-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجولاني “منهك” الآن!

حسين لقرع
  • 2801
  • 0
الجولاني “منهك” الآن!

استغلّ الاحتلال الصهيوني الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها سوريا منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الجاري ليقترف بحقّها جريمة غير مسبوقة؛ فما بنته من قدرات عسكرية منذ استقلالها في 1946 إلى اليوم، وبعشرات المليارات من الدولارات، دمّره طيران الاحتلال بـ400 غارة شنّها على سوريا في غضون 48 ساعة فقط.. مئات الطائرات المقاتلة، والمروحيات، والمسيّرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والصواريخ، والقطع البحرية، والدبّابات، ومخازن السّلاح المختلفة، والمعاهد العلمية العسكرية… كلّ ذلك أصبح في مهبّ الريح، ليكون الجيش السّوري ثاني جيش عربيّ يدمّر تماما بعد تدمير الجيش العراقي وحلّه في 2003.
ما حدث خلال يومين في سوريا يجب أن يشعر كلّ عربي ومسلم وكلّ شريف حرّ في هذا العالم بالخجل والعار؛ فلأول مرة تدمّر 80 بالمائة من القدرات العسكرية لدولة عربية محورية، حتى في حرب 5 جوان 1967 التي فاجأ فيها جيش الاحتلال الجيشين المصري والسوري في معاقلهما، لم يحدث مثل هذا الدّمار الهائل، وكان هناك على الأقل مقاومة استمرّت خمسة أيام. الآن لم ير أحد أيّ مقاومة وبدا الأمر وكأنّه لا يعني الحكم الجديد في سوريا تماما، حتى حينما توغّلت قوات صهيونية داخل الأراضي السورية وأصبحت على بعد 25 كيلومترا فقط من دمشق، لم يتحرّك أحد لصدّها، بل لم يندّد أحد أيضا، الجميع مشغول فقط بالمرحلة الانتقالية والاحتفالات الصّاخبة بسقوط نظام الأسد!
هنا شعر الزعيم الجديد لسوريا، أبو محمّد الجولاني، بالحاجة إلى توضيح الأمور، فاغتنم فرصة مقابلته مع قناة “سكاي نيوز” ليصرّح أنّ “سوريا منهكة تماما من الحرب، ولذلك لن تخوض أيّ حرب أخرى الآن”، ولم يقم الجولاني حتى بإدانة العدوان الصهيوني الذي حرم الفصائل من القدرات العسكرية للدولة السورية!
سبحان مغيّر الأحوال! الجولاني الذي حارب في العراق تحت لواء أبي مصعب الزّرقاوي منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، وسجن هناك سنوات، ثم عاد إلى سوريا ليؤسّس “جبهة النّصرة” في أواخر 2011 حينما كان هناك قرار داخلي وإقليمي بعسكرة الثورة السّورية، وحارب بهمّة وشراسة إلى غاية 8 ديسمبر 2024، وكان بأس تنظيمه شديدا على الجيش السّوري وحلفائه.. هذا الجولاني الذي لم يشعر بـ”الإنهاك” سنوات طويلة من القتال، شعر به الآن فجأة حينما وصل إلى رأس الدولة السورية وأصبح وجها لوجه أمام الاحتلال الذي تحدّاه بتدمير القدرات العسكرية لبلده حتى لا تصل إليه، وبلغ به “الإنهاك” إلى حدّ العجز حتى عن التنديد، ربّما حتى لا يغضب أمريكا التي سترفع تنظيمه قريبا من قائمة الإرهاب وتلغي جائزة الـ10 مليون دولار التي وضعتها مقابل رأسه وتستعدّ للاعتراف بحكمه.. ثمّ، أين وجوه المعارضة السورية العلمانية ومنظّروها الذين طالما غازلوا الاحتلال منذ 2011 وتحدّثوا عن التطبيع و”السلام” معه وقالوا إنّه ليس عدوّا لبلدهم، أين هم الآن وهم يرون ماذا فعل بالمقدرات العسكرية لبلدهم؟ وأين “الفقهاء” و”الشيوخ” الذين طالما تحدّثوا عن وجوب “الجهاد” في سوريا ضدّ نظام الأسد، أين هم الآن من عدوان الاحتلال؟
من باب الموضوعية، لا ننتظر من الجولاني الذي لم يستلم الحكم سوى منذ بضعة أيام أن يتصدّى عسكريّا للاحتلال الآن، ولكنّ كان يستطيع على الأقلّ أن يستنكر الجريمة، إلا أنّه آثر الصمت المطبق وكأنّ الأمر لا يعنيه تماما مع أنّه أصبح الحاكم الفعلي لسوريا منذ 8 ديسمبر الجاري!
عندما توغّل الاحتلال في أراض سورية جديدة، أطلق على عدوانه اسم “سهم باشان” وهو اسم توارتيّ قديم للأراضي الواقعة جنوب سوريا وشرق الأردن، كما أظهرت فيديوهات عديدة على مواقع التواصل حاخامات وهم يؤدّون صلوات مع أطفالهم قرب جبل الشيخ الذي احتلّه الجيش الصهيوني منذ أيام، ويتلون مقاطع من “سفر هتانيا”، ويردّدون: “هذا بلدنا”، ما يؤكّد أنّ الاحتلال قد اغتنم تطوّرات الأحداث بسوريا للشروع تدريجيّا في إقامة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، فهل يعتقد الجولاني أنّ مهادنة العدوّ الصهيوني ستجعل سوريا بمنأى عن خطره؟
وبالتوازي مع تدمير الاحتلال القدرات العسكرية السورية التقليدية، “تبحث” الولايات المتحدة أيضا مع “حلفائها” في الشرق الأوسط ضرورة تدمير الأسلحة الكيميائية التي خلّفها نظام بشار، وقد بلغ الاستعلاء والتبجّح بأمريكا إلى درجة أن وزير خارجيتها بلينكن طالب الجولاني بتدمير الأسلحة الكيميائية التي خلّفها نظام الأسد، وهذا في الواقع اختبار آخر عسير للجولاني، فهل يرضخ للعجرفة الأمريكية بعد أن رفض الأسد ذلك قبله؟ أم يفعلها كدليل على “تفتّحه” و”سلميته”، مقابل اعتراف أمريكا والغرب بحكمه؟ لننتظر ونرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!