الجنسيات الأوروبية لم تسلم من احتقار الاستعمار في الجزائر

لم يكن الجزائريون وحدهم الذين عانوا الأمرّين من الاستعمار الفرنسي، بل تبين أن هناك شعوب أوروبية أو من يسمون بـ”الأقدام السوداء” الذين استقدمهم جيش الاحتلال من أجل تغيير النسيج السكاني في الجزائر، كانوا هم أيضا ضحية للتمييز والازدراء على مدار العقود الأولى، وفق شهادات أوروبيين أنفسهم.
ومن بين الجاليات الأوروبية التي احتلت أراضي الجزائريين وخدمت الاستعمار، لكنها عانت من التمييز، الأقدام السوداء من أصول إسبانية، الذين استوطنت غالبيتهم في وهران والعاصمة.
وتعتبر هذه الفئة من الأوروبيين، الأكثر عددا بعد الفرنسيين، وفق دراسة أعدها البروفيسور خوان باوتيستا فيلار، جاءت تحت عنوان “الإسبان في الجزائر الفرنسية”، نشرتها صحيفة “إل ديبات” الإسبانية، التي تحدثت عن المقاومة العنيفة للجزائريين ضد الاستعمار، الذي كان يستهدف السيطرة على الأرض وتغيير التركيبة السكانية للجزائر.
تقول الدراسة: “بعد هزيمة الأمير عبد القادر في معركة إيسلي سنة 1844، تحقق أحد الأغراض الرئيسية للاستعمار، وهي السيطرة على الأراضي الزراعية لتوطين الأوروبيين، في بعض الأحيان يعتبرونها بلا ملاك (أرض مشاع) حتى يتجاهلوا حقوق القبائل، والبعض الآخر من خلال المصادرة المباشرة. وقد أجبر هذا الوضع الجزائريين على العمل كمستخدمين لدى المستوطنين، كما أشار سارتر بالفعل، إلى الانتقال إلى الأراضي الواقعة في الجنوب والتي كانت ذات جودة أسوأ. ولشغل تلك الأراضي كانت هناك حاجة إلى جلب المستوطنين الأوروبيين”.
وتحدثت الدراسة عن التمييز الذي عانته الأقدام السوداء من أصول إسبانية تحت سلطات الاحتلال الفرنسي في الجزائر، ومن بين مظاهر هذا التمييز، وفق المصدر، حرمانهم من حمل السلاح، ما أدى إلى تصفية المئات منهم على يد المقاومين الجزائريين، كما حصل في سنة 1881، على يد شيخ المقاومة الجزائرية حينها، الشيخ بوعمامة.
تقول الدراسة: “عانى الإسبان، الذين كانوا يشكلون أهم مجموعة من الأجانب في البلاد، من بعض أشكال التمييز والازدراء التي لا يزال من الممكن رؤيتها في الأدب الاستعماري الفرنسي، وأدى الحظر المفروض على حمل الأسلحة إلى مذبحة للإسبان في سعيدة بالغرب الجزائري، في العام 1881 على يد زعيم المقاومة بوعمامة، الذي أجبر الحكومة الإسبانية على التدخل بعد مقتل مائتي إسباني. لقد تم إرسال البارجة نومانسيا، التي نقلت في البداية حوالي أربعمائة ناجٍ”.
وبعد 18 سنة فقط من الاحتلال الفرنسي للجزائر، أي في 1848، تجاوز عدد المستوطنين الإسبان ثلاثين ألفا، قبل أن يرتفع العدد بشكل مثير إلى 150 ألف مستوطن إسباني في سنة 1866، موزعين على كل من وهران بنحو تسعين ألفا، وستين ألفا في العاصمة، قادمين من مدن إسبانية مثل فالنسيا وأليكانت ومورسيا والأندلس وجزر البليار، وقد فضلوا منطقة الغرب الجزائري لقربها من التراب الإسباني، تضيف الدراسة. ووصلت عمليات الترحيل إلى حوالي عشرة آلاف إسباني خائفين فقدوا كل شيء.
وبهدف إحداث التغير المأمول من قبل الدولة الفرنسية على النسيج السكاني في الجزائر، عمدت في سنة 1870، إلى سن مرسوم كريميو، الذي يقضي بتجنيس اليهود لرفع عدد من يحملون الجنسية الفرنسية، وذلك بعدما وقفت السلطات الاستعمارية على عدم تحمس الكثير من الأوروبيين وعلى رأسهم الإسبان، على التجنس بالجنسية الفرنسية.
وتكشف الدراسة أنه مع بداية القرن العشرين، ارتفع عدد المستوطنين الإسبان في الجزائر إلى أكثر من 581 ألفا، من بينهم 421 ألف يحملون الجنسية الفرنسية، فيما قرر 160 ألف الاحتفاظ بجنسيتهم الإسبانية، غالبيتهم كانوا يقيمون في الجهة الغربية للجزائر، حيث يشكلون أغلبية المستوطنين هناك، بل إن في مدينة مثل سيدي بلعباس ولد 20 ألف من سكانها البالغ عددهم 32 ألف نسمة في إسبانيا.
كما كانت هناك أحياء إسبانية في الجزائر العاصمة، يعمل جل سكانها في الزراعة، قبل أن “يغادروا بشكل مأساوي”، تقول الدراسة مع استقلال الجزائر في عام 1962، حالهم حال الغالبية الساحقة من الأوروبيين من جنسيات أخرى بما فيها الفرنسية.