو والنيجر وغيرها من الدول الإفريقية؟ ببساطة لأن باريس كانت تستنزف مقدرات كل الدول المستعملة للفرنك الفرنسي، وكانت كل دولة تحاول الفكاك من هذا القيد تتعرَّض لمؤامرات تطيح بأي محاولة جادة للخروج من شرَك أحفاد ديغول، ولعل ما حدث في غينيا مطلع سنة 1960 بعد أن قررت إصدار عملة وطنية منفصلة، من عمليات تخريبية وإغراق الأسواق بالعملات المزوَّرة، دليلٌ على لؤم المستعمِر الفرنسي، وهو ما تكرر في 1984 في بوركينا فاسو إذ حاول الرئيس آنذاك توماس سانكارا قطع العلاقات مع فرنسا، فتعرَّض للاغتيال هو و12 من مساعديه، والفاعل وإن كان مجهولا ظاهرا إلا أنه معروف وواضح لكل لبيب.
لماذا الجزائر بوصلة إفريقيا؟
يظن البعض أنه من السهل فكّ الارتباط بين فرنسا المستعمِرة والدول الإفريقية، لكن التاريخ أثبت أن الأمر صعبٌ ومعقد، ولهذا جعلت الجزائر تعمل بصدق مع بعض الشركاء الأقوياء في القارة السمراء، لتطوير مؤسسات الإتحاد الإفريقي واستحداث مؤسسات أخرى وذلك لصناعة بدائل جاهزة للدول الإفريقية التي انتفضت شعوبها وأعلنت بكل صراحة القطيعة مع الإليزي، وهنا نفهم رؤية الجزائر في استحداث الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية مطلع 2020، والتي تضطلع بإنجاز مجموعة من البرامج في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والتربوي والعلمي، والتي وإن كانت رؤيتها عالمية إلا أن تركيزها سيكون بالتأكيد على إفريقيا لتكون بديلا جاهزا قادرا على سد الفراغات التي سيتركها الاستعمار الاقتصادي، ومثل هذه الوكالة ستكون في عون الدول الإفريقية الراغبة في الخروج من عباءة الاقتصادية للإليزي، حالها حال “الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء التي دعمتها الجزائر لتكون بديلا إفريقيّا لنظيرتها العالمية، بل ضخّت فيها مليون دولار أمريكي كبادرة حسن نية تؤكد من خلالها الجزائر أنها تريد أن تساعد الدول الإفريقية على التحرر من الشرك الفرنسي والنهوض بإقتصادها، خاصة أن الجميع يعلم حجم الاستفادة الفرنسية من الخيرات الإفريقية، ويجب أن لا ننسى مبادرة الجزائر في مجال التعليم والتكوين المهني من خلال تقديم 2000 منحة في التعليم العالي و500 في التكوين المهني للدول الإفريقية.
لا يمكن أن تكون قويًّا إن كان جارك ضعيفا، حقيقة مؤكدة فهمتها الجزائر وتسعى إلى تطبيقها في إفريقيا في رؤية لتحقيق نهضة متوازنة داخل القارة السمراء يستفيد منها الجميع كل حسب موقعه ومكانته ومقدراته، والانطلاقة حدثت بشكل ينبِّئ بمستقبل مزدهر لزهاء مليار ومئتي مليون إفريقي، لكن يبقى الأكيد أن جشع دولة الفرنجة وأطماع المتربِّصين بالقارة السمراء لا يُؤتمن.