الجزائر وفيتنام ومفارقة النهضة الاقتصادية!

رغم أن الجزائر تملك كل المقومات لتكون قوة إقليمية صاعدة، من ثروات باطنية ضخمة، وموقع جغرافي استراتيجي على بوابة أوروبا، وكثافة سكانية معتدلة، وامتداد جغرافي واسع، فإنها لم تنجح بعد في تحقيق إقلاع اقتصادي مستدام، ونهضة شاملة. في المقابل، تقدِّم فيتنام، الدولة الآسيوية الخارجة من حروب مدمّرة ومحدودية في الموارد، نموذجا لنهضة اقتصادية متصاعدة، جعلتها فاعلا محوريا في شبكات التصنيع والتصدير العالمية.
منذ أواخر التسعينيات، بدأت فيتنام في رفع ناتجها المحلي بوتيرة متسارعة، محققة نموا حقيقيا يتجاوز 6 بالمائة سنويا في المتوسط، مع استقرار مؤسسي، وتدفّقات استثمارية منتظمة، وسياسات تصنيعية موجَّهة نحو السوق العالمي. بينما ظلت الجزائر رهينة الدورة النفطية، التي يتأرجح أداؤها الاقتصادي صعودا وهبوطا مع تقلّبات أسعار المحروقات، من دون قدرة كبيرة على تنويع مصادر دخلها، أو تحفيز نسيجها الإنتاجي الداخلي بشكل كلي لتصبح المحروقات مجرّد رافد حيوي للتصنيع والنمو الاقتصادي. فما الذي يجعل دولة مثل فيتنام تتقدم بهذا الشكل المتسارع، في حين لا تزال الجزائر تعمل على تحقيق نهضتها؟
تفوّقٌ وعجز!
من المؤكد أن الجزائر تتفوق على فيتنام في معظم المؤشرات الاستراتيجية، بدءا من الجغرافيا وانتهاء بالموارد الطبيعية، فالجزائر هي الدولة الأكبر في إفريقيا والعالم العربي من حيث المساحة والعاشرة عالميا، بمساحة تفوق 2.384 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل سبعة أضعاف مساحة فيتنام التي لا تتجاوز 331 ألف كيلومتر مربع، لكن في المقابل، تستفيد فيتنام من كتلة سكانية تفوق 101 مليون نسمة عام 2024، بينما لا يتجاوز عدد سكان الجزائر 45 مليون نسمة، وهو ما يمنح فيتنام سوقا داخلية كبيرة وقوة عمل هائلة ومنخفضة التكلفة، وهو عامل حاسم في بناء صناعة تصديرية.
في ميدان الطاقة والثروات الباطنية، تتفوق الجزائر تفوقا ساحقا مقارنة بفيتنام، سواء من ناحية الاحتياطات المؤكدة أو القدرات التصديرية، إذ تمتلك الجزائر احتياطات مؤكدة من الغاز الطبيعي تُقدَّر بـ4504 مليار متر مكعب، مقابل 17 مليار متر مكعب فقط لدى فيتنام، أي ما يعادل أكثر من 260 ضعفا، وفقا للمصادر الدولية مثل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، ويعكس هذا الفارق المهول تموضع الجزائر كلاعب إقليمي ودولي في سوق الغاز، خاصة مع توسع مشاريع التسييل والتصدير نحو أوروبا وإفريقيا.
وفيما يتعلق بالنفط، تحتفظ الجزائر بـ12.2 مليار برميل من الاحتياطات المؤكدة، وتُصدِّر أكثر من مليون برميل يوميًّا، في حين لا تتجاوز احتياطات فيتنام 4.4 مليار برميل وهو الرقم المعتمَد من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، بينما إنتاج فيتنام لا يتعدى 154 ألف برميل يوميا (2024) وفقا لبيانات تريدينغ إيكونوميكس، فيما يبلغ استهلاكها اليومي نحو 602 ألف برميل وفقا لـ”CEIC” للبيانات، ما يجعلها تعتمد على الاستيراد لتغطية نحو 75 بالمائة من احتياجاتها النفطية، وتُقدَّر فاتورتها السنوية لواردات المحروقات (النفط الخام والوقود المكرر) بنحو 22 مليار دولار، وفقا لتقارير الجمارك وشركة البتروكيميائيات الفيتنامية.
وتتجلى الفجوة بين البلدين أيضا في الثروات المعدنية؛ فالجزائر تزخر باحتياطات ضخمة من الفوسفات (من ضمن أكبر خمس احتياطات في العالم)، والحديد، واليورانيوم، ما يفتح آفاقا صناعية واستراتيجية واسعة في مجالات الأسمدة والطاقة النووية والصناعات الثقيلة، في المقابل، تفتقر فيتنام إلى موارد معدنية ذات أهمية استراتيجية أو حجم عالمي، ما يجعلها أكثر هشاشة في سلاسل التوريد الصناعية العالمية. وتضع هذه المعطيات الجزائر -في حال أحسنت استغلال ثرواتها وتعزيز تكاملها الصناعي- في موقع قوة جيو اقتصادية يُمكّنها من بناء نموذج تنموي متكامل ومستقل، بعيدا عن التبعية للأسواق الخارجية.
أما من ناحية الطاقة الشمسية، فتُعدّ الجزائر من أغنى دول العالم، إذ تستقبل أكثر من 3000 ساعة من الإشعاع الشمسي سنويا على امتداد أراض صحراوية شاسعة، ومع ذلك، لم تستثمر هذه الميزة الجغرافية بشكل كبير لتحويل الطاقة الشمسية إلى رافعة اقتصادية أو استراتيجية، على العكس من ذلك، ورغم محدودية إمكاناتها، طوّرت فيتنام مشاريع طاقية في مجالات الشمس والرياح بشكل أسرع وأكثر تنظيما وكفاءة، وفيما يتعلق بالموقع الجغرافي، تتمتع الجزائر بموقع مركزي على المتوسط، وهي على بعد ساعة طيران فقط من أوروبا، لكن هذا القرب لم يتحول إلى قوة اقتصادية أو إلى منصة صناعية تصديرية.
بالمقابل، استثمرت فيتنام موقعها على بحر الصين الجنوبي واندمجت بفعالية في سلاسل التجارة الإقليمية والعالمية، رغم بُعدها النسبي عن الأسواق الغربية، وذلك من خلال الاتفاقية التجارية الحرة بين فيتنام والاتحاد الأوروبي “EVFTA” والتي مكّنت هانوي من تصدير ما يقارب 51.7 مليار دولار إلى أوروبا في عام 2024، وفقا لموقع “فيتنام نيوز”، وهو رقم يتجاوز مجمل صادرات الجزائر، التي بلغت 49 مليار دولار فقط في 2024، منها 7 مليارات من القطاعات غير النفطية، أي أنّ نسبة 86 في المئة من الصادرات الجزائرية ما تزال مرتبطة بالمحروقات، رغم مساعي التنويع.
بالمقابل، بلغت صادرات فيتنام السنوية لعام 2024، وفق رويترز، أكثر من 405 مليار دولار، منها نحو 255 مليار من الشُّعب الصناعية، وتشمل أبرز صادراتها الإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر والمكوِّنات الالكترونية بقيمة 72.6 مليار دولار، والهواتف ومكوِّناتها بـ53.9 مليار، والآلات والمعدات بـ52.3 مليار، المنسوجات 37 مليار دولار، الأحذية 22.9 مليار دولار، والأخشاب ومنتجاتها 16.3 مليار دولار. هذا التنوع والاندماج في سلاسل القيمة العالمية جعل من فيتنام اقتصادا مصنّعا ومُصدِّرا حقيقيا، رغم أنها لا تملك ما تملكه الجزائر من موارد أولية.
وهو ما يُوضّح أن الإقلاع الحقيقي لا تصنعه الموارد، بل تصنعه الإرادة، والرؤية، والعقول التي تدير المرحلة، وأن الفارق الجوهري بين الجزائر وفيتنام لا يكمن في حجم الثروات، بل في طريقة التفكير، وفي قدرة النُّخَب في إدارتها وتحويلها إلى قيمة مضافة مع التحوّل من نموذج ريعي هشّ إلى نموذج إنتاجي صلب، ففيتنام لم تنتظر المعجزات، بل شرعت في هندسة مستقبلها على أسس التصنيع والتكامل في سلاسل القيمة، مستندة إلى تخطيط استراتيجي دقيق، وانفتاح محسوب على الشراكات المتعددة، واستثمار ذكي في بنيتها التحتية البشرية والمؤسساتية، في المقابل، تحاول الجزائر في العهد الجديد الخروج من عقلية استخراجية تستهلك ما تملك وتُؤجّل ما يجب أن يُنجز، والتحرّر من التيهان بين الوفرة الطبيعية والندرة التنموية، وبين الفرص المتاحة والتردد في اقتناصها.
حين تفشل الموارد وتنجح الاستثمارات
رغم التفوّق الاستراتيجي الذي تتمتع به الجزائر من ناحية الموارد الطبيعية، لا سيما النفط والغاز، فإنها لم تنجح في تحويل هذه الإمكانات إلى نمو اقتصادي مستدام ومتنوع كما فعلت فيتنام، التي شهدت تحولا اقتصاديا عميقا خلال العقدين الماضيين، ففي مطلع الألفية، كانت الجزائر تتفوق على فيتنام من ناحية الناتج المحلي الإجمالي الاسمي؛ إذ بلغ ناتجها في عام 2000 نحو 54.2 مليار دولار أمريكي، مقابل 31.7 مليار دولار فقط لفيتنام، واستمرت الجزائر في تسجيل أداء اقتصادي قوي مدفوعا بنمو الطلب على المحروقات حتى عام 2008، إذ بلغ ناتجها المحلي نحو 180 مليار دولار، مقابل 99 مليار دولار لفيتنام.
إلا أن هذه الفجوة بدأت تتقلص تدريجيا مع تسارع النمو الفيتنامي المدفوع بالتصنيع والصادرات، لتتجاوز فيتنام الجزائر في بداية تراجع أسعار المحروقات عام 2015، حين بلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 239 مليار دولار، مقارنة بـ187.5 مليار دولار فقط للجزائر، وفقا لبيانات البنك الدولي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للجزائر بقي يراوح مكانه طيلة 15 عاما، متأثرا بتقلبات أسعار الطاقة، وظل يتأرجح حول عتبة 200 مليار دولار صعودا أو نُزولا، ما يدلّ على أن نسب النمو المسجلة خلال تلك الفترة كانت ناتجة بالأساس عن تحسُّن أسعار الطاقة أو تراجعها، وليس نتيجة توسع فعلي في الإنتاج أو تنويع في القاعدة الاقتصادية، كما أن ارتفاع الناتج المحلي الاسمي ليس دائما دليلا على نمو حقيقي، فقد يرتفع بسبب التضخُّم أو ارتفاع أسعار الطاقة، وليس بالضرورة نتيجة زيادة حقيقية في الإنتاج.
وبحلول عام 2024، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام الجزائرَ بشكل كبير، إذ وصل الناتج الاسمي إلى نحو 476.3 مليار دولار أمريكي، بينما بلغ الناتج الحقيقي 444.77 مليار دولار أمريكي وفقا للبيانات الرسمية الفيتنامية أي بتفوّق يتجاوز200 مليار دولار، في المقابل، لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للجزائر 267 مليار دولار، بينما بلغ الناتج الحقيقي نحو 224 مليار دولار، وفقا للبيانات الرسمية، وهو الفارق الكبير الذي يُظهر التفاوت بين استراتيجيات النمو في البلدين، خاصة أن فيتنام استطاعت أن تحقق نموا متسارعا في قطاعات متعددة مثل الفلاحة والصناعة والتكنولوجيا، بينما استمر الاقتصاد الجزائري في الاعتماد بشكل كبير على قطاع المحروقات، رغم الجهود المبذولة لتطوير القطاعات غير النفطية والتأقلم مع التحديات الاقتصادية العالمية.
بالمقارنة مع الجزائر التي شهدت فترات نمو متفاوتة تأثرت بتقلبات أسعار النفط، حافظت فيتنام على معدلات نمو اقتصادية ثابتة ومتسارعة، إذ سجلت في السنوات الأخيرة معدلات نمو تتراوح بين 6 و7 بالمائة سنويا، ما يعكس قدرتها على التوسّع في القطاعات الإنتاجية، وخاصة في الصناعات التحويلية والتصدير، ففي عام 2022، سجلت فيتنام نموا اقتصاديا بنحو 8 بالمائة، وهو ضِعف النمو الذي حققته الجزائر في العام ذاته.
وعلى النقيض، كانت الجزائر تواجه تحدّيات كبيرة نتيجة الاعتماد على النفط والغاز، مما يجعل النمو الاقتصادي هشًّا في مواجهة تقلبات السوق العالمية، ورغم بعض الارتفاعات في عائدات المحروقات، مما ساهم في نمو الاقتصاد بنسب تراوحت بين 3 إلى 4 بالمائة في معظم الأعوام التي تلت 2020، فقد سجّل الاقتصاد الجزائري نموا قدره 1.3 بالمائة في عام 2019، وفقا لتقارير البنك المركزي الجزائري وصندوق النقد الدولي. كما عانت الجزائر من انكماش اقتصادي خطير في عام 2020، إذ سجلت نسبة نمو سلبية بلغت أزيد من سالب خمسة ( -5.1%) جراء انكماش الطلب العالمي على النفط والغاز، في حين استطاعت فيتنام الحفاظ على نمو إيجابي بنسبة 2.9 بالمائة، بفضل قدرتها التصديرية رغم التحديات الاقتصادية العالمية الخانقة.
تصنيع الاقتصاد.. خيارٌ استراتيجي
لا يمكن الحديث عن التصدير من دون وجود قطاع صناعي قوي، فمنذ أن بدأت فيتنام في تنفيذ إصلاحات “دوي- موي” عام 1986، أصبحت مثالا بارزا في جنوب شرق آسيا على النمو السريع المدفوع بـالاستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد شهد الاقتصاد الفيتنامي تحولا كبيرا بفضل التركيز على القطاعات الصناعية التي أصبحت رأس الحربة في تعزيز القدرة التصديرية للبلاد، وبحسب بيانات وزارة التخطيط والاستثمار الفيتنامية منذ 1986 حتى جوان 2024، بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في فيتنام نحو 484.77 مليار دولار، جرى ضخّها في 40544 مشروعا موزَّعة على عدة قطاعات، مع تدفُّق كبير نحو الصناعات التحويلية، والتكنولوجيا، والطاقة.
بحلول عام 2024، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام الجزائرَ بشكل كبير، إذ وصل الناتج الاسمي إلى نحو 476.3 مليار دولار أمريكي، بينما بلغ الناتج الحقيقي 444.77 مليار دولار أمريكي وفقا للبيانات الرسمية الفيتنامية أي بتفوّق يتجاوز200 مليار دولار، في المقابل، لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للجزائر 267 مليار دولار، بينما بلغ الناتج الحقيقي نحو 224 مليار دولار، وفقا للبيانات الرسمية.
وتُعد الاستثمارات الكورية الجنوبية من الأبرز في هذا السياق، إذ بلغ حجم استثماراتها في فيتنام 54 مليار دولار، تركزت بشكل رئيسي في صناعة الإلكترونيات. وتُعدّ شركة “سامسونغ” من أبرز اللاعبين في هذا القطاع، إذ ضخت أكثر من 17 مليار دولار في فيتنام، مما جعل مصنعها في “هانوي” أحد أكبر مراكز إنتاج الهواتف الذكية في العالم، بالإضافة إلى “سامسونغ”، استثمرت شركات أخرى مثل “أل جي” و”هيونداي” في الصناعات الإلكترونية والسيارات، مما عزز قدرة فيتنام الإنتاجية في هذه المجالات. أما بالنسبة لليابان، فقد بلغت استثماراتها في فيتنام أكثر من 50 مليار دولار، تركزت في الصناعات الثقيلة مثل إنتاج الآلات والسيارات، وقامت شركات مثل “ميتسوبيشي” و”تويوتا” بإنشاء مصانع لإنتاج السيارات والإلكترونيات، مما ساهم في نقل التكنولوجيا المتقدمة واستراتيجيات التصنيع الحديثة إلى فيتنام، مما رفع من مستوى الإنتاجية وزاد من القدرة التصديرية للبلاد.
وتُعدّ كذلك الولايات المتحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين لفيتنام، إذ استثمرت نحو 15 مليار دولار حتى عام 2023، مع تركيز استثماراتها في مجال التكنولوجيا، من خلال شركات كبرى مثل “أبل “و”ميكروسوفت” و”إنتل” التي أنشأت مصانع لتجميع الهواتف الذكيَّة والمكوِّنات الإلكترونية، مما ساعد فيتنام على تطوير التكنولوجيا المتقدِّمة في مجالات مثل البرمجة وإدارة سلسلة الإمدادات.
فيتنام لم تصنع معجزة، بل انتهجت رؤية اقتصادية واضحة، قادتها إلى موقع مؤثر في الاقتصاد الآسيوي، أما الجزائر، فرغم توفر الموارد والفرص، لا تزال رهينة قرارات غير مكتملة، وتردُّد مزمن في القطيعة مع الماضي الريعي، في حين أنّ المعادلة واضحة؛ فالموارد الطبيعية لا تصنع نهضة، بل السياسات المتماسكة، والاستثمار في الإنسان، والقدرة على تحمّل تبعات الإصلاح.
الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، كانت أيضا من بين المستثمرين البارزين في فيتنام، فقد قامت ألمانيا بضخ أكثر من 10 مليارات دولار في مجالات إنتاج السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة. أما فرنسا فقد استثمرت بشكل رئيسي في الصناعات الغذائية والملابس، فأصبحت فيتنام واحدة من الوجهات الرئيسية لإنتاج الملابس للعلامات التجارية العالمية. ولم تقتصر استثمارات هذه الدول على رأس المال فقط، بل جلبت أيضا التكنولوجيا والاستراتيجيات الحديثة التي ساعدت فيتنام على الاندماج بشكل فعال في الاقتصاد العالمي، مما جعلها واحدة من الدول الأكثر تنافسية في مجالات الإلكترونيات والصناعات التحويلية والطاقة.
الجزائر ليست عاجزة
لا تتحمل السلطة الحالية بشخوصها ونيّاتها الوضع الذي تراكم طيلة أكثر من أربعين سنة؛ فمنذ اقتصاد البازار في ثمانينات القرن الماضي، وما تبعه من تخلي عن النهج الاستراتيجي البومدييني الذي كان ينبغي تصحيحه لا إلغاؤه وتصفيته، إلى انفتاح ديمقراطي فوضوي حوّل المطالب الاجتماعية والاقتصادية إلى شعارات سياسية ديماغوجية فجّرت البلد، وصولا إلى عهد الريع القاروني والفساد الفرعوني، ضاعت على الجزائر فرصة تاريخية للإقلاع الحقيقي طيلة عقدين. ورغم محاولات التصحيح الجارية، فإن الإصلاح لا يمكن أن يجري في الفراغ ولا بالمراوحة بين منطقين.
من ناحية الطاقة الشمسية، تُعدّ الجزائر من أغنى دول العالم، إذ تستقبل أكثر من 3000 ساعة من الإشعاع الشمسي سنويا على امتداد أراض صحراوية شاسعة، ومع ذلك، لم تستثمر هذه الميزة الجغرافية بشكل كبير لتحويل الطاقة الشمسية إلى رافعة اقتصادية أو إستراتيجية، على العكس من ذلك، ورغم محدودية إمكاناتها، طوّرت فيتنام مشاريع طاقية في مجالات الشمس والرياح بشكل أسرع وأكثر تنظيما وكفاءة.
لذا، وجب أن نستأنس بالنماذج، لا لنسخها، بل لفهم آلياتها ومفاتيح نجاحها، فـفيتنام لم تصنع معجزة، بل انتهجت رؤية اقتصادية واضحة، قادتها إلى موقع مؤثر في الاقتصاد الآسيوي، أما الجزائر، فرغم توفر الموارد والفرص، لا تزال رهينة قرارات غير مكتملة، وتردُّد مزمن في القطيعة مع الماضي الريعي، في حين أنّ المعادلة واضحة؛ فالموارد الطبيعية لا تصنع نهضة، بل السياسات المتماسكة، والاستثمار في الإنسان، والقدرة على تحمّل تبعات الإصلاح، وبينما بدأت الجزائر تُقرّ بذلك، يمكن أن تبدأ بالفعل مسار التحول الحقيقي، لا إلى فيتنام ثانية، بل إلى جزائر قوية بما تملك، وواعية بما تحتاج.